تناولنا فى مقالنا السابق المنشور فى مجلة أكتوبر بتاريخ 27/10/2013 مفهوم الإرهاب في القانون المصري وأنواع الجرائم الإرهابية وعقوباتها المختلفة وسوف نتناول فى هذا المقال منهج الشريعة الإسلامية الغراء فى مكافحة الإرهاب حيث تقوم الدول غير الإسلامية بتوجيه اتهامات للإسلام والمسلمين بالإرهاب – على خلاف الحقيقة - وذلك عبر وسائل الإعلام غير الإسلامية، كما تحاول أن تبرز الإرهاب وكأنه صفة ملازمة للإسلام الحنيف، وترتب على ذلك أن أصبح إعلان الانتماء إلى الإسلام الخالد يمثل مشكلة للمسلمين في بعض الدول الأجنبية، كما نسب بعض الكتاب الإرهاب إلى الإسلام زاعمين – على خلاف الحقيقة - أن تعاليم الإسلام وأحكامه وبعض آيات القرآن الكريم تدعو وتوجه المسلمين إلى الإرهاب إما بالنص على ذلك صراحة وإما ضمنًا، وهذا الزعم يخالف الحقيقة والواقع والذي سوف نوضحه في هذا المقام . يعتبر الدين الإسلامى الحنيف نموذجاً فريداً لدين المحبة والإخاء والسلام وذلك لأن منهجه فى مواجهة الإرهاب منهجاً وسطياً متميزاً غير مسبوق يتمثل فيما يلى: أولاً: الدلالة اللفظية للآيات القرآنية التى ورد فيها ذكر كلمة إرهاب: وردت كلمة رهب وما اشتق منها من تصريف فى اثنى عشر موضعاً فى القرآن الكريم وهى فى قوله تعالى: 1- {يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } سورة البقرة الآية : 40 2- {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} سورة المائدة : الآية : 82 3- {قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }سورة الأعراف : الآية: 116 4 - {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِى نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } سورة الأعراف : الآية : 154 5- {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِى سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } سورة الأنفال : الآية:60 6- {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } سورة التوبة : الآية31 7- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } سورة التوبة:الآية:34 8- {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ } سورة النحل الآية (51) 9- {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } سورة الأنبياء : الآية :90 10- {اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } سورة القصص : الآية: 32 11- {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } سورة الحديد : الآية : 27 12- {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } سورة الحشر الآية 13 اتفق المفسرون بشأن تفسير الآيات القرآنية سالفة الذكر على حقيقتين شرعيتين هما : 1- الحقيقة الأولى: أن الدلالة اللفظية فى كل تلك الآيات – سالفة الذكر - تعنى الخوف أو الخشية وما اشتق منهما . 2- الحقيقة الثانية: ليس من دلالة تلك الآيات ما يفيد إباحة القيام بالقتل والتخريب والإفساد والاعتداء على الآخرين. وتأسيسا على ذلك فإن المقصود بالخوف هو معناه الإيجابى الذى يقود إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، والتبتل إليه خشية وخوفاً من عقابه وأملاً فى رضاه، تفعيلًا لمبدأ الوقاية التى تعنى البناء الايجابى بالإقلاع عن الذنب والارتداع عن فعل الجريمة هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن معنى الإرهاب الوارد فى سورة الأنفال الآية 60 السابق ذكرها فى البند (5) أعلاه. وتعنى هذه الآية ضرورة دفع الاعتداء والوقاية منه، ولهذا جاء التوجيه القرآنى الكريم بطلب الإعداد الذى يكون من نتيجته خوف العدو من القوة التى تملكها، فلا يقوم بمهاجمتك والاعتداء عليك. ثانياً: مكافحة الإسلام للإرهاب ومعالجة أسبابه، من خلال الاتجاه الوقائى والاتجاه الجزائي: يقوم الإسلام بمكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه وذلك لما قد يحصل من الإنسان من أخطاء تكون سبباً فى ارتكاب أى نوع من أنواع الاعتداء والعنف لهذا نجد أن الشريعة الإسلامية تعاملت مع ظاهرة الإرهاب فى اتجاهين متوازيين يسيران معاً لمكافحة الإرهاب، وهما : 1- الاتجاه الوقائى التربوى: يقصد به بناء المناعة الذاتية التى تمنع حدوث العوامل المسببة لخروج السلوك البشرى عن الحق والصواب. 2 الاتجاه الجزائى التطبيقى: ويتمثل فيما شرعه الله من أحكام وتشريعات عقابية رادعة ، ويترتب على التطبيق الصحيح لهذا الاتجاه الجزائى التطبيقى النتائج العملية الآتية: أولاً: تطهير النفس البشرية وتخليصها من عقدة ارتكاب الذنب. ثانياً: ردع من يرتكب جريمة من العودة إلى مثلها وزجر الآخرين من الوقوع فى ذلك الخطأ، وهذا بعد وقائى كما فى قوله تعالى «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» سورة البقرة، الآية: 179. ومفاد ما تقدّم أن فى تطبيق أحكام القصاص ما يمنع بعض الناس من قتل بعض وذلك مخافة أن يتم الاقتصاص منه فيحييا بذلك معاً ويكون القصاص من حق الدولة وليس من حق الأفراد. وبناءً على ما سبق نجد أن موقف الإسلام من الإرهاب موقف أزلى يجمع بين الوقاية والمعالجة للمخالفات التى قد تكون سبباً فى مزيد من الإرهاب والعنف فى الدولة والمجتمع. ويتبيّن مما تقدم عدم صحة الزعم بأن الإسلام هو دين الإرهاب وأن منهج الشريعة الإسلامية لمكافحة الإرهاب يتفوق على قوانين الدول الغربية التى تتهم الإسلام – دون وجه حق بالإرهاب – وهذا الرأى الغربى المتمثل فى اتهام الإسلام بالإرهاب يشكل إرهاباً فكرياً من الغرب للإسلام والمسلمين. وسوف نتناول فى المقال التالى مكافحة الإرهاب فى القانون الدولى والمعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب.