مرت العلاقات الروسية الأمريكية بفترات فتور منذ انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، واختلف البلدان بشأن العديد من القضايا الدولية، ولكن يبدو أن الخلاف الحالى لن يكون مثل السابق، وربما يعيد أجواء الحرب الباردة بحسب كثير من المحللين والمراقبين. وقد جاءت قضية الجاسوس «سنودن» لتشكل ذروة الخلاف بين البلدين، حينما تحدى بوتين نظيره الأمريكى أوباما وقرر منح سنودن اللجوء المؤقت لمدة عام، مما دفع أوباما للرد بقسوة على هذه الخطوة من خلال إلغاء لقائه بوتين فى موسكو على هامش قمة العشرين فى سانت بطرسبورج، مبررا قراره بعدم إحراز تقدم كاف فى معالجة قضايا جوهرية فى العلاقات الأمريكية - الروسية، كما اتهم روسيا باعتماد «خطاب معادى» للولايات المتحدة فى عهد بوتين، ولم يكتف أوباما بذلك، إذ تحدث أيضا عن الرئيس الروسى بلغة «غير دبلوماسية» وشبهه ب «طفل لا يكترث يجلس فى آخر الحجرة الدراسية». ورغم تأكيد أوباما على استمرار علاقته الشخصية الطبيعية مع بوتين، مما يسمح بمناقشة كل المشاكل الشائكة بصراحة وبطريقة بناءه، فإن إعلان حضوره قمة مجموعة العشرين فى روسيا من دون لقاء بوتين، دفع أوساطاً قريبة من الكرملين إلى القول بأن الإدارة الأمريكية قررت مراجعة علاقاتها مع بوتين، وشطب روسيا من لائحة الدول المهمة لسياستها الخارجية، مما يعنى دخول العلاقات مرحلة فتور طويلة قد تستمر حتى نهاية الولاية الثانية لأوباما عام 2017 حسبما نقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن خبراء روس وأمريكيين. وفى ذات السياق قال «اليكسى بوشكوف» رئيس لجنة العلاقات الدولية فى مجلس الدوما - معلقا على الموقف الأمريكى - إن عملية إعادة تفعيل العلاقات مع روسيا التى أطلقها أوباما لدى وصوله إلى البيت الأبيض دفنت تماما. وقد اتفقت معظم الصحف العالمية على أن العلاقات الروسية الأمريكية تشهد تدهورا يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة بين البلدين، فقالت مجلة « ديرشبيجل» الألمانية إن قرار الكرملين بمنح حق اللجوء لعميل المخابرات الأمريكية الهارب كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة للعلاقات بين واشنطنوموسكو، وهو ما ظهر فى رفض أوباما إجراء المحادثات التى كانت مقررة فى وقت سابق مع بوتين، بل الإعلان عن زيارة دولة أخرى فى نفس الموعد، وأوضحت المجلة أن إلغاء أوباما للقمة الأمريكية الروسية هو الأول من قبل رئيس أمريكى منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، الأمر الذى دفع بعض المحللين للقول بأن الإلغاء أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة وتكتيكاتها، وعلى الرغم من أن بوتين لم يحضر قمة الثمانى التى استضافها منتجع كامب ديفيد الأمريكى فى مايو 2012، إلا أن عدم حضوره لم يكن تصرفا نابعا عن ضجر أو استياء كما هو الحال بالنسبة لأوباما. وأضافت المجلة الألمانية أنه «وسط أجواء من العداء المتصاعد، أدركت روسيا أن الولاياتالمتحدة بإلغاء القمة قد أدارت لها ظهرها، ما دفع الكرملين للإعراب عن خيبة أمله لهذا الموقف، ورغم إعلانه أن روسيا ستبقى على استعداد للعمل مع الولاياتالمتحدة بشأن القضايا الثنائية والدولية، إلا أن تصريحات مستشار بوتين للشئون الخارجية «يورى أوشاكوف» لم تعكس هذا الاستعداد، حيث أوضح أن تصرف واشنطن يعكس عدم استعدادها لتطوير العلاقات مع موسكو على أسس متساوية». من جانبها ركزت صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية فى افتتاحيتها على رضا الأمريكيين تجاه إلغاء أوباما قمته مع بوتين، موضحة أن خطوة الرئيس الأمريكى تعتبر بمثابة الرد على الصفعة التى وجهها له بوتين من خلال منح الأخير حق اللجوء السياسى لسنودن، أما صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» فذكرت فى تقرير لها أن توتر العلاقات الأمريكية الروسية يعود لأسباب أكبر من قضية سنودن، موضحة أنها تعود بشكل أكبر إلى صراع قديم بين البلدين. وفى سياق تحليلها لتلك الأزمة قالت «ليليا شيفتسوفا» المحللة الروسية فى مركز «كارينجى» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن كل البوادر تشير إلى أن العلاقات بين واشنطنوموسكو تتجه نحو فتور جدى، وأضافت، هناك مسائل كثيرة لا تتمكن الولاياتالمتحدةوروسيا من التوصل بشأنها إلى أدنى تقارب، ورغم أن إلغاء واشنطن للقمة بين اوباما وبوتين يأتى بعد أسبوع على منح موسكو اللجوء المؤقت لمدة عام للشاب الأمريكى سنودن المحلل السابق فى وكالة الأمن القومى الذى كشف برنامج مراقبة الولاياتالمتحدة للاتصالات الإلكترونية، غير أن قضية سنودن ليست سوى إحدى نقاط الخلاف العديدة بين الولاياتالمتحدةوروسيا منذ عودة بوتين إلى الكرملين فى مايو 2012 لولاية رئاسية ثالثة بعد ولايتين بين 2000 و2008 وتوليه رئاسة الوزراء بين 2008 و2012.