شهدت الدراما الرمضانية هذا العام تألق العديد من نجوم ونجمات الفن كما شهدت إخفاق آخرين وتخلفهم عن اللحاق بقطار الجمهور السريع الذى يعطى شارة التفوق لمن يقنعه أداؤه، ويسحب البساط من تحت آخرين. ورغم التجاعيد التى أصبحت تملأ وجهه ولم تنجح مساحيق التجميل فى إخفائها، فقد حافظ الزعيم عادل إمام على الكاريزما الخاصة التى يمتلكها، وتجعله يسرق الكاميرا من أى ممثل أو ممثلة أخرى تشاركه المشهد مهما كانت درجة وهجه أو حجم موهبته. وقدم عادل هذا العام ثانى مسلسلاته مع مؤلفه المفضل يوسف معاطى، وهو "العراف"، الذى أخرجه أيضاً ابنه رامى مخرج "فرقة ناجى عطا لله" العام الماضى، وحافظ الزعيم على موقعه فى الصدارة بأداء سهل وسلس، أثبت أن اللياقة الفنية العالية لا علاقة لها بالتقدم فى العمر. ومن خلال مشاركة عدد كبير من الفنانين تدور الاحداث حول شخصية رجل لا احد يعرف اسمه الحقيقى ولكنه نصاب عاش حياته على مدار 35 عاماً بأسماء مستعارة، تزوج اكثر من مرة، وأنجب أبناء فى كل محافظة استقرّ بها فترة من الزمن. يحاول النصاب، الذى لا يجد ضرورة لان يحمل اسماً حقيقياً، الاستقرار وجمع أولاده المنتشرين فى المحافظات ليعيشوا معه فى القصر الذى اشتراه فى القاهرة، لكن عقبات عدة تواجهه ابرزها ان كل منهم يحمل اسماً مختلفاً نظراً لزواجه بأسماء مختلفة. والمسلسل الذى تعرض لانتقادات حادة من رواد مواقع التواصل الاجتماعى فى أولى حلقاته بسبب اقتصارها على الموسيقى وعدم وجود حوار بين الأبطال وظهور أى من المشاركين الرئيسيين فى العمل وقع مؤلفه يوسف معاطى ومخرجه رامى إمام فى العديد من الأخطاء. وتبدأ الأخطاء من اسم المسلسل نفسه، فالعراف هو الشخص الذى يمتلك قدرة على التنبؤ، ولكن بطل المسلسل "نصاب"، أقرب إلى شخصية اللص الشهير "روبن هود" الذى يسرق من الأغنياء ليعطى الفقراء، ولكنه ليس عرافاً بأى حال من الأحوال، وقد يكون المؤلف يقصد لفظة "أبو العريف" وهو الشخص الذى يدعى المعرفة بكل شىء. ومن الأخطاء الفادحة التى وقع فيها المؤلف أيضاً خطأ ظهور الفنان محمد الشقنقيرى فى دور ضابط شرطة ونجل الفنان عادل إمام فى حين أن والدته التى تجسد دورها نهال عنبر اعترفت فى حوار بينها وبين لواء الشرطة الذى يقوم بدوره حسين فهمى أنه نصاب وأنها أقامت عدة دعاوى قضائية ضده ودخل السجن على اثرها فضلاً عن دعوى لطلاقها منه، وهو الأمر الذى يستحيل معه ان يلتحق ابنها بكلية الشرطة نظراً لسجن والده فى قضايا مخلة بالشرف. كما شهدت مسلسلات المرضى النفسيين، لا سيما مرضى الاكتئاب، والتى شهدنا منها للمرة الأولى أكثر من عمل درامى فى الشهر الكريم نجاح وتألق البعض وفشل آخرين. حيث تألقت الفنانة غادة عبد الرازق بشكل كبير فى المشاهد التى كانت تتلقى فيها جلسات الكهرباء واستحقت إعجاب الجمهور والنقاد بأدائها السهل الممتنع رغم اعتراض البعض على المشاهد الجريئة والموضوعات الساخنة التى يتناولها المسلسل، مثل علاقة زنا المحارم المتمثلة فى خيانة "روجينا" لشقيقتها غادة، وإقامة علاقة محرمة مع زوجها، فضلاً عن انتقاد البعض للجو العام للمسلسل الذى يشبه كثيرا ديكور وأجواء مسلسلها العام الماضى "مع سبق الإصرار". أما النجمة إلهام شاهين فقدمت واحداً من أسوأ أدوارها على شاشة التليفزيون فى مسلسل "نظرية الجوافة"، حيث اتسم أداؤها بدرجة كبيرة من المبالغة والاستظراف والمحاولات الفاشلة لاستدرار الضحك. وجسدت إلهام فى المسلسل دور طبيبة نفسية، وشاركها البطولة فتحى عبد الوهاب، انتصار، سماح أنور، نيللى كريم، هانى رمزى، ولبنى عبد العزيز، تأليف وإخراج مدحت السباعي. ورفضت إلهام شاهين هذه الانتقادات، مؤكدة أن ردود الأفعال حول المسلسل تشيد به وبدورها فيه، وقالت إن المسلسل ورغم أنه يدور فى إطار كوميدي، لكنه يرصد بجدية الحالة العامة التى يعيشها المجتمع من أزمات ومشاكل نفسية نابعة من الاكتئاب والضغوط الحياتية التى يعيشها المواطن منذ أكثر من عامين. وتدور الأحداث حول قصة طبيبة نفسية تصادف نماذج وشخصيات من مختلف طبقات المجتمع ولكنهم جميعا مرضى نفسيون، حيث يعتمد على استضافة أحد النجوم فى كل حلقة يعانى من مرض نفسى معين، وتدافع إلهام عن الاسم الغريب قائلة إن الاسم يعبر عن أحداث المسلسل وطبيعته، حيث عادة ما تنصح الطبيبة المريض الذى يلجأ إليها باتباع "نظرية الجوافة" للعلاج. ويعتبر مسلسل "فرح ليلى" أحد أهم الأعمال التى شذت عن القاعدة فى دراما رمضان هذا العام، والتى ركزت على تزايد الظواهر السلبية فى المجتمع مثل البلطجة وزواج القاصرات وتجارة وتعاطى المخدرات. والمسلسل الذى كتب قصته وأخرجه خالد الحجر يمثل حالة فريدة بين ما يقدم حاليا، ، فقد قدم قصص حب ناعمة، وهو أول عمل درامى يسجل بطريقة غير مباشرة لظاهرة "الجرافيتى"، التى أفرزتها ثورة 25 يناير، وشكلت من شوارع مصر لوحة معبرة عن الحالة التى عاشتها مصر. خالد الحجر كتب الفكرة، وقام بكتابة السيناريو والحوار لها عمرو الدالى، ووضع الموسيقى التصويرية لها الدكتور خالد داغر، وغنت التترات جنات. وفكرة إدخال الجرافيتى فى الأحداث هى تعبير قوى عن انتماءات المخرج خالد الحجر السياسية، حيث إنه ممن عاشوا أحداث ثورة 25 يناير، هو وكاتب السيناريو عمرو الدالى، وكتبت بعناية ودقة، إذ يقدمها خالد الحجر من خلال مدرس فنون جميلة يقوم بتعليم أطفال من أجيال مختلفة فن الجرافيتى، وحرص المخرج على إظهار أن من يتعلمون الجرافيتى مسلمون ومسيحيون، حيث أظهر بشكل غير مباشر رسم "الصليب" على يد طفلة وهى ترسم على الأرض. الأحداث رغم أنها هادئة وتكاد تكون تقليدية فى كثير من المشاهد، وتشبه إلى حد كبير مسلسلات فترة الثمانينيات، من حيث الصورة والأداء البسيط غير المفتعل وحتى الديكورات ومنزل ليلى علوى ووالدها عبد الرحمن أبو زهرة، إلا أن المشاهد يشعر بمتعة وألفة مع الأحداث ومع أداء ليلى علوى الذى يعبر عن حبها للشخصية وهى مصممة الأفراح التى تهب نفسها لرعاية والدها وشقيقتها. أداء ليلى لشخصية الأخت الكبرى التى تعيش فى منزل يشبه معظم بيوت الأسر البسيطة فى مصر، ورعايتها للأب لدرجة حلاقتها لذقنه ومحاولاتها إخراجه من حالة الاكتئاب التى عانى منها بسبب تصرفات الابنة الصغرى وعلاقاتها الفاشلة، أداء ليلى علوى كان صادقا ومعبرا عن كل مشهد حتى حالة اعتراف جارها فتحى الذى يجسده الفنان القدير أحمد كمال بأنه يحبها منذ سنوات وأنه اشترى كل شىء من "الابرة حتى الصاروخ" وكتب على كل شىء اسم ليلى.. حتى فى هذا المشهد الصعب كانت طبيعية استفادت من خبرتها الطويلة أداء هادئ ناعم.. فى مواجهة ممثل محترف مثل أحمد كمال الذى قدم عشرات الأعمال الجادة منذ فيلمه "الكيت كات" مع محمود عبد العزيز وقدم مسلسل دوران شبرا مع نفس المخرج خالد الحجر العام الماضى. أما عبد الرحمن أبو زهرة فقد أعطى ثقلا للمسلسل فى دور والد ليلى، وهو افضل من يمثل شخصية الأب فى هذا العمل لقدرته على التعبير عن انفعالاته المختلفة، اذ يعد مسلسل "فرح ليلى" مسلسل انفعالات ومشاعر دافئة، وهادئة حتى عندما علم بأزمة ابنته الصغرى التى دخلت فى علاقة فاشلة لم نره منفعلا وغاضبا طول الوقت بل حزينا لما أصابها. ليلى علوى التى تفاعلت مع كل أحداث المسلسل وعبرت عن حبها للشخصية وكأنها هى، ففى مشهد اختصرت فيه ليلى حكاية المسلسل مع مساعدتها فى تصميم الأفراح تقول ليلى فى الحوار ردا على سؤال مساعدتها عن سبب عدم زواجها ومشاعرها وهى تصمم فساتين افراح مع أنها لم ترتديه "أنا مع كل فستان بحس انى عروسة.. وبشوف نفسى فى الكوشة مكانها وبعيش الحالة دى فى كل فرح". وعن الرابحين والخاسرين هذا العام يقول الناقد الكبير طارق الشناوي:«جيل جديد أصبح هو الأقرب لاحتلال الشاشة الصغيرة فى رمضان وفرض قانونه، مثل منى زكى ونيللى كريم ومنة شلبى ورانيا يوسف وكندة وإياد وهانى سلامة وباسم سمرة والخالدين صالح والصاوى وروبى ومحمود عبد المغنى وأمير كرارة وعمرو يوسف وغيرهم». ويضيف:" لقد أصبح هؤلاء هم الأقرب إلى قلوب الناس رغم أن التليفزيون بطبعه لا يهون عليه ببساطة العيش والملح، لا أميل إلى فكرة التقسيم التعسفى بين الكبار والصغار، إلا أن شاشة رمضان قالت هذا العام إن الجيل الحالى هو المسيطر على الشاشة، النجوم الكبار بأفكارهم التقليدية لا يزالون يعيدون تدوير نفس بضاعتهم الدرامية القديمة، لم يدركوا أن الزمن تغير والمشاهد وصل إلى مرحلة التشبع يريد نغمة جديدة، هل الكبار مثل نور ويسرا وليلى وإلهام وفهمى وحميدة والسعدنى وجمال سليمان وعادل إمام وصلتهم الرسالة. محمود حميدة مثلاً غاب أكثر من عشرين عامًا وعاد فى «ميراث الريح»، لم ألمح أنه يطرق بابًا جديدًا، ولكنه يقدم كل ما هو تقليدى، ومع المخرج يوسف شرف الدين الذى يقدم شاشة بليدة فى وقت نرى فيه أن هناك جيلًا جديدًا من المخرجين صار يقدم رؤية عصرية بها نبض الزمن، ومن الواضح أن حميدة استشعر ذلك فى أثناء التنفيذ، ولهذا قرأنا لأول مرة اسمه مشاركًا فى السيناريو والحوار فى محاولة يائسة لإنقاذ ما لا يمكن إنقاذه. أما يسرا فلا تزال تفضل السيناريو التفصيل، والكاتب تامر حبيب يستلهم ملامحها وصورتها الذهنية وكتب لها «نكدب لو قلنا ما بنحبش» من بقايا مسلسلاتها القديمة، الزمن تغير وهى تحاول عبثًا وقفه. نور الشريف يختار «خلف الله» الرجل صاحب الكرامات الذى يجوب البلاد، هل هذا توقيت مناسب؟!.. صلاح السعدنى يتبنى قضية قاسية فى «القاصرات» مكانها شاشة السينما، فمن الصعب أن يتحمل المشاهد 20 ساعة من هذا التقزز. حسين فهمى بين «الشك» و«العراف» لا أعتقد أنه وجد فى الدورين ما يلامس وترًا خاصا، فهما مجرد وجود أشبه بتوقيع الحضور والانصراف، وهو ما ينطبق على جمال سليمان فى «نقطة ضعف»، الذى جاء بحكم عادة الوجود الرمضانى. محمد صبحى كان فاكهة رمضانية على مدى ربع قرن، ثم كرر نفسه فأصبح حضوره له مذاق الغياب.