بانقضاء هذه الأيام يكون قد انتهى الجزء السهل من مهمة الوطن لاستعادة نفسه وإعادة الحياة لشرايينه التى تجمدت أو أضيرت، ويتبقى لنا الجزء الأصعب والأكثر تأثيرا وهو إعادة السلام الاجتماعى والمجتمعى لمصر والمصريين. أعرف أنها مهمة صعبة وبالغة الصعوبة وتتطلب من حكماء الأمة أن ينهضوا بمسئولياتهم، ويتضلعوا بدورهم الريادى والمعنوى حتى يعود نسيج هذا الوطن لحالته الطبيعية التى كان عليها.. البسيطة.. السمحاء.. الوسطية.. والمعتدلة. وقد تكون تجربة الإعداد لدستور جديد يليق بمصر ومكانتها مناسبة جيدة لشحذ أفكار هذه الأمة بشبابها وخبراتها من أجل الوصول إلى ميثاق للسلام الاجتماعى يضم كافة الأطراف تحت مظلة المواطنة وعلى أرض مصر، ينهض بثقافة المواطنة ويعلى مصلحة البلاد على كافة المصالح والأهواء الحزبية أو السياسية أو الدينية أو حتى الشخصية. لن يكون مسموحا لجماعة أن تعمل خارج الإطار القانونى المحدد والمسموح والمعترف به، ويجب حماية البسطاء فى مصرنا الحبيبة من الشعارات واليافطات البراقة والجذابة والمسميات المضللة التى لا تمت للواقع بصلة بل تستتر تحتها كيانات وأفكار هدامة أهدافها تنأى بعيدا عن أهداف الوطن. كانت تجربة مريرة نعم، ولكن يجب أن نخرج منهات جميعنا بدروس مستفادة لصالح هذا الوطن الذى عانى خلال الفترة الأخيرة من ويلات كثيرة، يجب أن نضع نصب أعيننا حماية مستقبلنا وصيانة تماسكنا ونسيجنا الوطنى، فقد خرج الوطن منتصرا ولن نسمح لأحد أن يجرنا مرة أخرى إلى طريق الانقسام والاختلاف أو أن يعمق مشاعر الكراهية والحقد ورفض الآخر. هذا المجتمع المتدين من الأساس صاحب الحضارة العريقة أرسل رسائل بعيدة عن طبيعته خلال الفترة السابقة ولكن شاءت إرادة الله الذى طالما حمى مصر وشعبها أن يتدارك المصريون هذه السقطة وينهضوا بالوطن فورا من هذه الكبوة ويلفظوا بالنشاز بعيدا ليغردوا جميعا مع السرب. ويجب هنا أن نعترف بأن أحد أهم النتائج الإيجابية لأحداث يوم 14 أغسطس هو عودة جهاز الشرطة لممارسة عمله المنوط به بكل حرفية فى فرض النظام وتطبيق القانون، ويجب علينا جميعا أن نقف وراء هذا الجهاز لكى يتمكن من أداء مهامه كافة وأن يستعيد الثقة فى قدراته ومكانته. نعرف جميعا أنه سيكون هناك كثير من التحديات التى ستواجهها مصر فى الفترة القادمة ونحن نتقدم بها إلى عصر الديمقراطية الحقيقية فى الوقت الذى تحاول فيه بعض الدول الغربية نقل صورة مختلفة عن الأوضاع فى مصر، ومحاولة تزييف إرادة المصريين الشعبية وقلب الحقائق وتشويهها، تلك الإدارة التى فرضت نفسها على كل العالم وعبروا فيها عن قول فصل واختاروا طريقهم الذى يرتضوه ويرون فيه مستقبل مصرنا الحبيبة. هذه الدول سيأتى اليوم الذى تنصاع فيه إلى الإرادة المصرية الصلبة، وهذا دورنا فى عدم التقاعس عن الاتصال بالجميع والتأكيد على خطاب سياسى واحد وهو أن المصريين ينشدون الوصول إلى الديمقراطية الحقة فى أسرع وقت ممكن وأننا نسير إليها بخطى ثابتة وواثقة متوكلين على الله وغير ناوين على أن نحيد عنها. وفى عملنا الدؤوب القادم يجب أن نضع نصب أعيننا أهمية مصر وقيمتها وموقعها ومركزيتها للإقليم وصعوبة تجاهلها أو تجاوزها، وكل ما يجرى الآن هو ما يمكن أن يقال عنه إنه محاولة لإبراء الذمة من بعض الدول وأيضا لأننا هدمنا مخططات كثيرة وفرضنا إعادة ترتيب المنطقة بالمنظور المصرى ووفقا لقواعد التجربة المصرية التى قوّضت نظريات سياسية تقليدية راسخة. أما جماعة الإخوان فقد ذكرت فى مناسبات عديدة أنها جماعة أنهت نفسها بنفسها، وأنها انجرت وراء شهوة السلطة، ولازلت أذكر موقفهم عندما أعلنوا عدم تقديم مرشح عنهم للرئاسة وكان ذلك بعد ثورة 25 يناير، ولو كانوا تمسكوا بهذا الموقف لحافظوا على رصيدهم المتبقى داخل وخارج مصر. عليهم الآن إعادة ترتيب أوراقهم وإعادة إنتاج أنفسهم بفكر جديد ومفاهيم وأسس تتفق مع طبيعة مصر وسمات شعبها العظيم. أتمنى لمصر السلامة ولشعبنا التقدم والازدهار فى مناخ ديمقراطى حقيقى بعيدا عن الأهداف والأهواء التى قد يحملها أى فصيل، وهذا لن يتأتى إلا بإعادة بعث روح الوطنية المصرية فى النفوس وشحذ الهمم للتغلب على صعوبات المرحلة القادمة.