مصر كانت وستظل تحرص علي التكافل الاجتماعي. وهو الضمان لاستقرارها سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً. التكافل الاجتماعي يظهر في أوقات الشدة والأزمات والكوارث.. ولا يجوز لأحد الاعتراض عليه أو محاولة الزج بهذا التكافل الاجتماعي في معارك سياسية أو أغراض أخري. وفي التكافل الاجتماعي واستمرار محاولات جادة لمحاصرة الفقر وتقديم قدر من العون للفقراء والمحتاجين. وإن لم يكن كافياً فهو بالضرورة يسهم في إزالة بعض الألم الذي يعيش فيه الفقراء والمحتاجون. والعمل التطوعي في مصر وإن لم يكن منظماً بالقدر الكافي حتي الآن وبه قدر كبير من التشتت والانقسام وهي ظواهر نأمل أن تختفي من حياتنا حتي تتوحد الصفوف من أجل الصالح العام. وعندما ظهرت دعوات مخلصة ومبادرة طيبة لتجميع مليون بطانية لأهالي الصعيد الفقراء رحبت بها قطاعات عريضة من المجتمع فقراء وأغنياء ومتوسطي الحال الذين بادروا بالتبرع لهذه المبادرة لنجدة أشقاء في الوطن من قسوة البرد. يا له من مطلب متواضع بطانية غطاء من برد الشتاء القارس.. ولكننا للأسف لانزال نحاول الزج بالفقراء في العراك السياسي الذي يدور بنا وحولنا ولا ندري إلي اين يقذف بنا.. وفي بنك مصر عندما توجه من يرغبون في التبرع لمبادرة المليون بطانية لأهل الصعيد وجدوا قائمة تضم 47 جهة في مصر تطلب تبرعات وكلها جهود مشكورة ولكنها تعبر أيضا عن الانقسام والتشتت. فماذا لو تم تجميع كل هذه الجهات التي تطلب تبرعات أو تتلقي هذه التبرعات في جهة واحدة تستطيع أن تؤدي عملاً ضخماً وإيجابياً في مساعدة الفقراء. والفقر في مصر موجود ولا يمكن إنكاره وهو موجود في كل دول العالم الغنية والفقيرة علي حد سواء.. ولكن لا يجوز أن نحمل من الفقراء الإعلان عنه. ولكننا علينا أن نشعر بالخجل والألم والمرارة أننا نعجز عن التصدي له وتخفيف آلامه علي الفقراء والمحتاجين. وعندما تتدفق التبرعات من خلال دعوة مشكورة لتجميع البطاطين لأبناء الصعيد الفقراء فهي دعوة مشكورة وتستحق المساندة والتأييد. وهي ليست إهانة للصعيد أو أهله. ولذلك أشعر بالخجل من أي دعوة تعارض هذه الفكرة أو تحاول عرقلتها وتدعو إلي مقاطعتها بحجة أنها صدرت من الفلول. ولم نعد ندري من هم الفلول حتي الآن والحمد لله اننا كنا نعارض النظام السابق في عز قوته وعنفه ومنظومته الأمنية. ولكن عن أي فلول يتحدثون؟!. وهذه البطاطين أبسط وأقل ما يمكن تقديمه للجوعي والفقراء في مصر كلها وليس في الصعيد فقط. إن تقديم العون والمساعدة للفقراء في أي منطقة داخل مصر هي مسئولية وواجب علي كل من يستطيع. وعلي الجميع أن يتركوا العراك السياسي بعيداً عن التكافل الاجتماعي والمبادرات التي يستحقها الفقراء. أما التلويح بحرق البطاطين وغيرها فإن هذا يعبر عن وجهة نظر سياسية لا يجوز أن يتم اقحامها في مشروع أو مبادرة خيرية يستحقها الفقراء في كل ربوع مصر. وللذكري فقط وللإيضاح فإن الفقراء والمحتاجين في القاهرة يتكدسون أمام الجمعيات الخيرية والمساجد في أوائل كل شهر للحصول علي مبلغ زهيد لا يتجاوز 40 أو 50 جنيهاً وهو لا يسدد ثمن وجبة من محلات التيك أواي.. ويتحملون مشقة القدوم من مناطق بعيدة. وفي بعض الأحيان لا يكفي المبلغ لصرف الإعانة فيتم تخفيضها إلي 20 أو 30 جنيهاً حتي يحصل عليها جميع الفقراء المتواجدين أو المربوطين علي الجمعية أو المسجد.. أليس هذا أمر مخجلاً لنا جميعاً؟!. وعلينا أن ننأي بأنفسنا عن اللعب بهموم الفقراء الذين ظلموا ويحتاجون الرعاية والاهتمام والمساندة ليس من العمل التطوعي فقط بل من الدولة وهي المسئولة أولاً وأخيراً عن إنقاذ الفقراء ورعايتهم.. وحتي تصل الدولة إليهم اتركوا العمل التطوعي يقدم لهم بعض العون والمساندة.. ولا تحرموا هؤلاء من أيد حانية تمتد إليهم.. فهذا لا يتفق مع سماحة الدين أو الأخلاق. كلمات لها معني إذا كنت فقيراً.. وفي مكان مزدحم بالناس فلا أحد يهتم لوجودك.. ولو كنت غنياً وفي صحراء قاحلة ستجد لك أقارب هناك. مثل صيني