تتحرك كالشبح.. نحيفة.. صفراء الوجه.. تحيط عينيها هالة من السواد.. هيكل عظمى.. حركتها يشوبها الضعف والوهن.. تحتاج إلى من يساعدها.. تحتاج إلى من تضع ذراعيها حول رأسه لتنقل من مكان إلى آخر.. وبالرغم من احتياجها الشديد إلا أن حُمرة الخجل تكاد تتحول إلى نار تأكل وجهها.. بل جسدها بأكمله.. ترفع رأسها تنظر إليك ترى الدموع تترقرق داخل مقلتيها تكاد أن تفر منها إلا أنها تمسكها.. صوتها منخفض تخرج الحروف بصعوبة من بين شفتيها.. تؤكد أنها فى غاية الإحراج ولولا الحاجة الشديدة وضيق ذات اليد ما كانت قد لجأت لمد يدها ولكن ظروف الحياة الصعبة.. ولولا المرض الذى داهمها ما كان أحد قد شاهدها أو حتى خرجت برة عتبة بيتها.. ولكنها مشيئة الله التى لا راد لها.. كانت حياتها تتهاوى كالقارب على سطح المياه الهادئة.. تعيش فى سعادة مع زوجها وأولادها الثلاثة.. بنتين وولد.. وبالرغم من قلة الدخل إلا أن الرضا بما قسم به الله لهم كانت السمة الرئيسية التى تتسم بها هذه الأسرة.. الزوج كان يعمل سائقًا على ميكروباص يخرج من الصباح الباكر يوميًا للعمل من أجل توفير متطلبات الحياة ومصاريف الأولاد والذى كان يتمنى أن يراهم فى أحسن حال ويواصلوا تعليمهم.. كانت فرحتها كبيرة لا توصف عندما التحق ابنها بالجامعة.. وتقدم عريس للابنة الكبرى، أما الابنة الصغرى فكانت طالبة بالمرحلة الثانوية.. كانت ترى زرعها وهو يكبر وكان حلمها أن تصل بهم إلى يوم الحصاد.. أحلام.. وآمال كبيرة.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، استيقظت من أحلامها على وفاة السند والمعين والعمود الفقرى للأسرة.. مات الزوج والحبيب.. مات وترك لها أولاده.. تركة كبيرة تحملها على أكتافها.. حاولت أن تتماسك وتحافظ على الأمانة.. حاولت ألا تُشعِر الأولاد بأى أزمة بالرغم من أن المعاش التأمينى فى ذلك الوقت لم يتعد 127 جنيها.. كانت تبذل قصارى جهدها لتوفر للأولاد احتياجاتهم.. ولأنها تعيش فى إحدى قرى محافظة من محافظات شرق الدلتا.. فقد عملت بتربية الطيور وبيعها فى السوق مقابل جنيهات تسد بها رمق أولادها.. ولكن ما حدث لها لم يخطر على البال.. سقط على رأسها كالصاعقة.. فقد شعرت بآلام فى بطنها وظهرها حاولت أن تتماسك وتلجأ لما تعرفه ويعرفه الجيران من وصفات شعبية وذلك من أجل أبنائها.. أسبوع والثانى ولكن كانت هناك أعراض أخرى أصيبت بنزيف شرجى لم تتحمله.. ذهبت إلى الوحدة الصحية وعندما أخبرت الطبيبة بشكواها طلبت منها الذهاب إلى المستشفى العام وهناك أجريت لها الفحوصات وطلب الأطباء إجراء تحاليل ثم أشعة.. ثم منظار وكانت الطامة الكبرى أنها مصابة بورم بالقولون والمستقيم وتحتاج إلى أن تعرض نفسها على أطباء المعهد القومى للأورام حتى تتأكد من ذلك الورم.. هل هو حميد أم خبيث.. اصطحبها الابن وجاء إلى القاهرة ثم عرضها على الأطباء وأجريت لها فحوصات متخصصة وتم التأكد من الورم أنه ورم سرطانى وتحتاج إلى جلسات علاج كيماوى وإشعاعى.. وبعدها دخلت غرفة العمليات وأجريت لها جراحة ثم استئصال الورم وأكد الأطباء احتياجها لجلسات علاج ومسكنات وأدوية كل هذا وهى غير قادرة على مواصلة عملها الذى كانت تقوم به ومعاش الزوج لا يكفى ومصاريف الأولاد كثيرة.. وكان الله فى عونها ساعدها أهل الخير واستطاعت أن تزوج الابنة المخطوبة ولكنها الآن لا حول لها ولا قوة.. الابن تخرج ولكنه لا يجد عملا والابنة الصغرى تركت الدراسة وجلست فى البيت لتخدم أمها المريضة.. جاءت السيدة تطلب المساعدة على استحياء.. فهل هناك من يقف بجانبها؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.