كان الخبر الذي تصدر بعض وسائط الإعلام العالمية وأوردته بعض وسائلنا الإعلامية أيضًا، ذلك الخبر الذي نشر عن تبرع أغني أغنياء العالم بنصف رءوس أموالهم للمشروعات الاجتماعية (مستشفيات وأدوية وأجهزة تعويضية وتعليم وغذاء) وغيرها من احتياجات للشعوب الفقيرة، وأعتقد أن هؤلاء الأغنياء الأجانب لا يسعون بهذا الإجراء الذاتي إلي جني منصب حكومي أو سياسي في بلادهم، كما لا أعتقد أنهم يسعون أيضًا بهذه التبرعات السخية إلي رضاء حكومي أو قيادة سياسية في بلادهم أو لحصولهم علي ميزة نسبية في حيازة أراض أو مشروعات حكومية، وربما يسعون إلي الحصول علي رضاء من الله عليهم، أو قناعات متحضرة جدًا، بأن كل تلك الثروات المكتنزة لن تفيد، حيث الأدب الشعبي المصري الذي يقول إن (الكفن بلا جيوب)! والراصد لتاريخ هؤلاء المتبرعين الدوليين أنهم قد كونوا ثرواتهم من خلال نشاط محلي في بلادهم، وتطورت صناعاتهم وتجارتهم إلي العالمية، واستطاعوا تكوين تلك الثروات الهائلة من خلال مستهلكين لأنشطتهم ومنتجاتهم في كل أرجاء المعمورة، وهنا وجدوا بأن حقا عليهم مساعدة فقراء العالم ومحتاجيه! وهنا السؤال ماذا عن أثرياء أمتنا العربية؟ وماذا عن أثرياء أمتنا الإسلامية؟ الذين يحضهم الدين الإسلامي علي التكافل الاجتماعي وعلي عون الفقير والسائل والمحتاج والمسكين! ماذا عن هؤلاء الأثرياء الذين كونوا ثرواتهم من ارتفاع غير مبرر لأسعار البترول، وعن استغلال مخصصاتهم من أرباح في هذه السلعة السوداء، والتي كان لمصر دور عظيم في نقل السعر من (4 دولارات) للبرميل إلي (أربعين دولارًا) بين ليلة 6 أكتوبر 1973 وضحاها! ولم تعد أبدًا تلك الأسعار الطبيعية ما بين «4 دولارات» للبرميل و«خمسة دولارات» للبرميل مرة أخري ولن تعود، واكتنزت تلك البلاد وهؤلاء الأثرياء مليارات الدولارات، والغريب في الأمر، بأنهم أودعوا تلك المدخرات واستثمروها في بلاد (الفرنجة)، تلك البلاد، التي تطوع أثرياؤها بالبترع بنصف ثرواتهم لفقراء العالم! أما عن أثريائنا المصريين، فحدث ولا حرج!! فكل ما قيل عن أثرياء الغرب وأرصدتهم عن التبرع، ينطبق العكس تمامًا علي أثريائنا من المصريين بل والأكثر من ذلك أن مجمل ثرواتهم جاء من احتكارات في منتجاتهم من دم شعب مصر، والأكثر من ذلك أغلبهم كونت ثرواتهم من فساد حكومي وإفساد من هؤلاء الأثرياء ومن نهب أموال البنوك، ومن تخصيص أراض في زمن (مغارة علي بابا)!! الفاحص والراصد لهؤلاء الأثرياء تجدهم حتي وعلي ما يعلنون عن تبرعاتهم، ومساهماتهم في إنشاء مراكز علمية وصحية غير هادفة للربح، حينما صدر قرار بضم هذه الأنشطة إلي قانون الضرائب الجديد، سارعوا بالصراخ والوقوف أمام تطبيق القانون وقاوموا تنفيذه، كما يحدث اليوم في وقوفهم اليوم ضد قانون الضرائب العقارية، الذي سيكشف عن حجم ثرواتهم في العقارات والأراضي وصدق الدكتور «محمود محيي الدين» حينما قال إن الأغنياء في مصر، يستخدمون الفقراء المصريين دروعا بشرية في محاربة قوانين تهدف إلي العدالة الاجتماعية في بلادنا! أين أثرياؤنا المصريون أمام تلك الظاهرة العالمية، والتي كشفت عنها بعض وسائطنا الإعلامية في خجل شديد!