رغم محاولات تطويق الأزمة التى تشهدها أوكرانيا منذ أكثر من شهرين، فإن المخاوف مازالت مستمرة من انزلاق البلاد إلى شفا حرب أهلية حيث يبدو أن الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ، ولا يزال الآلاف من معارضى الرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش يتظاهرون منذ أكثر من شهرين فى وسط كييف العاصمة إثر رفض الرئيس التوقيع على اتفاق مع الاتحاد الأوروبى، مفضلا سياسة التقارب مع روسيا، وقد اتخذت تلك التظاهرات منحنى أكثر عنفا، مع اقتحام المتظاهرين للعديد من أقسام الشرطة والوزارات والهيئات الحكومية، وقيام الشرطة بالتعامل بعنف مع المحتجين، مما أدى لوقوع العديد من الضحايا. وعلى الرغم من التنازلات غير المسبوقة التى قدمها الرئيس يانوكوفيتش من أجل تسوية الأزمة، من بينها قبوله استقالة حكومة رئيس الوزراء ميكولا أزاروف وإلغاء قوانين مثيرة للجدل تم تمريرها يوم 16 يناير الماضى، وكانت تنص على منع أية تظاهرات فى الأماكن العامة، والتضييق والتحكم فى الإنترنت ووسائل الإعلام، وكذلك بالسجن لفترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات لكل من لا يلتزم بما تنص عليه هذه القوانين، إلا أن المعارضة تضغط من أجل الحصول على المزيد من التنازلات من الرئيس يانوكوفيتش لحل الأزمة السياسية التى تعصف بالبلاد، وهى تطالب بالعودة إلى دستور 2004، وهى تسوية وافق عليها الرئيس السابق فيكتور يوتشينكو المقرب من الغرب، والذى فاز خلال الثورة البرتقالية التى جعلت من أوكرانيا جمهورية برلمانية مع رئيس حكومة بصلاحيات واسعة، إلا أن الدستور عٌدل لاحقا، وجعل الصلاحيات الأساسية بيد رئيس الدولة. وقد اهتمت الصحف العالمية بتطورات الوضع فى أوكرانيا، وتعددت تحليلات تلك الصحف بشأن تأثير الأزمة على المستقبل السياسى لهذا البلد الأوروبى، فمن جانبها اعتبرت صحيفة «لوتون» السويسرية أن الحظوظ تظل ضئيلة بخصوص تمكن الوعود التى أطلقتها السلطة بخصوص الحوار وإصلاح القوانين الخاصة بالحريات من امتصاص غضب المعارضين الأوكرانيين الذين يعتصمون منذ شهور فى وسط العاصمة كييف. أما صحيفة «سياست روز» الإيرانية فاستغلت الأزمة الأوكرانية للهجوم على الغرب، وقالت تحت عنوان «نظرة إلى أوكرانيا» أن الدول الغربية ومنذ الأيام الأولى لهذه الاضطرابات، تتدخل فى الشأن الداخلى لهذا البلد بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان، وفى الوقت الذى يدعى الغرب أن تدخلاته تأتى فى إطار حقوق الشعوب وليس إسقاط الأنظمة، تساءلت الصحيفة لماذا يدفع الجماهير الأوكرانية لإسقاط النظام؟ وهذا ما يؤكد الازدواجية فى المعايير الغربية وعدم مصداقية الغرب فى تعاملاته، وتابعت الصحيفة «مع أن أوكرانيا شهدت نوعا من الهدوء النسبى، إلا أن هناك نقطة مهمة وهى تزامن اندلاع هذه الموجة مع مؤتمر «جنيف 2» بشأن سوريا، وطالما كان المؤتمر ساحة نزال بين روسيا وأمريكا، لذا فإن واشنطن وبعد أن فشلت فى سوريا، تحاول إنزال الضغوط على روسيا لتغيير وجهة نظرها، عبر الضغط عليها فى أوكرانيا، التى تعتبر الحديقة الغربيةلروسيا، لذا فإن الأخيرة لن تقف مكتوفة الأيدى فى مقابل التدخلات الغربيةبأوكرانيا، مما يعنى أن أوكرانيا وقبل أن تواجه التحديات الداخلية تعانى من أزمة تدخلات الغرب الذى يخطط لتحقيق أهداف استراتيجية للضغط على روسيا عبر البوابة الأوكرانية. ولم تكتف صحيفة «لوموند» الفرنسية بتحليل الأزمة الأوكرانية، إذ طالبت بشكل مباشر الاتحاد الأوروبى بالتدخل، ففى مقال نشرته الصحيفة تحت عنوان «على أوروبا عدم التخلى عن أوكرانيا» قالت فيه إن أوكرانيا تمر الآن بلحظات عصيبة، حيث يشهد وسط العاصمة كييف مواجهات عنيفة، وتضرم النار فى الحافلات، وترتفع أعمدة الدخان أمام مبانٍ عمومية، وتخنق الجو روائح الغاز المسيل للدموع، ويتم إطلاق الرصاص المطاطى، وتحتدم المواجهات بين الشباب المحتجين ضد الحكومة ورجال الشرطة. وفى هذه الأثناء يحاول نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش والمعارضة جاهدين الاستمرار فى حوار متردد وذى أفق غير واضح النهاية حتى الآن، ولكن الطرفين السياسيين المتحاورين يجازفان عملياً بالتأخر عن مواكبة الأحداث الجارية على الأرض، التى يمكن أن تجنح فى أية لحظة نحو مستويات مأساوية من العنف، بما قد يخرج عن السيطرة، وفى مواجهة هذه الأزمة قالت الصحيفة إن الاتحاد الأوروبى لا يمكن أن يبقى هكذا متفرجاً دون رد، ومع إعلانه عن انشغاله الشديد بمجريات الأحداث، إلا أن عليه أيضاً أن يمضى خطوة أخرى أبعد من ذلك، بممارسة مزيد من الضغط على يانوكوفيتش، لأنه هو المسئول فى المقام الأول عن نشوب الأزمة الراهنة، وهو الذى أشعل النار فى فتيلها، من خلال تبنيه لحزمة القوانين المثيرة للجدل.