بعد خمسة أيام من الجلسات، انتهت محاكمة السياسى الصينى المعزول بو شيلاى، ولكن لم ولن ينته الجدل الدائر حولها حتى بعد صدور الحكم حيث تعتبر هذه القضية أكبر زلزال سياسى يضرب النخبة الشيوعية الحاكمة فى الصين منذ عملية قمع المتظاهرين المنادين بالديمقراطية على أيدى الجيش الصينى عام 1989. وجاءت الشفافية التى اتسمت بها المحاكمة لتثير التساؤل عما إذا كانت تمثل رغبة حقيقية من قبل القيادة الصينية فى تنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد الذى يهدد الحزب والدولة أم أنها مجرد عرض مسرحى من إخراج الحزب للتغطية على الصراع السياسى الدائر بداخله أو التقليل من أثر الفضيحة التى لحقت به. جرت المحاكمة فى مقر محكمة الشعب الوسطى فى مدينة جينان الصينية ورغم أن السلطات الصينية لم تسمح لوسائل الإعلام الأجنبية بتغطية المحاكمة إلا أن المحكمة قامت بنشر وقائع الجلسات عبر موقعها الإلكترونى فى خطوة اعتبرتها وسائل الإعلام تنم عن شفافية. وفى جلسة اليوم الختامى طلب الإدعاء العام فى الصين إنزال عقوبة مشددة على بو شيلاى - 64 عاما- المتهم بقضايا رشوة واختلاس أموال عامة وسوء استغلال للسلطة للتغطية على أفعال زوجته وذلك لأنه لم يبد ندما على ما ارتكبه من فساد. وكان بو شيلاى، الأمين العام السابق للجنة الحزب الشيوعى الصينى فى مدينة تشونج تشينج ، والذى كان من أبرز المرشحين لعضوية اللجنة الدائمة للمكتب السياسى للحزب الشيوعى الصينى وهى الهيئة المسئولة عن اتخاذ القرارات السياسية فى الصين، طرد من الحزب وجرد من مناصبه فى مارس 2012، أى قبل ستة أشهر من المؤتمر الثامن عشر للحزب الذى عقد فى نهاية العام الماضى، وذلك عقب الكشف عن تورط زوجته غو كيلاى بقتل صديق العائلة رجل الأعمال البريطانى نيل هايوود بتسميمه فى 15 نوفمبر 2011. وجاء الكشف عن هذه الجريمة على يد وانج ليجون مساعده وقائد شرطة تشونج تشينج ، فى فبراير 2012 بينما كانت الصين تستعد للتغيير الذى تجريه كل عشر سنوات فى قيادتها وذلك بعد فراره إلى القنصلية الأمريكية حيث طلب اللجوء مما فجر الفضيحة. ويقول الإدعاء إن «شيلاى» تلقى رشى من رجلى أعمال لقاء تسهيل الاستثمارات فى منطقة داليان الصناعية التى كان يحكمها، وإنه كان على علم بدور زوجته فى قتل هايوود فى نوفمبر 2011 وإنه حاول التغطية على الموضوع. وفى شهادتها قالت زوجته «غو» إن هايوود بسبب خلافات اقتصادية بينهم هدد بالتعرض لابنها «غواغوا» وإن شيلاى كان على علم بالأمر. كما شهدت بأن زوجها كان على علم بالرشى التى تقاضتها من رجل الأعمال «شو مينج» القريب من العائلة . أما ليجون فشهد بأن شيلاى لكمه حين أخبره خلال اجتماع بينهما فى يناير 2012 بأن زوجته مسئولة عن مقتل رجل الأعمال البريطانى وعلى ضوء ذلك قرر شيلاى إقالته من مهامه وهو ما دفعه إلى الهروب إلى السفارة الأمريكية ليطلب اللجوء مما فجر الفضيحة. من جانبه، قال شيلاى للمحكمة إن زوجته أصيبت بخلل عقلى، وإنها تعرضت من قبل المحققين لضغوط ضخمة لتوريطه، واتهم وانج ليجون بالكذب، معترفا بأنه لم يتصرف بشكل هادئ عندما اتهم ليجون زوجته غو بالوقوف وراء مقتل هايوود ولكنه قال: «لم أكن أنوى حماية غو، كما لم أكن أنوى إجبار وانج على الهرب». وجدد رفضه لجميع الاتهامات المنسوبة إليه، نافيا تلقى أى رشى أو اختلاسه لأى أموال عامة . وبالرغم من محاولة السلطات الصينية إظهار محاكمة شيلاى كمحاكمة عادلة تتسم بالشفافية بشكل غير مسبوق حيث سمحت المحكمة له بالدفاع عن نفسه بقوة بل حتى مواجهة الشهود- وهو أمر غير معتاد فى المحاكم الصينية حيث يعترف المتهمون غالبا بالتهم المنسوبة إليهم، ونادرا ما يسمح بظهور الشهود - فإنها قد تفشل فى محكمة الرأى العام ، بحسب تحليل لوكالة الصحافة الفرنسية. ويقول خبراء إن الحكم بحق شيلاى مقررا مسبقا من القيادة الشيوعية، خاصة أن كل المحاكم فى الصين تعمل تحت الإشراف المباشر للسلطات الشيوعية. وتوقعوا أن تصدر بحقه عقوبة بالسجن لفترة طويلة. بينما لمح آخرون إلى احتمال أن يكون شيلاى قد توصل إلى اتفاق مع السلطات لإظهار أنه يلقى محاكمة عادلة مقابل حصوله على عقوبة متفق عليها مسبقا. وبينما يقول محللون إن المحاكمة تهدف إلى التخلص من سياسى يتمتع بشعبية كبيرة، يقول آخرون إن المحاكمة تهدف إلى التغطية على فساد الحزب الحاكم. من جانبه، يرى نيكولاس بيكويلين، الباحث البارز فى منظمة «هيومن رايتس ووتش» فى هونج كونج، أن الهدف من إظهار المحاكمة بهذا الشكل العادل هو إضفاء الشرعية على الحكم القضائى بحق شيلاى حتى يمحو الحزب أثر العار الذى لحق به نتيجة تورط أحد قادته الكبار فى هذا النوع من الفساد وإساءة استخدام السلطة. أما جوزيف تشينج، الخبير فى السياسة الصينية فى جامعة «سيتى» فى هونج كونج، فيقول إن التحديات للقيادة الشيوعية والتحديات لخط الحزب الشيوعى عادة ما يتم التعامل معها عن طريق تلفيق قضايا الفساد. ويرى أن المحاكمة تعزز انطباعا ساخرا لدى الشعب الصينى بأنه إذا تم اتهام أحد من المسئولين بالفساد، فهذا يعنى أنهم دخلوا فى صراع سياسى.