بالرغم من تزايد الاهتمام فى السنوات الأخيرة بقضية الطفل باعتبارها قضية قومية وحضارية، وتتصل بمستقبل المجتمع المصرى، وبخطة بنائه وتطوره، والذى ترجم فى البرامج التى تدعمها الدولة لتحسين واقع الطفولة، وانعقاد العديد من المؤتمرات والندوات العلمية المتعلقة بالأمومة والطفولة، وإنشاء المجالس والمراكز والمعاهد المتخصصة فى دراسات الطفولة ، إلا أن هناك نسبة عالية من هؤلاء الأطفال يعيشون فى ظروف صعبة ويتعرضون للحرمان، وإلى العديد من الأوضاع المستغلة داخل المجتمع حتى أصبحوا يمثلون مشكلة أطلق عليها «أطفال بلا مأوى» أو «أطفال فى ظروف صعبة» أو «أطفال الشوارع» وجاء اللقاء الختامى لمشروع بناء قدرات العاملين مع المؤسسات الحكومية فى مجال أطفال الشوارع لعرض نتائج هذا المشروع. أكدت الدكتورة عزة العشماوى الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة أن القضاء على مشكلة أطفال الشوارع يتطلب وضع خطة طارئة وعاجلة لحل مشكلات هؤلاء الأطفال لاستيعابهم وتأهيلهم فى المجتمع مرة أخرى والعمل على إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية باعتبارها العامل المحورى لكافة القضايا التى تغذى هذه المشكلة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية السائدة فى المجتمع. ولذا فإن التصدى لها يحتاج نظرة شمولية تحلل وتعالج الظاهرة وأسبابها المجتمعية الجذرية وضرورة تكاتف جهود القوى الفاعلة سواء على مستوى الدولة بمؤسساتها الرسمية أو على مستوى المجتمع ومنظمات المجتمع المدنى ودعم الإدارة السياسية الحالية لما جاء فى دستور مصر 2014 من التزام بحماية الطفل والأسرة من كافة أشكال العنف والإساءة والاستغلال . وأشارت إلى أن اللقاء كان بالغ الأهمية إذ لم يكن للاجتماع فقط من أجل إعلان نتائج مشروع مشترك نفذه المجلس القومى للطفولة والأمومة والمجلس العربى للطفولة والتنمية، ولكن لتجديد التزام المجلس القومى للطفولة والأمومة بحل قضية من أبرز القضايا المجتمعية التى ساهمت سياسات ورؤى أنظمة بائدة فى تفاقمها وتفشيها، حيث إن مشكلة أطفال الشوارع نجمت عن حلقة مفرغة من المشكلات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تشابكت فيها أضلاع الفقر والأمية والزيادة السكانية والتسرب من التعليم، وكان ضحية هذه السياسات هم أطفال يواجهون التشرد وانفجرت المشكلة فى وجه الجميع وأصبح هؤلاء الأطفال هم أبطال المشهد السياسى بعد الثورة وأصبحوا وقودا للأعمال الإرهابية. وأعلنت الدكتورة عزة العشماوى خلال اللقاء عن الدليل الإرشادى للمتعاملين من الجهاز الحكومى مع أطفال الشوارع ليكون بمثابة أداة فى متناول الأخصائيين الاجتماعيين العاملين بتلك المؤسسات والذى تضمن أهم الأساليب والأدوات المستخدمة فى مجال التعامل مع هؤلاء الأطفال، وأوصت بضرورة تقييم شامل للبنية التحتية لدور الإيواء وتطويرها لتكون جاذبة للأطفال والاهتمام بملف حالة الطفل. ومن جانبه أكد الدكتور حسن البيلاوى أمين عام المجلس العربى للطفولة والتنمية أن مشروع أطفال الشوارع أطلقه المجلس منذ عام 1999 بحضور ممثلين عن الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى من أكثر من دولة عربية، منذ أطلق رئيس المجلس الأمير طلال بن عبدالعزيز دعوته «معاً حتى لا ينام طفل عربى فى الشارع»، وكان الهدف هو الخروج باعتراف رسمى بوجود مشكلة أطفال الشوارع فى البلاد العربية، وأدى الاعتراف الرسمى بوجود أطفال الشوارع فى خمس دول عربية هى مصر واليمن والسودان ولبنان والمغرب إلى البدء بالتنسيق والعمل مع هذه الدول. وأثنى على التعاون المثمر مع المجلس القومى للطفولة والأمومة منذ عام 2007، والذى استمر قرابة الخمس سنوات، حيث قام الأخير بجهود متميزة، وقدم نموذجاً مشرفاً يحتذى به فى التركيز على تدريب وتنمية قدرات المتعاملين مع أطفال الشوارع وتزويدهم بالمعارف العلمية والمهارات المهنية التى تمكنهم من إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وتنمية قدراتهم ودمجهم فى الحياة والمجتمع. وأشار البيلاوى إلى أن مشكلة أطفال الشوارع غير إنسانية تطل برأسها فى المجتمعات التى يتفشى فيها الفقر بمعناه الواسع من عدم مساواة وإقصاء وتهميش وتفكك أسرى وغياب الرعاية فى الصحة والتعليم والعشوائيات.. والتى تعد عوامل تهدد التماسك الاجتماعى، وأول ضحيتين لذلك كله هما الطفل والأم، فهما العنصران الأكثر هشاشة ومن ثم تأثراً بالفقر والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية، مؤكدا أن غياب العدالة الاجتماعية معوق قوى للاستقرار ويهدد التماسك الاجتماعى، ويحول دون تحقيق تنمية بشرية تهدف إلى توسيع خيارات البشر، وتحقيق مستويات مقبولة كحد أدنى من الكرامة الإنسانية، وأن حماية الأطفال من الضياع وصيانة حقوقهم الإنسانية المشروعة، وتأسيس معايير العدالة الاجتماعية، ليست مسألة إنسانية وحقا مشروعا لأى طفل فى المجتمع فقط، بل هى مسألة تنمية وتقدم للمجتمع ككل. ولفتت الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة إلى أهم التوصيات التى خلص إليها المشروع ومنها ضرورة عمل برامج وخدمات وأنشطة للمرحلة العمرية أكثر من 18سنة لخطورة تأثير تلك الفئة على أطفال الشوارع، وتطوير مراكز الاستقبال التى تضم متخصصين للتعامل مع أطفال الشارع المعاقين سواء بدنياً أو ذهنياً، وتُمثل كُلِ هذه الخُطواتِ دفعة للأمام للاهتمام بقضية مجتمع ووطن، مشيرة إلى أن حلها يساهم فى تقدمه ولا مجال لتجاهلها فى خطة وسياسات عمل المجلس القومى للطفولة والأمومة، ولهذا لم يدخر المجلس القومى للطفولة والأمومة جَهداً فى استكمال مسيرته من أجل معالجة قضية أطفال الشوارع. وقالت سمية الألفى مدير عام التنمية والنوع بالمجلس القومى للطفولة والأمومة إن قضية أطفال الشوارع حظيت بأهمية بالغة من قبل المجلس بدأت بوضع الاستراتيجية القومية لحماية وتأهيل وإعادة دمج أطفال الشوارع التى تم إعلانها فى مارس 2003 بهدف حماية هؤلاء الأطفال، وتوفير آليات إعادة تأهيلهم وتمكينهم من الاندماج فى المجتمع بالشكل السليم الذى يمكنهم من الحصول على حقوقهم التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والترفيهية. ثم القيام بتنفيد منظومة لبناء قدرات العاملين بالمؤسسات الحكومية فى مجال أطفال الشوارع من خلال تنفيذ اثنين من البرامج، الأول: برنامج بناء قدرات العاملين بإدارة مباحث الأحداث بوزارة الداخلية (2009-2011)، والبرنامج الثانى: بناء قدرات العاملين بوزارة التضامن الاجتماعى (2009-2013)، بالإضافة إلى تأسيس الشبكة المصرية للجمعيات العاملة فى مجال أطفال الشوارع وهى عبارة عن مجموعة من المنظمات الحكومية وغير الحكومية العاملة تحالفت فيما بينها بغرض تعبئة موارد وقدراتها المشتركة لدعم قضية أطفال الشوارع، وتنفيذ أهداف الاستراتيجية القومية لأطفال الشوارع. وأشارت الألفى إلى أن المشروع يعتبر أحد أهم المشروعات المعنية بقضية أطفال الشوارع فهو يمثل طفرة فى منحنى الاهتمام بالقضية، حيث شمل المشروع كافة العاملين فى 33 مؤسسة تابعة للشئون الاجتماعية فى 17 محافظة على مستوى الجمهورية.