نحن فى أمس الحاجة إلى وجود مشروع قومى لمكافحة الفقر فى مصر، بعد أن ارتفعت معدلات الفقر لتصل إلى 25% من السكان. ويتجاوز الفقر فكرة انعدام الدخل ليشمل الحرمان بمفهومه الأكثر اتساعًا، فالحرمان يعنى الجوع، كما يعنى عدم وجود مأوى، وهو الحرمان من العلاج والتعليم وفرصة العمل، وهو أيضًا الخوف من المستقبل. كما اتسع المفهوم التقليدى للفقر ليشمل فقرالوعى والضمير، لأن المصريين فى أحلك فتراتهم التاريخية لم يدفعهم الفقر للمتاجرة بأنفسهم، أما الفقر الآن ووفقًا لمعناه الأشمل فيدفع للعنف وللفساد، وللتخلى عن الثوابت الوطنية، ويدفع الفرد لأن يكون مأجورًا لصالح جماعة ما تسلب إرادته وتسخره لتنفيذ مصالحها وأهدافها، ولا يخفى أن نسبة كبيرة من المنتمين للجماعات الإرهابية هم من الفقراء الذين قهرتهم الحاجة، ووجدت تلك الجماعات فيهم هدفًا تشتريه بالمال ليحقق لها مصالحها. ولا شك فى أن نسبة الفقر فى مصر لا يستهان بها، والغلاء يهدد بدخول شرائح جديدة لدائرة الفقر، وقد أكد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين أثناء اجتماع لجنة الحوار المجتمعى على أن العدو الحقيقى لنا هو الفقر. ويمكن أن نضيف أن الفقر فى مصر تحول إلى مسألة تمس الأمن القومى. فالفقر مشكلة نرثها جميعًا، كما يورثها الفقراء لأبنائهم، فالفقر هو التحدى الأكبر أمام بناء مصر المستقبل. لكن المؤكد أن جهود الدولة بمفردها لن تكفى وربما لن تنجح فى مواجهة الفقر. ومنذ عدة أشهر تراودنى فكرة تكافلية لمكافحة الفقر، قد تبدو خيالية أو مستحيلة للبعض، لكننى كلما تعمقت فى الفكرة ازددت اقتناعًا بأنها قابلة للتنفيذ، ولكن بشروط. نعود أولًا إلى الفكرة وهى ببساطة «كم من المصريين يستطيع أن يتبرع بجنيه واحد يوميًا؟». نفكر قليلًا.. لو قلنا إن المصريين الذين يعيشون على أرض المحروسة 84 مليون مصرى، و25% منهم تحت خط الفقر، و25% آخرين لن يستطيعوا تحمل هذا العبء.. ولنجعل المسألة أكثر بساطة فلنقل إن 40 مليون مصرى يستطيعون التبرع «بجنيه واحد يوميًا» وإذا نجحت الفكرة سيكون لدى مؤسسة «تكافل المصريين» 40 مليون جنيه يوميًا، ومليار ومائتا مليون جنيه شهريًا، وسنويًا أربعة عشر مليارا وأربعمائة مليون جنيه، بالطبع رقم كبير جدًا يستطيع أن يحارب الفقر وأن يغير وجه الحياة على أرض مصر، إذا توافرت له «الاستمرارية» و«القدوة الحسنة» و«الإدارة الجيدة». وأن يكفى الله فكرة ومؤسسة «تكافل المصريين» شر حزب أعداء النجاح وكيد الحاقدين. الطريق ليس سهلًا، لكن الفكرة نبيلة وتستحق أن تبذل الجهود لإنجاحها «جنيه واحد يوميًا» ندعو الله أن يضعه فى ميزان حسناتنا، وأن ييسر لنا هذا الأمر، وأدعو كل من وجدت الفكرة لديه قبولًا أن يفكر فيها ويجتهد لينميها، ولنتواصل بشأنها ونعقد حلقات وندوات لمناقشتها مع المقتنعين بالفكرة والمختصين. ولا شك أن هناك وجوها كثيرة لمكافحة الفقر وقد تكون فكرة «تكافل المصريين» أحد أسلحة مواجهة الفقر، وأعتقد أنه ليس هناك أسهل من التبرع ب «جنيه واحد يوميًا»، لكن هذا المبلغ الضئيل يمكن أن يغير شكل الحياة فى مصر إذا ضمنّا له الاستمرارية والقدوة الحسنة والإدارة الجيدة الأمينة، للحديث بقية، والله من وراء القصد.