ذكرت صحيفة ال (وول ستريت جورنال) الأمريكية أن هناك استياء متزايدًا من قبل إدارة أوباما من الإجراءات التى تتخذها تركيا من جانب واحد فى دعمها للمعارضة السورية. وأكدت الصحفية أن هناك حالة من عدم الارتياح داخل البيت الأبيض تجاه رئيس المخابرات التركية حقان فيدان الذى يبذل قصارى الجهد فى دعم الجماعات الإرهابية المنضوية تحت لواء القاعدة، وأضافت الصحيفة الأمريكية أن فيدان يعد القواة الدافعة الحقيقية وراء جهود تركيا لدعم الجماعات المسلحة المناوئة لنظام الأسد. وكان رئيس الوزراء التركى، رجب طيب أردوغان قد قام بتعيين فيدان- 45 عامًا- فى نهاية شهر مايو 2010، وبعد ذلك بستة أيام فقط وبالتحديد فى فجر 31 مايو 2010 جرت محاولة النشطاء الأتراك من على ظهر السفينة (ما فى مرمرة) لاختراق الحصار المفروض على قطاع غزة وهو ما أدى إلى حدوث تدهور خطير فى العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وكانت هذه المحاولة بمثابة نوع من الإثارة المتعمدة من قبل رئيس الوزراء التركى أردوغان. صحيح أن أزمة العلاقات هذه انتهت فى 22مارس 2011 ومن خلال الاعتذار الرسمى الذى قدمه نيتانياهو لأردوغان فى محادثة هاتفية اعترف فيها بحدوث (بعض الأخطاء العملية) وتعهد بدفع تعويضات لأسر الضحايا مقابل الاتفاق على عدم ملاحقة أية جهة قد تكون مسئولة عن الحادث قانونيا، لكن هذا كله كان المقصود من ورائه تضخيم صورة تركيا وأردوغان فى إطار رسم علاقات مع العالم العربى ومحاولة الوصول إلى قيادة (خلافة) للعالم الإسلامى. وفى أعقاب ما يسمى ب (ثورات الربيع العربى) برز دور فيدان، الذى لم يكن معروفًا خارج منطقة الشرق الأوسط، باعتباره العقل المدبر وراء استراتيجية الأمن الإقليمى التركى، فكان واحدًا من أهم المقاولين والمهندسين للسياسة التركية الجديدة، فضلًا عن أنه محل ثقة أردوغان. ورأت الصحيفة الأمريكية أن صعود فيدان ليحتل مكانة بارزة ترامن مع وجود تآكل ملحوظ فى نفوذ الولاياتالمتحدة على تركيا.. لافتة إلى أن واشنطن كانت دومًا لديها علاقات وثيقة مع الجيش التركى، ثانى أكبر جيش فى حلف شمال الأطلنطى (ناتو) إلا أن القيادات العسكرية تحولت لتكون تابعة لرئيس الوزراء أردوغان ومستشاريه المقربين ومنهم فيدان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو الذين يستخدمون (الربيع العربى) فى اتجاه توسيع تركيا لريادتها الإقليمية. والواضح من تقرير الصحيفة الأمريكية أن واشنطن تعتبر فيدان هو واضع استراتيجية الأمن القومى التركى «التى تتعارض فى بعض المناحى مع المصالح الأمريكية». ووفقًا للصحيفة فإن فيدان أثار عدة مخاوف قبل ثلاث سنوات- حسب مسئولين أمريكيين بارزين- عندما قدم بعض المعلومات الحساسة والسرية للغاية التى حصلت عليها واشنطن وإسرائيل، إلى المخابرات الإيرنية، مما تسبب فى غضب حلفاء تركيا. وفى الآونة الأخيرة، يبدو أن النهج التركى تجاه سوريا والذى وضعه فيدان أضاف المزيد من التوتر على العلاقات الأمريكية التركية، فعلى الرغم من رغبة كلا الدولتين فى الإطاحة بالأسد فإن تركيا ترى أن إمداد المعارضة السورية بالأسحلة الهجومية هو أفضل وسيلة لوضع نهاية للنزاع السورى، بعكس الموقف الأمريكى الحذر الذى يضع على قائمة أولوياته عدم وصول تلك الأسلحة لأيدى الجماعات المتطرفة. وإذا ما رجعنا إلى شهر مايو الماضى وفى أثناء اللقاء الذى جمع بين أوباما وأردوغان أثناء زيارته لواشنطن (وفى حضور فيدان) انتقد الرئيس الأمريكى الموقف التركى بسبب إمداد تركيا ودعمها للعناصر والجماعات الإسلامية المتشددة وعلى الأخص الجماعات الجهادية المعادية للغرب. يضاف إلى ذلك أنه فى منتصف أكتوبر الماضى نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش تقريرًا خاصًا حول عملية قتل جماعى للمدنيين فى اللاذقية. وأوضح التقرير بالدلائل والبراهين أن هناك مالا يقل عن 20 جماعة معارضة شاركت فى هذه العملية، من بينها 5 جماعات هى التى رتبت ونفذت ويفترض أن تكون إحداها جماعة علمانية وهى جماعة (أحرار الشام) والباقى جماعات إسلامية متطرفة هى (الدولة الإسلامية فى العراق والشام) و(جبهة النصرة) و(جيش المهاجرين والأنصار) وجماعة (صقور العز). ووفقا لتقرير هيومان رايتس ووتش فإن هذه الجماعات تعتبر مسئولة عن حوادث محددة تدخل فى إطار جرائم الحرب كان من نتيجتها مقتل 190 مدنيًا على الأقل وأخذ 200 كرهائن. وأشار تقرير هيومان رايتس ووتش إلى أن الجماعات الإسلامية الراديكالية تسللت إلى سوريا من تركيا، ووفقًا لنفس المنظمة الحقوقية فإن المخابرات التركية قامت بتزويدها بالسلاح والمعلومات والدعم اللوجيستى. وطالب التقرير مجلس الأمن الدولى بصورة رسمية وقف دعمها بالسلاح والإرهابيين من خلال أراضيها، أو أن يصدر قرارًا خاصًا بوصف مثل هذه الأعمال ك (جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية). والواضح الآن أن السياسة المستقلة التى تنتهجها تركيا فى سوريا لا تتلاقى مع واشنطن وتغضبها أيضًا، وأن هناك موجة متصاعدة من الانتقادات ضد أردوغان وحكومته التى أخذت جانب الإسلاميين المتطرفين والجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، ويبدو أن تنامى خطر الجهاديين فى المنطقة يشكل خطرًا على الولاياتالمتحدة أكثر من نظام بشار الأسد.