أسوأ ما يفعله عمل فنى، فيلم أو غيره، أن يتناول قضية خطيرة بطريقة ركيكة وعبيطة، وأن يقدم تناولا ساذجا ومباشرا لموضوع يحتاج إلى أعلى درجات العمق والنضج والاحتراف الفنى. تلك فى الحقيقة مأساة فيلم «الملحد» الذى كتبه وأخرجه نادر سيف الدين فى أولى تجاربه، والذى أعتبره بلا مبالغة أحد أسوأ أفلام العام السينمائى 2014، وأكثرها ركاكة ومباشرة، لا تستطيع حتى أن تعتبره منتميا إلى أفلام الهواة، لأن بين هذه الأفلام التى يصنعها الهواة أعمالا ناضجة. لا يوجد تقريبا عنصر واحد جيد، بداية من سيناريو ميلودرامى من الدرجة الرابعة، مباشرة يلجأ إلى تنميط شخصياته، يعلو فيه صوت المؤلف دون أن يدرك المسافة بين الفن والدعوة المباشرة، مرورا بممثلين يفتقدون الموهبة والتدريب، ومعهم ممثل وممثلة من أجيال مخضرمة هما صبرى عبد المنعم وليلى عز العرب، شبعا مبالغة وأداء مسرحيا مضحكا، وانتهاء بإخراج ركيك ينتمى إلى عصر السينما البدائية حيث الأفلام بالنيات، والديكور حسب التساهيل، والإضاءة حسب التجارب، والمونتاج على قدر ما تسمح الظروف، المهم هو تعليب الفيلم، والدفاع عن الدين والعقيدة، دون أن يستوعب صناع «الملحد» أن فيلمهم الركيك يسىء إلى قضيتهم، ولا يدافع عنها، وأن القضايا الكبيرة تحتاج أفلاما كبيرة وعظيمة، وإلا أصبحنا أمام إحدى المساخر والمهازل المؤلمة، وأعتقد أن «الملحد» يندرج مع الأسف تحت بند المهزلة الفنية المتواضعة، كان يمكن أن يظل الفيلم فى إطار سوق عرض الفضائيات التى تبتلع كل شىء، ولكن عبقريا أراد أن يعرضه فى صالات أفلام الدرجة الأولى، فتحولت المهزلة إلى كوميديا سوداء. ليست هذه هى المرة الأولى التى تقدم فيها شخصية الملحد فى السينما المصرية والعربية كما قد يظن البعض، أشهر شخصية ملحدة ظهرت مثلما يتذكر كثيرون فى فيلم «الإخوة الأعداء» للمخرج الراحل حسام الدين مصطفى، ولعبها ببراعة نور الشريف، إنه الأخ المثقف الذى كان يرفع شعار «إذا لم يكن الله موجودا فكل شئ مباح»، وقد أوحى ذلك إلى شقيقه المصاب بالصرع (محيى اسماعيل) أن يقتل والدهما (يحيى شاهين)، فى المحكمة يتراجع الشقيق المثقف عن فكرته، ويعترف بوجود الله، ظهرت شخصية الملحد البوهيمى أيضا بأداء الراحل عادل أدهم فى فيلم أقل شهرة هو «أين تخبئون الشمس» للمخرج المغربى عبد الله المصباحى. فى السنوات الأخيرة أصبح للملحدين العرب تجمعات ومواقع على الشبكة العالمية، وقد أزعج ذلك فيما يبدو نادر سيف الدين، الذى أراد بحسن نية أن يعرض مأساة شاب وقع فى الإلحاد، وأن يتخذ من هذه الحالة وسيلة للتوعية ولكن على طريقة ميلودراما أوائل القرن العشرين، ومن خلال المبالغات الأدائية، والاستخدام الفج والمزعج للموسيقى التصويرية، وعن طريق زيادة جرعة البكائيات والكوارث على غرار مسرحيات يوسف وهبى، ثم لجأ إلى أصدقائه (على ما أظن) فى «تمثيل» السيناريو المتواضع، حتى يكون للأجيال الجديدة عبرة وعظة فيما حدث لبطل الفيلم، ده طبعا فى حال تورط أى شخص من الأجيال الجديدة فى مشاهدة «الملحد»، أو فى حال صموده حتى المشهد الأخير وهو فى حالة عقلية ونفسية معقولة، وكلها أمور مشكوك فيها، إذ شاهدت الفيلم/ الكارثة مع اثنين آخرين: واحدة محجبة هربت فى الاستراحة ولم تعد، وأعتقد أنها لن تدخل مرة أخرى هذا المول الشهير، والثانى ظل يتمطى ويتثاءب ويتململ وكأنه تحت التعذيب، أما العبد لله فقد صمد بحكم مهنته فى متابعة الأفلام والكتابة عنها، وإن لم أستطع أن أمنع نفسى من الضحك بصوت عال، بسبب أداء الممثلين الذى يمكن أن تعتبره أداء ممثلى الصامته بجواره، عملا أصيلا ومبدعا، العشوائية هى إذن عنوان فيلم لايمتلك سوى النوايا الحسنة التى تقود أحيانا إلى جهنم. الحكاية عن شاب لا نعرف له مهنة اسمه نادر (محمد عبد العزيز)، كئيب المظهر والهيئة وأقرب إلى الشخص المريض، والده (صبرى عبد المنعم) داعية فى الفضائيات، والشاب له شقيق اسمه مصطفى (محمد هشام) يعمل مهندسا، ويستعد للزواج من فتاة تدعى سارة (ندى بهجت)، الأم لا يفوتها أى فرض (تلعب دورها ليلى عز العرب)، وداخل الأسرة فتاة رباها الداعية اسمها عبير (ياسمين جمال). نعرف مباشرة أن نادر الكئيب يتردد على شخص يقال له البروفيسير، يبث فى عقله بذور الإلحاد والكفر، يقوم رئيس تحرير جريدة بتكليف مصور لتصوير نادر فى جلسات الإلحاد لفضح الداعية الفضائى من خلال ابنه، رئيس التحرير فى الفيلم قادم مباشرة من أفلام الأبيض والأسود القديمة، حيث يكلف المصور الصحفى بالمرة بأن يأخذ معه مقالا كتبه رئيس التحرير إلى المطبعة مباشرة. يعرف مصطفى بطريقة ساذجة أن شقيقه من الملحدين، حدث ذلك عندما ترك له نادر الكمبيوتر، يقوم مصطفى بإبلاغ الداعية بأن فلذة كبده الثانى أصبح من الملحدين، تحدث مواجهة مضحكة بين الداعية وولده الأصغر الذى يتهمه بأنه يرتزق من الدعوة، وبأنه أراد للابن الأصغر أن يكون صورة من أخيه الأكبر، تنهار الأم وتبكى طوال الفيلم تقريبا وسط موسيقى صاخبة للكمان والناى، تتدهور صحة الداعية، تظهر عليه بوادر الشلل المنتظرة، على سرير الموت المعهود، يطلب الداعية من ابنه غير الملحد مصطفى أن يعيد ابنه الملحد نادر إلى الإسلام، يعترف الأب بأنه نسى فى غمار الدعوة أن يهدى ابنه الأصغر !!، يبدأ مصطفى رحلة لمناظرة البروفيسير وأتباعه بالعقل والمنطق، فى الوقت الذى يقطع نادر صلته بعائلته، نراه فى شقة أخرى لا نعرف كيف حصل عليها، يواصل معاملته المهينة لعبير التى يصفها طوال الوقت بأنها خادمة، ولا تكف هى عن تحمله، ثم تعلن عن كراهيتها له، لن تؤدى مناظرات مصطفى إلى تغيير رأى البروفيسير، ولن تقنع نادر، الذى سيكتشف الله بصورة أبسط فى قلب بائعة جبن بسيطة (نبيلة حسن)، والذى سيجد نفسه فى بيت من بيوت الله، حيث يقتنع أخيرا بفكرة العدالة الإلهية فى الثواب والعقاب، ولا ندرى بالضبط لماذا لم يقتنع بذلك من قبل، تأسره آيات سورة الرحمن وكأنه يسمعها لأول مرة مثل كفار قريش فى الأفلام الدينية القديمة، أثناء عودته للصلاة، يسقط على الأرض، ينزف من أنفه، تثبت التحاليل إصابته بمرض سرطان الدم، يترك القاهرة للعلاج، تبحث عنه أسرته، يلتقى فى المصحة بملحد سابق، يحصل على مزيد من الموعظة، يكتشف نادر حلاوة الإيمان، يموت بين يدى مصطفى الذى يذكره بتكبيرات العيد، تدخل الأم لتواصل البكاء، المشهد كله بالحركة البطيئة، ينتهى الفيلم / الكابوس، أدعو الله أثناء الخروج أن يحمى دينه من تلك التجارب الفنية العجيبة، ومن أولئك المبتدئين الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا، وهم يزيدون الطين بلّة .