«ع الأصل دَوّر» مثل شعبى معمول به عند المصريين الذين يرتبطون بالجذور والأصول والذوق الرفيع، وهو فى الوقت نفسه عقيدة عشاق الغناء والطرب الأصيل. فى مصر تعد أصوات وأعمال سيدة الغناء أم كلثوم وعندليب الغناء عبدالحليم حافظ من الآثار الغنائية الخالدة التى من الصعب تقليدها أو استنساخها مع احترامنا الكامل لتقنيات الذكاء الاصطناعى والطرق «الهولوجرامية» التى ثبت فشلها على المستوى الفنى، لأن صوت ثومة وحليم من المعجزات التى لا تتكرر بإحساسهما الصادق وحضورهما الساحر ولن يستطيع الذكاء العلمى تعويضهما. عظمة تراث أم كلثوم وحليم أنه ممتد المفعول كما ثبت غنائيًا فشل كل المحاولات التى قدمها نجوم الغناء فى إعادة تقديمهما بل ظلت لعنة تطارد من اقترب منها فى موقعة «الصورة والأسطورة». أقول قولى هذا بعد الضجة الكبيرة التى أثارها مهرجان موازين بالمغرب بعد تقديم حفل لعبدالحليم رغم شعبية وعراقة المهرجان. جزء من نجاح أم كلثوم وعبدالحليم ذلك الإحساس المتبادل بينهما وبين والجمهور فى الحفلات العامة وهذا المؤشر غير موجود فى الحفلات المقامة بهذا الاستحضار ومن هنا تفقد متعتها، وإذا كان هذا الاختراع قد نجح لأول مرة فى مصر عندما أقامت مجموعة قنوات mbc مؤتمرًا صحفيًا لإطلاق قناة mbc مصر قبل 15 عاما وقدمت فيه فاصلًا لأم كلثوم بتقنية الهولوجرام فإنه محاولة محكوم عليها بالفشل فى حال إقامتها فى حفل عام بحضور جماهيرى لأن الوصلة تفتقد لانفعال الجمهور بالصوت، وهذا ما حدث حرفيًا فى حفل عبدالحليم بالمغرب بعدما أثار هناك موجة من الانتقادات اللاذعة بل الصورة التى خرج بها حليم تسيء له، وهذا ما دفع ورثته لمقاضاة المهرجان بعد إنذار إدارته بمنع الحفل. اختلال الموازين فى مهرجان موازين أزمة حفل حليم بالمغرب اشتعلت بعد إعلان صفحات المهرجان على مواقع التواصل عن الحفل، وكتبت تعليقًا على الملصق الدعائى قالت فيه: «حين يمتزج الفن بالتكنولوجيا... يعود أحد عمالقة الطرب ليحيى الزمن الجميل، بصيغة لا تشبه إلا المستقبل»، وهذا الإعلان أغضب أسرة العندليب، التى أعلنت أنها بصدد مقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، عبر بيان إعلامى نشره محمد شبانة ابن شقيق عبدالحليم حافظ فى صفحته قال فيه «الأسرة ليست على علم بأى عرض من هذا النوع، ولم يتم التواصل، أو الاتفاق معها بشأن استخدام اسم أو صورة عبدالحليم». وقال البيان إن «جميع الحقوق المتعلقة باسم وصورة عبد الحليم محفوظة بشكل حصرى لشركة واحدة تم التعاقد معها رسميًا، وأى استخدام لهذه الحقوق دون الرجوع إليها يعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية»، بينما ردت إدارة مهرجان «موازين»، فى بيان رسمى، أوضح أن الشركة التى تم الاتفاق معها لتقديم العرض بالأساس ليست مغربية خالصة، وهو ما دفع القائمين عليه لمراجعة موقفهم، خصوصًا أن الدعم الفنى والمالى الوطنى موجه بالأساس للمؤسسات المحلية. مخالفة قوانين الملكية الفكرية إدارة المهرجان قالت إن «الحفل لا يتضمن استخدام صورة حقيقية، أو مقاطع أرشيفية أصلية لعبدالحليم، بل يعتمد على شخص شبيه، وهو ما لا يستدعى موافقة الورثة»، وأوضحت الشركة المنفذة أن «الحفل يتم وفق تعاقد قانونى مع المنتج محسن جابر»، وأنها حريصة على احترام الحقوق الأدبية والفنية، وأن كل الخطوات تمت بشكل قانونى ورسمى قبل الإعلان عن الحفل، وعقب الإعلان رسميًا عن إقامة الحفل، أصدرت أسرة «العندليب»، بيانًا جديدًا أوضح أن الحفل، رغم الإنذارات، وعدم الحصول على التصريحات، مخالف لقانون الملكية الفكرية، الذى ينص على أن اسم وصورة أى فنان لا يتم عرضها إلا بموافقة الشخص نفسه إذا كان على قيد الحياة، أو ورثته فيما بعد. المهرجان أساء لحليم وأكد بيان الأسرة أن «العائلة رفضت التعامل مع الشركة المنظمة للحفل المنتظر لأنها تسيء لكل الفنانين من حيث الشكل والصورة وجودة الصوت، حيث تم التعاقد مع شركة أخرى عرضت على (موازين)، إقامة الحفل فى البداية، لكن بشروط تقنية معينة تسمح لهم بإخراجه بأحسن جودة ممكنة، لكنهم رفضوها». مخالفة الطبيعة وانتهاك حرمات الموتى هذه النوعية من الحفلات تُخالف الطبيعة التى خلقها الله وتتلاعب بالمزاج العام وتُتَاجر بالمشاعر والقيم الجميلة كما تنتهك حرمة الموتى. «أم كلثوم» أو «ثومة ومنديلها الوردى غنواية جيل ورا جيل ورا جيل قادر على أى تحدى» كما لخص حضورها الشاعر العملاق جمال بخيت، وعلى سبيل المثال، فإن لحفلاتها طقوسًا خاصة وثوابت فى لقائها الشهرى مع جمهورها من أنحاء الوطن العربى بطلّتها المهيبة على المسرح، ومع هذه الطلّة تتعدد انفعالات الجمهور ما بين الذهول وعدم التصديق والسعادة والفرحة من رؤيتها، مما يخلق أجواءً ساحرة فى كل حفل ومولد أغنية. لكن ظهورها فى مثل هذه الحفلات يُخالف قوانين الجاذبية الكلثومية بالطبع؛ وكأنك على موعد مع مناسبة خُرافية لاستحضار الأرواح فى عالم الأشباح، وإذا كان الظهور الأول لأم كلثوم فى افتتاح mbc مصر هدفه يتجه إلى الرمزية والاحتفاء بعظمة مصر ونجومها وسط قلعة صلاح الدين، فإن ما قد شاهدناه من حفلات مماثلة فى دول مختلفة كان بغرض تجارى ولم يخلُ من الأخطاء فى استخدام هذه التقنية والظهور المتواضع حول بعضها إلى جلسات تحضير أرواح. حليم مسخ كارتونى وفى حفل «حليم» الأخير بمهرجان موازين فبخلاف انتهاك الحقوق القانونية لم يكن مُحكَمًا، حتى أن ابن شقيق العندليب الفنان محمد شبانة قد لخص هذا الظهور رغم صِراخه بعدم احترام حقوق الملكية فى تلك الحفلة ب «المسخ» الذى لا يمت لعمّه بصلة.