طحنتهم الأحوال المادية والاقتصادية السيئة.. كسر عظامهم.. ونهش لحمهم المرض الذى لا يرحم.. حالات كثيرة عشرات.. بل آلاف سقطوا بين شقى الرحى الأول المرض.. والثانى الفقر.. إنهم يعانون.. يصرخون.. يتوسلون.. ويستنجدون.. الكثير منهم يرسل طلبا للمساعدة.. ونحن نحاول ونبذل ما فى وسعنا لعلنا نستطيع أن نقف بجوارهم ونساعدهم.. وهذا الأسبوع كانت هناك عشرات الرسائل وطلبات المساعدة واخترنا هاتين الحالتين.. المرض والفقر جمعهما.. الحالة الأولى لسيدة تبلغ من العمر الثانية والأربعين تنتمى لأسرة محدودة الدخل تعيش فى إحدى قرى محافظة بنى سويف حاصلة على دبلوم تجارة ومتزوجة من ابن عمها وارتبطت به بعد قصة حب.. كانت تحلق مع أحلامها الوردية وكان أحد أحلامها أن يرزقها الله بالأبناء، ولكن رزقها الله بابنة واحدة ومع ذلك حمدت الله على ما أعطى.. وهبت حياتها وصحتها للزوج والابنة.. كانت تستيقظ فى الصباح لتعد للزوج كوب الشاى وسندوتشات المدرسة للابنة الحبيبة، ثم تبدأ بعد ذلك مشوار حياتها اليومية، ولكن ما حدث فى ذلك اليوم أنها شعرت بالضعف والوهن، جلست على الكرسى تلملم حالها، ولكن ما هذا ضربات قلبها تسرع.. تتزايد.. تشعر بأن القلب سوف يخرج من الصدر.. ظلت هكذا حتى عاد الزوج من عمله وعندما رأى ما أصابها طلب منها أن تذهب معه إلى الطبيب ولأنها تعلم جيدًا أنه لا يملك أجر الكشف.. طلبت منه أن ينتظر وسوف تكون على ما يرام، ولكن ذلك لم يكن صحيحا فهى تشعر بالاختناق وعدم استطاعتها التنفس.. والأكثر من ذلك أن الزوج لاحظ ورم ظهر فى رقبتها.. أصر أن يأخذها للطبيب، ولكنها طلبت منه الانتظار حتى الصباح لتذهب إلى المستشفى.. وكانت ليلة ليلاء عاش الزوج على أعصابه.. وفى الصباح حملها إلى المستشفى وهناك فحصها الطبيب، ثم طلب إجراء بعض التحاليل والأشعة على الرقبة، وكانت النهاية، فقد ظهر فى الأشعة أن الزوجة مصابة بورم بالغدة الدرقية، ولذلك وصف الطبيب لها بعض الأدوية وطلب من الزوج اصطحابها إلى المعهد القومى للأورام، حيث تم إجراء مزيد من الفحوصات وكانت كلها تؤكد أن الورم هو ورم سرطانى بالغدة الدرقية وأن الزوجة تحتاج إلى إجراء جراحة لاستئصال الورم، ودخلت «هناء» المعهد لإجراء الجراحة وتركت الابنة مع حماتها لترعاها وترك الزوج عمله ليرافق الزوجة فى محنتها وتمت الجراحة، حيث تم استئصال الغدة الدرقية وكان من الضرورى أن تتلقى علاجا كيماويا وإشعاعيا لمحاصرة المرض وكانت رحلة علاج طويلة وإلى الآن لم تنته فعليها أن تتردد أربعة أيام أسبوعيا لتلقى العلاج والمتابعة، وكل ذلك يحتاج إلى مصاريف كثيرة والزوج موظف محدود الدخل ومرتبه لا يكفى مصاريف علاج الزوجة ومصاريف انتقالها من قريتهم التى يعيشون بها إلى المعهد القومى للأورام ومصاريف دراسة الابنة فمازالت الرحلة مستمرة ولا يعلم متى تنتهى إلا الله.