«القشاش» هو هذا القطار الشعبى المتهالك الذى يركبه الفقراء بلا تذكرة تقريبا، وينحشر فيه الركاب بأضعاف حمولته، وهو قطار بطىء يقف فى كل المحطات الكبيرة الهامة والصغيرة التافهة، وأحيانا يقف فى أماكن لا علاقة لها بالمحطات وأماكن التوقف الرسمية، إنه قطار كما تقول النكتة يقف إذا أشار إليه أى شخص عابر! خدعة البرومو الخاص بفيلم «القشاش» مثل خدعة أغلب بروموهات أفلام عيد الأضحى جعلت البعض يظنه مجرد فيلم آخر عن راقصة وبلطجى، ومجرد مشاهد رقص وغناء وبعض مشاجرات العشوائيات، ولكن هذا ليس صحيحا تماما، محور موضوع الفيلم هو قصة سيد القشاش بطل الفيلم الشاب الحرفى الذى يعمل بالنجارة، وتيمة الفيلم هى محاولة هذا الشاب إثبات براءته من جريمة قتل يتم تلفيقها له بعد هروبه من الحبس، أما البرومو فهو مجرد مشهيات دعائية، وحتى لا نركز على نصف الكوب الفارغ بالفيلم لننسى تماما الرقص والكام أغنية وخنافة التى يحتوى عليها الفيلم، ولنتأمل النصف الآخر من الفيلم وهو دراما هروب القشاش ومحاولته إثبات براءته.
أراد «القشاش» الفيلم أن يقف فى كل محطات التيمات الدرامية الصغيرة والكبيرة دون انتقاء أو فرز أو مبرر، فى محطة الرقص والغناء لزوم مجاراة موجة أفلام الهيصة، فى محطة البلطجة لزوم مجاراة الموضة السينمائية، فى محطة الوحدة الوطنية والكنيسة مايضرش، وفى محطة الشرطى المفترى والشرطى الطيب حتى لا يؤخذ على الفيلم موقف سلبى من الداخلية، ولا بأس من كام مشهد لشيخ سلفى متشدد، وراقصة يقع فى غرامها البلطجى، وفتاة تهرب من أهلها بسبب قصة حب، وأم ضريرة تفتقد ابنها الغائب الذى ذهب يجاهد فى أفغانستان، ورجل أعمال يقتل زوجته بسبب الخيانة، وعشرات القصص الفرعية غير المترابطة التى يصعب متابعتها وتكوين أى تعاطف معها أو تكثيفها ببلاغة على الشاشة حتى لا تبدو مجرد «كبشة» أفكار خام ألقى بها الكاتب محمد سمير مبروك على الورق وتلقفها المخرج إسماعيل فاروق وألقى بها على الشاشة كيفما اتفق.
ينطلق البطل بعد هروب ساذج من قسم الشرطة من شوارع الإسكندرية إلى قرى الصعيد ونيل ومعابد أسوان، ويقفز من فوق أسطح المنازل والقطار وهو يتحرك ويعيش، ويفلت من رصاص الشرطة فى أثناء مطاردته، وكل هذه العناصر مادة لطيفة لفيلم مطاردات وإثارة ممتع لو تم توظيفها وتهذيب عشوائيتها على الشاشة.
زمن الفيلم يرصد رحلة هروب البطل من بلد إلى بلد فى ظل مطاردة مستمرة من ظابط مباحث عصبى يتفرغ بكل تفانٍ لمطاردة الشاب من الإسكندرية وحتى أسوان، فكرة المتهم البرىء الذى يحاول إثبات براءته فى ظل مطاردة الشرطة ومن لفقوا له الجريمة ليست جديدة وتم تقديمها فى عديد من أفلام الإثارة الأجنبية والمصرية، قدم أحمد زكى أحد أروع أدواره هاربا من تهمة ملفقة ومطاردة بوليسية فى فيلم المخرج عاطف الطيب «الهروب»، واستطاع الفيلم الذى كتبه مصطفى محرم تقديم دراما عميقة تجمع بين رسم ملامح نفسية البطل والشخصيات وملامح فساد السلطة وقهرها للضعيف بلغة سينمائية بديعة، فى «القشاش» نحن أمام فيلم من نفس نوعية فيلم «الهروب» لكننا أمام ردّة فى فن صناعة فيلم درامى بوليسى يتضمن هروبا ومطاردات، الفارق الزمنى بين الفيلمين نحو 22 سنة شحّ فيها الإبداع وكثر الابتذال.
ويظهر محمد فراج الذى يبدأ أولى بطولاته فى عالم السينما بلا بصمة خاصة، هو يتماهى مع مشاهد الفيلم، مشهد يجيبه ومشهد يوديه كأنه فى بحر هائج يحاول العوم بصعوبة، لك أن تتخيل هذا الهارب تلتقى به فتاة صدفة بالصعيد وتخبره أنه يشبه شقيقها وتقنعة بالعيش فى منزلها من أجل خاطر أم الشاب الغائب الضريرة الحزينة، لا تسأل كيف اقتنعت الأم حتى لو ضريرة باختلاف صوت ابنها؟ ولا تندهش بمشهد عبثى آخر يقبض فيه ضابط المباحث على البطل بعد معاناة، لكن الشاب المقبوض عليه يقنعه أن يتركه يكمل البحث عن دليل براءته!
هذا جزء بسيط من مما جاد به نصف الكوب المليان لفيلم «القشاش»، هل ترغب فى مزيد أم نكتفى بهذا القدر؟