بعد تلك الموجة التى تزعم ظلمًا وعدوانًا أنها تقدم «أفلامًا كوميدية» يبدو أننا فى الطريق إلى موجة من أفلام الميلودراما السخيفة التى تخجل منها السينما الهندية وأفلامها البلهاء، والدليل هذا الفيلم العجيب «القشاش» الذى كتبه محمد سمير مبروك وأخرجه إسماعيل فاروق، ودفعت به الشركة التى ارتبكته فى موسم عيد الأضحى، وأعطت بطولته لممثل لا خلاف على موهبته هو محمد فراج الذى كنت أعتقد أنه سيكون أكثر ذكاء فى الاختيار، أو سيقتنع بأدواره الصغيرة المميزة، ولكن من الواضح أن نجاح محمد رمضان قد فتح شهية أبناء جيله، وهو طموح مشروع، ولكن بشرط ألا يؤدى ذلك إلى كوارث فنية من نوع «القشاش» الذى يقدم ابتزازا عاطفيا ينتهى إلى مناحة (بالمعنى الحرفى لا المجازى)، كما يعرض حكاية ساذجة تستخف بعقل مشاهدها، وتعتمد على مصادفات غريبة ومضحكة، ويبدو أن المؤلف كان عاشقا فى طفولته للسينما الهندية وعجائبها، فقرر أن يقدمها لنا بصورة ركيكة، وتخلو من أى نوع من أنواع الفن والابتكار. لعلك قد تندهش، وقد شاهدت تريلر الفيلم «مقدمته الإعلانية» إذا قلت لك أن محمد فراج أو سيد القشاش بطل العمل ليس بلطجيا، رغم أنك تراه فى الإعلان يحمل السنجة التى أصبحت فيما يبدو شعار المرحلة، هو على العكس مما تصورت إنسان غلبان لا نعرف عنه إلا أنه قضى نصف طفولته فى الملجأ، والنصف الآخر من طفولته فى الأحداث، وكل حبكة الفيلم حول اتهام سيد القشاش بجريمة قتل لم يرتكبها، رجل ثرى اسمه مصطفى أباظة «إيهاب فهمى» قتل زوجته «تاتيانا» فى حمام السباحة، ويشهد رجل أمن اسمه بندارى «محمد الصاوى» بأنه شاهد القشاش فى المكان، كما بضبط البوليس النقود المسروقة من رجل الأعمال فى حجرة القشاش! يتحول الفيلم إلى تيمة الهروب التى قدمت من خلالها السينما المصرية والعالمية أفلامًا كثيرة، ربما أنجحها فيلم «أبو على» من إخراج أحمد نادر جلال، ومثل «أبو على» سيهربه القشاش مع فتاة يلتقيها بالصدفة هى الراقصة زينة «حورية فرغلى»، وسبب اللقاء أنه التقى خلال هروبه من الشرطة، وبالصدفة أيضًا بفتاة حامل على وشك الوضع اسمها زهرة «مروة عبد المنعم»، وقد وصته إذا ماتت أن يحمل مولودها إلى صديقتها «زينة» فى أحد موالد بنى سويف، وبالصدفة كمان مرة تموت زهرة، ورغم أن بطلنا مهموم بإثبات براءته هو، إلا أنه يذهب فعلا إلى المولد، وهناك يدخل فى صراع من صلاح «محسن منصور» الفتوة الذى يطارد الراقصة زينة، ولكنهما يهربان منه، وتبدأ مطاردة بين صلاح والشرطة من ناحية، وزينة والقشاش من ناحية أخرى، وتنتقل من بنى سويف حيث المولد، إلى المنيا حيث يختبئ القشاش وزينة فى أحد الأديرة! وصولا إلى قنا بحثا عن الشاهد بندارى، وكأن قنا حارة صغيرة، ثم يكتشف القشاش وزينة أن بندارى فى أسوان، طبعًا هناك مشاهد هزلية تكشف عن أن المؤلف لا يعرف الصعيد، ولم يستطع أن يكتب جملة حوارية باللهجة الصعيدية، كما أن كل محصوله فى هذا المجال لا يزيد على مشاهدة بعض المسلسلات. فى كل محافظة يتعلق الناس بالقشاش، يشعرون أنه برىء ولا نعرف كيف يعرفون ذلك بمجرد الإحساس أو النظر، مع إنه هيئته ومظهره يوحيان بأنه بلطجى، والمدهش أنه فى قنا تكتشف فتاة صعيدية «حنان مطاوع» أن سيد يشبه شقيقها الذى سافر إلى أفغانستان تحت لافتة الجهاد، وتعرض عليه أن يزور أمها الكفيفة «دلال عبد العزيز» التى راح نظرها من البكاء على ابنها، وهكذا ندخل إلى فيلم هندى آخر داخل الفيلم الهندى الأصلى. ومن العجيب أن القشاش وزينة سيعرفان أن بندارى الشاهد يعيش فى أسوان من خلال كبير عائلة بنادرة قنا! نوع من الهزل والاستخفاف الذى جعلنى اتحاش الضحك بصوت عال خصوصًا أى الأحداث ميلودرامية! فى أسوان تكتمل المهزلة.. القشاش يصارح زينة بحبه أمام النيل وكأنهما فى رحلة سياحية، يعرف صلاح الفتوة بوجودهما فى أسوان من خلال راقصة التقت بها زينة هناك بالصدفة أيضًا، يقوم كبير بنادرة أسوان «أحمد فؤاد سليم» باستدعاء بندارى الشاهد، الذى يعترف أخيرًا أنه حصل على مبلغ 100 ألف جنيه لتوريط القشاش فى الجريمة التى ارتكبها الزوج «إيهاب فهمى»، فقد كانت زوجته حاملًا من شخص آخر «فيلم هندى ثالث»، فى نفس الوقت تقوم زينة بفقأ عين صلاح لأنه حاول الاعتداء عليها، وفى مشهد مضحك يقوم رجل الشرطة «محمد سليمان» بالفصل بين القشاش وزينة، يتم القبض على الزوج القاتل، وتبرئ المحكمة زينة لأنها كانت فى حالة دفاع عن النفس، وفى يوم خروجها ولقائها مع القشاش يقوم صلاح بقتله بالرصاص، ليصرخ كل أبطال الفيلم فى مشهد يثير الضحك من فرط سذاجته وبدائيته. نسيت أن أحدثك عن حسن حسنى الذى يقوم بدور رجل دين متشدد يؤدى تطرفه إلى سقوط ابنته زهرة! ونسيت أن أكلمك عن رجل الشرطة الذى يصفع كل من يقابله، بل إنه يضرب الزوج الثرى فى فيللته بعد اكتشاف تورطه، هذا فيلم من أسوأ ما شاهدت فى موسم 2013 وسأحتاج إلى وقت طويل للنقاهة من آثاره!