كتب : أحمد الفران خلال العقدين الأخيرين أضحت الثقافة والاستثمار فى قطاعاتها أحد أهم عناصر النمو الاقتصادى لاسيما فى الدول المتقدمة، وتزايدت أهمية الثقافة بعد أن ثبت للعالم دورها المهم فى عملية التنمية المستدامة، وثبت فشل معظم النظريات الاقتصادية فى تحقيق التنمية المستدامة على الرغم من نجاحها فى تحقيق نمو اقتصادي، حيث إن التنمية المستدامة هى التى لا تختزل الإنسان فى بعد واحد، هو البعد البيولوجي، إنما تأخذ البعد الاجتماعى والاقتصادى والعقلى والنفسي، وهى نظرية تعلى من شأن الإنسان بوصفه مالكًا لرأس المال وليس ضحية له. ومضى العهد الذى كانت تقاس فيه التنمية عبر مؤشرات رقمية بحتة فقط وأضحى مفهوم التنمية اليوم أكثر عمقا وشمولية، تتداخل فيه عوامل كثيرة ومتعددة ومختلفة، ويقاس بمدى قدرة أية استراتيجية على النهوض والتقدم بكافة المناحى الاجتماعية. فلقد أضحى محور العملية التنموية وهدفها المركزى فى مفهومها المعاصر، الإنسان والجماعات البشرية، وتبعا لذلك ظهرت مفاهيم جديدة للتنمية تؤكد على الدور المحورى للثقافة فى تحقيق تنمية متكاملة وشاملة للإنسان وللمجموعات البشرية. ومما لاشك فيه أن رقى الأمم والشعوب يقاس بمدى وعيها الثقافى وتطورها الحضاري، وبما توفره لمواطنيها من قنوات ثقافية فاعلة ومساعدة على التنمية، حيث إن التنمية عمل شمولى يمس مختلف جوانب حياة الأفراد والجماعات فى أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومع ازدياد هذه الأهمية فى العقود الأخيرة أضحى موضوع ارتباط الثقافة بالتنمية من أهم القضايا التى توليها الدوائر الرسمية الدولية والمحلية عناية فائقة ومستمرة ، ويرجع ذلك لما للثقافة من دور فعال فى كل تنمية اجتماعية لاسيما إذا أخذنا فى الاعتبار التطور الهائل الذى يشهده العالم فى مجال العلم والمعرفة والتى ستكون لها أثار على الإنسان أفرادا وجماعات. ومن هنا ظهرت أهمية الصناعات الثقافية أو الصناعات الإبداعية وهى صناعات بازغة يتعاظم دورها فى عملية التنمية الاقتصادية وذلك مع التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة. ومن الوجهة الاقتصادية، فإن صناعة الإبداع الثقافى أو الصناعات الثقافية هى عبارة عن النشاطات الفكرية التى تسمح بإنتاج سلع غير ملموسة وخدمات ذات قيمة مضافة، يجرى التداول بها وترويجها أو اقتناؤها من خلال نشاطات اقتصادية تؤدى إلى تحصيل إيرادات ونواتج مالية وخلق وظائف وفرص عمل تسهم فى دعم الناتج القومى وتحسين فرص التنمية. ويتعاظم دور الصناعات الثقافية فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية على النحو التالى :- باتت اقتصاديات الثقافة هى الاقتصاد الأكثر ثباتاً واستقراراً خاصة بعد تداعيات الأزمة المالية العالمية، إذ تضاعفت صادراته فى العالم خلال المدة من 2002 إلى 2009 لتصل إلى 712 مليار دولار. ومنذ العام 2005 بدأ خبراء الاقتصاد الدوليون يلحظون ويحددون أيضاً الزيادات العينية المطّردة للقيمة المالية التى ينتّجها اقتصاد الإبداع، إذ بلغت فى العام المذكور حوالى 3.1 تريليونات دولار، وفى العام 2007 بلغت 4 تريليونات دولار وفى العام2009 بلغت نحو 7.1 تريليونات دولار وهى تنمو بمعدل 8% سنوياً. فقد فاق إسهام الصناعات الثقافية فى الناتج الإجمالى المحلى فى بعض الدول إسهام قطاعات صناعية كبيرة مثل: الصناعات الغذائية، وقطاع البناء وقطاع الحواسيب. كما ساهمت الصناعات الثقافية فى توفير فرص العمل بنسب كبيرة إذ تزيد فى بعض الدول مثل الدانمرك على 12% وعلى 10% فى السويد. وعليه فان الثقافة تمحور دورها فى السنوات الأخيرة وتحولت من مجرد متعة فكرية أو ترفيهية، إلى عامل مؤثر ورئيسى فى كافة الخطط التنموية.