بعد عشر سنوات على إنشاء جهاز التنسيق الحضارى كغيره من الأجهزة القومية التى ظلمها التشريع الذى أطلقها وفقا لقانون البناء الموحد و لم يضع لعملها التزامات فعلية بالتنفيذ والتطبيق فكان لها شكل استشارى يسهل انتهاكه على الرغم من الدور القومى المهم الذى تقوم به فى الحفاظ على التراث العمرانى والاهتمام بجماليات شوارع وميادين مصر الذى يمثل الواجهة الحضارية لنا أمام العالم، هذا التهميش الذى يطال الكثير من المؤسسات القومية الأخرى التى لا يشعر المواطن بأثرها على الرغم مما يخصص لها من ميزانية الدولة وتتصف مجازا بالمؤسسات الديكورية هذا الجهاز كان له هذا المصير «أكتوبر» تناقش الأسباب التى أدت لذلك وكيف يمكن تفعيل دوره. الرئيس السابق لجهاز التنسيق الحضارى د.سمير غريب يقول إنه من العبث محاسبة جهاز التنسيق الحضارى أو محاولة تقييمه فى ظل دولة يقودها الخراب بشكل غير مسبوق منذ قيام ثورة 25 يناير والعمران المصرى والآثار التى تم تخريبها أكبر شاهد على ذلك فما يمثلة الجهاز من جهود مبذولة قمنا بها على أكمل وجه و بكل ما لدينا من صلاحيات و وسائل حددها القانون وكل ذلك له إثباتات بالمستندات والأدلة ولكن ماذا يفعل الجهاز وحده فى ظل حكومات فاشلة متعاقبة ونظم عاجزة عن علاج أبسط مشكلات الدولة بحكمة وعلم وعلى الرغم من تجاهل المحافظين لنا إلا أنه لا ينبغى أن نلقى بكل التهم عليهم لنبرئ الجهاز فنظام الدولة ومؤسساته بكاملها ضعيفة ... ويضيف: عملنا قدر المستطاع على الإصلاح وتقديم العون للعمران المصرى والتراث المستهدف بالتخريب والتدمير بالمشروعات والأفكار والاقتراحات التى نجحنا فى الكثير منها ولم نترك جهة أو وزارة إلا تواصلنا معها مطالبين بالتعاون والالتزام بالقانون وحتى القانون الضعيف و السطحى الذى يعمل الجهاز وفقا له ومواده 144 و 119 من القانون المدنى الذى ينظم كيفية حماية المبانى التراثية عملت على تعديله بلجنة أقامها الجهاز و خرجت باقتراح نص جديد ملائم و قوى وبعد إرساله لمجلس الوزراء و الجهات المختصة منذ سنة تم تجاهله ونسيت القضية ولا يزال التراث الحضارى والمعمار المصرى القومى يدفع الثمن والمادة 119 أيضا تم إبلاغنا بنظر وزارة الإسكان فى مقترحات تعديلها منذ عام كامل استجابة لدعواتنا لتعديله ولم تبت فيه أو تخرج بنتائج حتى الآن ولا نعرف السبب. غير تنفيذى أما المهندس صلاح حجاب الاستشارى الهندسى فيقول إن الجهاز القومى للتنسيق الحضارى إنما يتلخص عمله فى الاهتمام بالعمران الحضارى فى مصر بالحماية والمتابعة ولكنها مؤسسة غير تنفيذية بذاتها لأنها تحتاج لمختلف الهيئات بالعمل والتعاون معها لتحقيق أهدافها والغرض منها فقانون البناء الموحد لعام 2001الذى إنشاء الجهاز وفقا له فيما بعد عام 2008حدد ماهية التنسيق الحضارى المقصود بعملها من مبانى تتسم بالأثرية والتاريخية أو الطراز المعمارى الفريد بالاضافة للحفاظ على المعالم الجمالية العامة ووضع لذلك مجموعة من الأطر التى يعمل من خلالها بوضع الخطط ومراقبة وتحديد الأماكن التى تمثل مشكلة والعمل على حلها بالإضافة لوضع قوائم بالأماكن التى تمثل أهمية خاصة كالبنايات المحظور المساس بها بالهدم أو التغيير وحدود التعامل معها كالاثار كما توضع معايير عامة للأعمال العمرانية فى مجالات الإنشاء البنائى و الطرق و الإعلانات وإقامة المدن وهو ما يوجب على شركات الاستثمار المعنية المختلفه ان تلتزم به كما اضاف القانون بانه "يجب" التزام الجهات الرسمية كالوزارات والمحافطات والشركات بالتنفيذ والتعاون مع الجهاز لتحقيق خططه التى يقوم بوضعها وفقا لدراسات وابحاث وعلى الرغم من عدم ظهور نتائج تلك الجهود بشكل ملحوظ للشارع المصرى إلا أن لها اثر كبير وانما المشكلة الحقيقية التى يعانى منها الجهاز كغيره من مؤسسات الدولة هو الافتقار إلى آليات العمل التنفيذى والمتابعة وتقييم الأداء الذى من خلاله يتم تحديد نتائج الجهود التى بذلت وتحديد المشكلات التى تعيقها وسبل حلها فعليا. الجهاز مظلوم وتدافع الدكتورة سهير حواس رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري عن الجهاز وتقول إنه من الظلم اعتبار الجهاز ليس ذا قيمة أو أثر فعلى بعد العديد من المواقف القوية التى اتخذها ضد العديد من الانتهاكات العمرانية منها قضية وقف أبراج القلعة التى كان من شأنها تشويه تلك المنطقة الأثرية المهمة وأبراج رمسيس التى تم إزالتها لمخالفتها المعايير بالإضافة للعديد من المشروعات التى عمل الجهاز على تنفيذها كواجهة محطة مصر و شارع طلعت حرب واجهات العمارات القديمة ذات الطراز المعمارى المميز و قصر النيل وبنك الاسكندرية ومشروع زراعة الأسطح الذى لقى نجاح كبير والتصدى للنصب التذكارى المزعوم فى ميدان التحرير بالإضافة للكثير من حملات التوعية و الندوات العلمية التى نحاول بها محاربة التشوه الحضارى من العامة والاهمال والتعدى والتخريب غير المسئول من المواطنين مضيفة انها على الرغم من تركها للجهاز عقب تغيير الوزارة الأخير إلا أنها تفتخر بانتمائها لهذا الجهاز الوطنى الهام الذى يلقى على عاتقه ظلم وفساد باقى الجهات ويتحمل وحده المسؤلية ليتهم بالتهميش و التقصير وانما التقصير الحقيقى نراه من المحافظين الذين لا يطبقون القانون ولا يلبون صرخات الجهاز للحفاظ على الكثير من المبانى التراثية المسجلة التى يتم التعدى عليها و هدمها وبيعها وتخريبها وهذا ما نعانيه بالفعل فى الكثر من المناطق بالاسكندرية و الجيزة و مصر الجديدة كما نعانى من الكيل بمكياليين فى تطبيق القانون الذى يتم تطبيقه على المواطن العادى ولكن من يتمتعون بحيثيات خاصة يتم استثناؤهم وهذا لعدم إلزام القانون برادع فعال وقوى ضد من ينتهكه و يبدد العمران المصرى و تراثه الحضارى. ويختلف معها الدكتور طارق والى أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة عين شمس فى الرأى ويرى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى ذو دور محدود وغير موضوعى ليس فقط بسبب صلاحياته المحدودة وإنما لتقصيره تجاه العديد من القضايا المهمة التى وقف أمامها مكتوف الأيدى وخاصة ملف المبانى المسجلة ضمن التراث الحضارى المحظور المساس به والتى نخسرها كل يوم ببساطه بسبب اصدار حكم محكمة غير مبرر لصالح المنتفعين لتخرج تلك المبانى من من التسجيل وبخلاف حكم المحكمة فالاصل ان القانون يجيز للجهاز منع مالك العقار المسجل من بيعه ولكنها لا تستطيع منعه من هدمه أو تغيير معالمه وهذا إشكال آخر بالإضافة لخلو عدد كبير من المحافظات من مكاتب التنسيق الحضارى منها محافظة الاقصر التى تعتبر من أهم المحافظات الأثرية والكثير من المحافظات و المدن التى تمتلئ بالمبانى الأثرية والمعمار التراثى الذى يعود بعضه للقرن 19 كحال العمارات والمبانى الشهيرة بوسط القاهرة ومن تلك المبانى المتجاهلة أحد القصور المهمة فى مدينة ملوى بالمنيا وقضية فيلا الاسكندرية الشهيرة التى انتبهت لها المحافظه بعد البدء فى هدمها وحتى فى القاهرة لا ننسى أحد القصور المهمة بشارع شامبليون وقصر لاظوغلى بميدان سيمون بوليفار الذى تم احراقه ضمن التخريبات التى صاحبت ثورة يناير ولم ينتبه له أحد إلى الآن وكذلك ما اسميه مذبحة القصور التى تمت جملة فى الجيزة والمعادى والهرم والزمالك فتقصير الجهاز لا يقتصر فقط على صلاحياته وإنما فى توزيعه على المحافظات والشكل المركزى الخاطئ الذى يعمل به والأهم أعمال المتابعة والمراقبة الدورية على المبانى المسجلة. أما الدكتور عبد المحسن برادة عميد كلية التخطيط العمرانى الأسبق فيرى أن الجهاز القومى للتنسيق الحضارى كمؤسسة فهو ذو أهمية كبرى فى الحفاظ على القيمة التراثية المصرية و الهوية العامة والجمالية لشوارع وميادين مصر ولكن يكمن تقصيره فى الآليات المحدودة التى يملكها والصلاحيات وعدم التنسيق بينه وبينن المحليات ولا يتصور أن يتم إلغاء الجهاز أو هدمه من أجل ذلك وإنما المفترض تزوده بالإمكانات والميزانيات التى تؤهله للقيام بدوره الواقعى فالبنسبة لمشكلات المبانى الأثرية المسجلة فالحقيقة أن دور الجهاز يتلخص فى التسجيل فى حين لا يملك المالك أى قدرة على التصرف فى العقار فيلجئ لطرق التحايل للاستفاده من أرثه فى حين يعجز الجهاز المنوط بحمايته بأن يشترى ذلك العقار المسئول عن حمايته وهو الحل المنطقى والتى يمكن بعد ترميمه وإصلاحه إعادة الاستفاده منه وتأجيره ايجار ذو قيمة لإحدى الجمعيات أو النقابات أو الأحزاب أو تحويله لمعارض عامة ومركز ثقافى إما من جهة الحفاظ على التنسيق الحضارى العام فى الشارع والميادين للجهاز للبدء بالتنفيذ فعليا منذ عاميين وحتى الآن بالتعاون مع المجلس الأعلى للتخطيط الذى أقر اقتراحات الجهاز وخططه فى تحديد الاشتراطات البنائية لاعمال البناء جماليا و حضاريا وخاصة للمناطق ذات القيمة بتوحيد شكل المبانى والألوان المستخدمة والتى تكلف بتنفيذها المحليات وقد بدء بالفعل العمل على ذلك بداية بمنطقة وسط البلد فى 2010 إلى مصر الجديدة والزمالك ويجرى العمل الآن بذلك فى جاردن سيتى ونأمل فى المستقبل تعميم التجربة فى باقى مناطق القاهرة ثم المحافظات قدر المستطاع اما فى بعض القضايا الكبرى كأبراج القلعة أو جراج رمسيس الذى تم هدمه فإن للجهاز دور بسيط لا يكاد يذكر إنها كان الدور الأكبر لمنظمات العمل العام واليونسكو وعلى الرغم من ذلك كان له دور بارز فى منع هدم الكثير القصور والفلا الأثرية بمصر الجديدة والإسكندرية ولا ننسى الأعمال التى قاموا بها لاحياء أوبرا دمنهور والمنطقة المحيطة بها والتى قام بتنفيذ تجديده وزارة الثقافة بالتعاون مع الجهاز وكذلك منطقة مطار إمبابة وهذا ما يؤكد الدور المهم للجهاز القومى للتنسيق الحضارى الذى يجب أن يتم إسناده بمزيد من آليات التمكين للعمل بحرية وإلزام المحليات والجهات المسئولة بالتعاون وإعادة تقنين وضعها العام ليشعر المواطن العادى بدور هذا الجهاز ....