الحرية هى معركة الإنسان ضد الشيطان منذ خلق آدم وإلى اليوم.. والحرية أيضًا هى أعظم منحة منحها الله للإنسان منذ خلق آدم وإلى اليوم ، هكذا هى فى القرآن.. وفى الكتاب المقدس.. لكن يبدو أن المصريين المحدثين اكتشفوا الحرية فقط يوم 25 يناير 2011 ومازالوا حتى اللحظة يبحثون لها عن تعريفات وطرق للممارسة والتطبيق. وإذا كنت واحدا ممن لا يقبلون بالتفسير الدينى أو اليمينى للحرية فأنت بالتأكيد تقف فى المعسكر الآخر .. أقصد معسكر الليبرالية الجديدة الذى يقوده ويبشر بجنته أمثال باسم يوسف ود.أسامة الغزالى حرب وكثيرون ممن يصدعون رءوسنا فى الفضائيات ويجعلون من أنفسهم محامين وجنودا مجندين للدفاع عن الحرية.. آسف.. لقد نسيت أن أشير إلى أن هناك فصيلا آخر يمثل الأغلبية فى هذا الوطن وهو فصيل يكاد يتمزق بسبب جذب الطرفين له.. اليمين الدينى من جانب والليبراليون الجدد من اليمين واليسار فى الجانب الآخر أو «المتأسلمون والمتأمركون» (!!) (1) كان أبى - رحمة الله عليه - يشعر بالحرج الشديد إذا تجاوز أحد فى الألفاظ أو ألقى نكتة جنسية فى وجودى أو أحد من إخوتى الصبيان ويظهر هذا على وجهه ويعبّر عن حرجه هذا بالتدخل لمقاطعة المتحدث أو صرفه إلى حديث آخر، لاحظت هذا كثيرًا وظل هو محافظًا على حيائه هذا حتى بعد أن كبرنا وصرنا رجالا، ولم يكن أبى متزمتًا دينيًا أو منغلقًا اجتماعيًا ولكنه كان يفعل ذلك من منطلقات قيم أخلاقية أعتقد أنه هو أيضًا تربى عليها. وتوفى أبى بعد أسابيع أو شهور قليلة على انطلاق ثورة 25 يناير وأعتقد أنه لو أمد الله فى عمره إلى الأسبوع قبل الماضى وصادف أن تم بث حلقة باسم يوسف الأخيرة فى وجودنا كان بالتأكيد سوف يثور ويطالبنا بتحويل القناة والبحث عن شىء مفيد بدلا من هذا العبث الفاجر، وهذا الوصف الأخير اتفق عليه كثير من المصريين الذين شاء حظهم العثر مشاهدة حلقة باسم يوسف الأخيرة. (2) فى دفاعه عما ارتكبه من جرم أخلاقى فى حلقته الأخيرة كتب باسم يوسف مقالا فى جريدة الشروق المصرية أثبت فيه أنه يعرف عن التوجهات الأخلاقية للحزبين الديمقراطى والجمهورى الأمريكيين أكثر مما يعرف عن القيم والتوجهات الأخلاقية لجاره المصرى الذى يسكن الشقة المجاورة، وإن كنت لا أعرف على وجه التحديد إذا ما كان باسم يوسف يسكن «كومباوند يعزله عن أمثالنا من العوام» أو يسكن فى عمارة ولديه جيران من المصريين الذين نقابلهم فى أماكن العمل والمواصلات العامة وفى الصلاة الجامعة فى المساجد وأمام أضرحة أولياء الله الصالحين .. السيدة زينب والحسين ومقاهى الحى الذى يحمل اسمه ونلتقى فيه مع الأصدقاء والأحبة.. هى دى مصر يا باسم التى غنّى لها عمر خيرت وريهام عبد الحكيم «فيها حاجة حلوة» فاقشعرت أبداننا برعشة الحب الدافئ.. الحب الدافئ الدائم كما نعرفه وليس كما تنقله مواقع الغرب الإباحية التى يرفض أمثالك ضبطها للحد من تأثيرها على المجتمع بدعوى الحفاظ على قيمة الحرية.. وحرية التعبير التى تأتى فى القلب من قيمة الحرية أو كما يقول الفقيه الليبرالى الآخر د. أسامة الغزالى حرب. (3) أراهن أن يعرف الليبراليون المصريون ماذا يريدون على وجه التحديد؟! لا يريدون الإخوان؟! ليكن: لا يريدون الفاشية الدينية أهلًا وسهلًا.. يريدون الحرية وارد.. هذا ما يقولونه والواحد منهم ينظّر لهذا حين يكتب أو يتحدث كأنه يملك وحده اليقين ولا يدانيه فى الغرور إلا الآخر الذى يقدم نفسه على أنه يملك مفاتيح الجنة والنار وكلاهما فى صراع نفسى أو قليل منهم الذين قرروا ألا ينسوا أنهم مصريون لا يريدون أن ينخلعوا من جذورهم تمامًا وفى نفس الوقت يخلّصون لمبادئهم وقيمهم الدخيلة على المجتمع المصرى. خذ عندك د. أسامة الغزالى حرب الذى ذكرت اسمه باعتباره واحدًا من حماة الليبرالية الجدد فى مصر ولديه من الألقاب والنشاطات على المستوى التنظيمى فى الداخل والخارج ما يؤهله لأن يجلس على المنصات الليبرالية، دكتور حرب كتب مقالا فى أهرام 31 أكتوبر تحت عنوان: «باسم يوسف» يحتفى فيه بعودة الأخير (عبر برنامجه التليفزيونى) احتفاء أبطال يوسف شاهين بعودة الابن الضال، المضلل، ومن الاحتفال إلى إغراق القارئ فى تفسيرات وتأويلات عن علاقة العودة المظفرة بالحرية، وجوهرها، وقيمها الثورية، إلى أن يصل د. حرب إلى مربط الفرس من مقاله ويرمى قنبلة دخانه ليسحر بها أعين القراء حين يقول «إن نشاط باسم يوسف وممارسته فنه وسخريته من جميع المؤسسات بلا أى استثناء.. وكل الأفراد.. بلا تحفظات ولا خطوط حمراء هو إحدى العلامات المهمة على ديمقراطية الثورة المصرية»!! ولأن الدكتور حرب ليبرالى مصرى فقد أنهى مقاله بنصيحة وجّهها لباسم بأن يخفف من الإيحاءات الجنسية المُبالغ فيها أحيانًا وهنا لابد أن نقف ونقول للدكتور حرب: كيف؟!.. كيف يا دكتور وأنت دكتور وبالتأكيد تعرف الدواء، كيف تطالب باسم أن يمارس حريته القولية بلا تحفظات من جميع المؤسسات وبلا أى استثناءات أو خطوط حمراء وضد كل الأفراد.. ثم تنصحه أن يخفف من نكاته الجنسية؟! قولى يا دكتور ماذا يكون رد فعلك لو خرج باسم يوسف فى الحلقة القادمة وقال على الشاشة وأمام جماهير مشاهديه مثلًا إنه مثلى وأن هذه حرية شخصية وإنه يمارس هذه الحرية؟! ولا تنسى أن الليبرالية تسمح بهذا..«بلاش دى» ماذا لو أراد أن ينشر فى برنامجه رسومًا مسيئة للنبى محمد أو للمسيح عيسى سلام الله عليهما وحرية التعبير فى ليبراليتك سمحت وتسمح بذلك؟! وماذا أنت فاعل يادكتور حرب لو اختلف معك باسم وخرج فى حلقة من برنامجه يسخر من خلقتك ويركز كاميرته على عيوب بارزة فى ملامح وجهك وهذا حدث مع كثيرين أصابتهم سهام باسم الموجهة.. ولقد فعل باسم كل ما سبق تقريبًا.. بجرعات متفاوتة لكنه تجاوز فيها كل المحرمات والتابوهات: الجنس والدين والسياسة، وضحكنا لأن موضوع السخرية كان الإخوان ورئيسهم هذا قبل أن نكتشف أخيرًا أن سخرية باسم التى ألقتنا على قفانا من الضحك صفعتنا أيضًا على قفانا لأننا ارتضينا أن نكون مغفلين عمدًا. (4) لقد أمسكت بالقلم وجربت أن أكتب كلامًا أسخر فيه من باسم يوسف وأن أضمّن هذه السخرية كثيرًا من الإيحاءات الجنسية التى تطول شرفه وعفته الشخصية أو الأسرية وأضيف إليها كلمات قبيحة ولكنها حمّالة أوجه إذا تم الاحتكام فيها للقانون يمكن الهروب بها من تهمة السب والقذف.. ووجدت هذا سهلًا وأحسب أنه كان سوف يلقى قبولًا من فئة كبيرة أساء لها باسم وترغب الآن فى الانتقام منه، أو فئة أخرى سوف ترى فى كتاباتى شطارة وجرأة.. لكننى مزقت الورقة بعد أن كتبت وأنا أقول لنفسى لا تنه عن فعل قبيح وتأتى بمثله ، وتذكرت المرحوم أبى فخشيت أن يقرأ ابنى هذا الكلام فأسقط فى نظره مثلما سقط آباء كثيرون فى أعين أبنائهم بعد ثورة 25 يناير. (5) إسقاط النظام الأبوى هذا هو السقوط الذى بشّرتنا به الليبرالية الجديدة بعد ثورة 25 يناير وتسللت فى نشر هذا الخراب مثل أبالسة الجن عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وغذت أبناءنا الأغرار بمفاهيم وقيم شيطانية مثل الأناركية وأفكارها التى تحارب العقيدة والأسرة والدولة، وجاء باسم يوسف يحول الأفكار إلى ورقة عمل وأسلوب للتعامل والمحاكاة عبر برنامجه البرنامج، وأكرر قبلناها منه لأنه كان ضد الإخوان وضد من سقطوا معه فى نفس الخطأ بأن ردوا عليه الشتم بالشتم والسب بالسب والسخرية البذيئة بمثلها لكننا اكتشفنا فى الحلقة الأخيرة أن لا أحد ولا قيمة ولا مؤسسة ولا مصلحة وطن سوف تنجو من مقصلة باسم، وأن باسم الذى مرر لنا بضاعته الأمريكية المضروبة سوف يظل أمينًا ومخلصًا لتوجهاته النيوليبرالية التى تريد أن تسقط هذه الدولة لتنشئ دولة القرود التى تحاكى دولة السيد الأبيض الذى يسكن واشنطن وباريس، فإذا ما رأى القرد المراهق فى كوكبنا سيده الأبيض ما أن يخط شنبه أسفل أنفه يضرب أباه وأمه بالحذاء فهو الآخر يضرب أباه وأمه بالحذاء.. حريته تدعوه لذلك، وإذا رأت القردة فى بلادنا أن سيدتها فى الغرب تأتى ب «البوى فريند» خاصتها إلى منزل الأسرة ليضاجعها بمجرد أن تحيض فلتفعل وحتمًا سوف يقودونا هذا التطور الطبيعى فى كوكب القرود لأن يصطحب الذكران والأناثى مثليهما إلى قاعات المساجد المخصصة لعقد القران ويعقد الواحد أو الواحدة منهما على مثيله فى النوع فهذا ما يقع فى كنائس الغرب.. شىء مرعب لكنه يحدث بالفعل. ولا تحدثنى يا دكتور حرب أو يا سى باسم بعد ذلك عن نظريات الحرية عند فولتير وكانت وجون سيوارت مل، لأننى لن أحدثك عن الحرية عند محمد صلى الله عليه وسلم ولا بن الخطاب ولا فلاسفة العرب الذين علموا الغرب مبادئ التفلسف.. لأنك لن تفهمها فدعوا المصريين يتمتعون بحريتهم المسئولة الإيجابية التى لا تنقص من الحرية الفردية ولا تتجاوز حرية المجتمع وقيمه ومبادئه.. التى لم تلوثها لا الأفكار النيوليبرالية ولا الدراما الهوليودية، ولا الدولارات الأمريكية بعد.