حذر د.حمدى سيف النصر خبير التعدين بالمساحة الجيولوجية الأمريكية من إعداد الحكومة لمشروع قانون جديد خاص بالتعدين يتضمن بنوداً ستؤدى إلى سلب ونهب الثروة المعدنية لمصلحة الأجانب، ويعود بمصر إلى القرن ال19. وكشف فى حواره مع «أكتوبر» أن وزير البترول تجاهل الرد على رسالته التى شملت مضمون هذه السلبيات التىستؤثر سلباً على الاقتصاد المصرى، وأشار إلى أن قطاع التعدين والثروة المعدنية شهد انهياراً وتحريضاً لثرواته عقب فترة السيتنيات بعد قرارات متخبطة أجهضت كل الجهود العلمية. * ما دور هيئة المساحة الجيولوجية فى مشروع القانون الجديد الخاص بالمناجم والمحاجر؟ ** «رحمة الله» على المساحة الجيولوجية المصرية العريقة التى لا يأتى ذكرها فى أى مادة بالقانون. * وما تأثير ذلك على قطاع التعدين المصرى؟ ** المساحة الجيولوجية المصرية الثالثة فى العالم ولايسبقها سوى نظيرتيها الأمريكية والبريطانية. كما أنها الكيان البحثى للدولة لاستكشاف مصادر ثرواتها واستغلالها بطريقة اقتصادية وظلت هذه الهيئة شامخة فى هذا المجال حتى فترة الستينيات، وكانت الدراسات قد اسفرت عن استكشاف واستغلال خامات تم تصنيعها محليا مثل حديد الواحات البحرية الذى يغذى شركة الحديد والصلب المصرية والفوسفات فى البحر الأحمر ووادى النيل الذى كان يغذى مصانع الأسمدة أما المنجنيز فكان يخصص لشركة سيناء للمنجنيز ومصنع الفيرومنجنيز بإدفو إضافة لاكتشافات الكبريت والذهب حتى نهاية الستينيات وكلها كانت مشاريع ناجحة حفظت ثروة البلاد بالكامل وأدت إلى تصنيع الخامات داخل البلاد، ولكن للأسف تدهور الحال وصارت مناجم الحديد فى الواحات البحرية تحت سيطرة مستثمر أجنبى وقد أثر ذلك على سير العمل بالشركة بشكل سلبى. * وماذا حدث بعد الستينيات؟ ** كان الخطأ القاتل هو ضم هيئة المساحة الجيولوجية المصرية إلى مصلحة المناجم والمحاجر فى كيان واحد وهذا النظام ليس له مثيل فى العالم وسمى هيئة الثروة المعدنية، وهذا أدى إلى أن العلماء والخبراء فى الكيان البحثى «المساحة الجيولوجية» انصرفوا إلى الكيان التعاقدى (المناجم والمحاجر) وانخرطوا فى إصدار التصاريح وهجر الدراسات مما أثر بالسلب على تقدمهم العلمى فى المساحات الجيولوجية فى العالم، واتضح ذلك فى قيامهم بدراسات غير موفقة لعدد من المشروعات كلفت الدولة مليارات الجنيهات من الخسائر مثل مشروع فوسفات أبو طرطور التى قد تعدت فيها الخسائر إلى أكثر من 140مليار جنيه. وأيضاً فحت المغارة التى تعدت فيها الخسائر 7 مليارات جنيه، وحديد أسوان الذى أنقذت الدولة من خسائر عندما اكتشف الأجانب ضعف دراساته. وبعد ذلك سيطر القطاع التعاقدى على مقدرات الثروة المعدنية المصرية، وصار عملها باختصار يقتصر على إصدار التصاريح وأدى ذلك إلى خروج المصريين من الاستكشافات ليسيطر عليها الأجانب. * وكيف ترى وضع الكيان البحثى «المساحة الجيولوجية المصرية» بالقياس إلى التقدم العالمى فى التعدين؟ ** خلال هذه الفترة ولسوء حظ قطاع التعدين المصرى حدث تطور عالمى غير مسبوق فى مجالى الثروة المعدنية ففى القطاع البحثى ومنذ السبعينيات حدث تطور هائل فى إجراء الدراسات والبحوث الخاصة بالتعدين وعرف العالم مايسمى بالدراسات المكودة التى تخضع لأكواد أقرتها اتحادات التعدين الدولية. وأسفر ذلك عن استحداث دراسات دقيقة للتعدين تؤدى إلى استمار يتفادى الخسارة «تعدين لايخسر» وله شهادات ضمان من تمويل البنك الدولى هذا من ناحية الدراسات أما من ناحية الكيان التعاقدى «المناجم والمحاجر» فقد اتفقت الدول المتقدمة مع الدول صاحبة الخامات على أمن تحصل الأخرى على حقوق من استغلال ثرواتها وكلف البنك الدولى بإصدار لوائح استرشادية تضمن حقوق جميع الأطراف وهى المستثمر والبنك والممول له «الدولة صاحبة الخامات» والمجتمع المدنى «العمال والمدنيون المحيطون بالمنجم». غياب مصر * هل استفادت مصر من هذا التقدم العالمى فى التعدين؟ ** مصر كانت غائبة تماماً عن هذا التطور لأن ذلك تم خلال فترة التجريف التى استمرت لما يربو على أربعة عقود ماضية. * هل عالجت الدولة هذه المشكلة؟ ** بالطبع لا فبدلا من الرجوع لفصل الكيان البحثى «المساحة الجيولوجية» عن الكيان التعاقدى «المناجم والمحاجر» قامت بضم مايسمى بالثروة المعدنية إلى قطاع البترول المصرى «وهو قطاع تعاقدى يبحث دراسات استكشاف البترول للأجانب منذ عقود». وأصبح التعاقد مع الأجانب هو الطريقة الوحيدة لاكتشاف موارد الثروة المعدنية المصرية ولم يكن للكيان البحثى «المساحة الجيولوجية» قائمة تذكر فى أى مشروع جديد ولو من خلال المشاركة فى استغلال مصرى خالص للثروة المعدنية كما كان الحال فى الستينيات. * وماذا عن الكيان التعاقدى؟ ** هذه هى كارثة حيث يقوم بتقديم الاعتماد فى عقد الاتفاقيات مع الأجانب بصورة مباشرة أوغير مباشرة ولكن المشكلة الأكبر هى نقل اتفاقيات استرداد التكاليف من قطاع البترول إلى قطاع التعدين وهذا النوع المصرى من اتفاقية استرداد التكاليف للمستثمر الأجنبى ولايلزم المستثمر الأجنبى بإمداد الصناعات المصرية بالخامات. نهب الأجانب * وكيف تتم عملية النهب من المستثمر الأجنبى؟ ** أولا يسترد المستثمر كافة التكاليف التى تحملها لاستكشاف وتنجيم الخامات وفصل المعادن منها ولما كانت هذه التكاليف يستردها المستثمر فإنه بالمقاييس الدولية ليس له أى مستحقات مالية لدى الدولة. إلا أن الاتفاقيات الخاصة بالثروة المعدنية المصرية قد أعطته الحصة بعد أن استرد كافة أموالةه فى الحصول على 50% من الأرباح وهذا النموذج المجحف جدا بالدولة صاحبة الخامات لايوجد إلا فى الحالة المصرية لأن آخر إصدارات البنك الدولى لحقوق أطراف التعدين لايعترف إلا بنموذج انقسام الإنتاج أو انقسام الأرباح وكلاهما يتم منذ بداية اليوم الأول للإنتاج وليس بعد استرداد المستثمر لأمواله. كما أن حساب المستثمر لأمواله التى تكلفها بها إحجاف شديد بالحقوق المصرية إذ إن التجريف الذى أصاب الكيان البحثى والتعاقدى لم يعد لديه أى خبراء يستطيعون محاسبة المستثمر على هذه التكاليف وبالتالى فإنها مبالغ فيها بشكل مجحف. كما أن الدراسات التى يقدمها المستثمر الأجنبى المفروض أنها مكودة وليس لدى هيئة الثروة المعدنية من يستطيع مراجعة هذه الدراسات ولا السيطرة من خلال ضبط شفافية الاستخراج وباختصار لأن الثروة المعدنية مازالت تعمل بأساليب قديمة قبل التكويد وليس لديها خبير واحد «معتمد من اتحاد تعدينى دولى» فى هذا المجال، والأمر الأشد خطورة هو أنه فى ظل هذا النظام البعيد عن الأساليب العالمية المتطورة والتى بعدنا عنها خلال عقود التجريف يعيد هؤلاء إلى وضع قانون جديد لما يسمى بالثروة المعدنية وهو فى الحقيقة قانون المناجم والمحاجر «أى القطاع التعاقدى فقط» ولا يتحدث شيئا عن المساحة الجيولوجية. التطور العالمى * وكيف كان هذا الغياب عن التطور العالمى فى التعدين وكيف تحصل الدولة على حقوقها المشروعة أسوة بدول العالم بعد الإهمال التام للكيان البحثى كما ذكرتم؟ ** هناك مواد تقرها اللوائح الاسترشادية الدولية لحقوق الدول صاحبة الخامات وأيضا للمستثمر المحلى ناهيك عن غياب كامل لحقوق المجتمع المدنى. * وهل عرضت على وزير البترول وجهة نظرك فى القانون؟ ** بالفعل أنا قلت لوزير البترول إن مشروع قانون التعدين المقترح حاليا يعود بمصر إلى القرن 19 ويسهل سلب ونهب الثروة المصرية وسيطرة الأجانب على هذا القطاع ورغم ذلك المشروع تم إعداده لعرضه على مجلس الشورى المنحل والآن يتم إعادة عرضه على وجه السرعة لإقراره ثم فوجئت برد وزير البترول على يقول «الرسالة وصلت».