قضية المياه وإثارتها وتصعيدها يبنى على ما لدى مصر من جذور أو قاعدة تقف عليها إذا كانت هذه القاعدة قوية فليس هناك تخوف من آثار الأزمة، أما إذا كانت القاعدة التى تقف عليها مصر هشة وضعيفة فان اى تطور فى الموقف المائى من أى جانب ومن أى مجال فهذا يمثل قلقًا وتخوفًا واضطرابًا وبالتالى يمثل تهديدًا وهو يمثل أعلى درجات الخطورة على الأمن القومى، وأنا بحكم عملى كأستاذ للامن القومى فأنا أدرس مشكلة المياه وتأثيرها على الأمن القومى، وأنا هنا أعرض فكرة الأمن المائى وهى القاعدة المصرية التى نبدأ بها فى الدخول الى المشاكل المائية، والأمن المائى يعنى المواءمة بين ما هو موجود وما هو مطلوب من المياه ما هو متوافر وما هو استهلاكى، اعتبارا منذ عام 1959 حددت لمصر حصة مائية قدرها 55 مليار مترا مكعبا سنويا كان عدد أفراد الشعب المصرى 20 مليون نسمة فكان متوسط نصيب الفرد 2000 متر مكعب سنويا واليوم الشعب المصرى 90 مليون نسمة لتصل حصة الفرد إلى 650 مترًا مكعبًا سنويا كانت مصرعام 1959 تزرع 6 ملايين فدان اليوم تزرع 8.6 مليون فدان. النظرة المستقبلية عام 2050 يصل تعداد سكان مصر 150 مليون نسمة ومتوسط حصة الفرد 350 متر مكعب سنويا، ولو نظرنا الى جميع هذه الأرقام لوجدناها تحت خط الفقر المائى. القضية أخطر من ذلك فنحن نستورد نصف الغذاء «القمح» ونزرع النصف ولكننا سنجد أنفسنا ليست لدينا القدرة على زراعة هذا النصف من الغذاء بمعنى آخر أننا ننتج نصف رغيف الخبز اليوم وعام 2050 لن نستطيع إنتاجه. ومصر تحتاج إلى 70 مليار متر مكعب سنويا من المياه وهى حاليا تعوض هذا الفارق من خلال تدوير مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى ولكنها لن تستطيع توفير الفارق الكبير الذى تحتاجه عام 2050 وسوف تعانى ازمة خطيرة خلال الفترة القادمة. إن أى مساس بالمياه يمثل اقصى اضطراب للأمن القومى المصرى. وبدأ ذلك منذ عام 1959 فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر المناهض للسياسات الغربية أرادت الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية القيام بمشروع يهدد الأمن القومى المصرى ويعلمونه أنهم يستطيعون أن يحيطوا بعنق مصر من اقصى الجنوب وظلوا على مدار 7 سنوات حتى انتهوا عام 1964 من تقديم مخطط لإنشاء 26 سدا قدمها مكتب الاستصلاح الزراعى الأمريكى لتكون اثيوبيا نمرا اقتصاديا أفريقيا، للقضاء على الدور المصرى المحورى والرائد والمهم فى ذلك الوقت. هذه المشروعات لو اضيفت اليها باقى المشروعات الاثيوبية التى اضيفت لتصل الى 32 مشروعا جميعها فى ذلك الوقت كانت بعد إتمام تنفيذها سوف يقتطعون 5 مليارات متر مكعب من المياه سنويا فقط تتحمل السودان 2.5 مليار ومصر 2.5 مليار سنويا، ولكننا نفاجأ اليوم بأمر مختلف وهو ان سدا واحدا يبنى وهو سد النهضة تبلغ كمية تخزينه 74 مليار متر مكعب، وهنا الفارق الذى يجعلنا نقلق ونضطرب ونتخوف كما ذكرت فى البداية لأن ذلك يؤثر تاثيرا شديدا على الامن القومى المصرى. وجاءت اثيوبيا فى عام 2000 ووضعت خطة مدتها 25 سنة تنتهى عام 2025 تبنى خلالها شبكة من السدود تولد كهرباء تبلغ 51 مليار ميجا وات سنويا عام 2025 وبدأت على نهر تجادى بإنشاء سد جابى 1 و2 و3 بالإضافة إلى سد نهر جليلى وبدأت تستعد للبناء على النيل الأزرق، وهذا المشروع يتم بواسطة شبكات إيطالية وصينية بالتعاون مع دول خليجية وإيران والبرازيل وتركيا والهند، وجميع السدود الاثيوبية التى بنيت أما بناء وتمويل صينى أو بناء وتمويل إيطالى، بدأت على النيل الأزرق وكما قلت إن مصر هبة النيل ولكن فى حقيقة الأمر أن مصر هبة النيل الأزرق والنيل الأزرق يمد مصر بأربع وحدات مائية من 7 وحدات مائية الوحدة الأولى تأتى من الجنوب والثانية من نهر عطبرة والثالثة تأتى من السوباط وأربع وحدات تأتى من النيل الأزرق، ومن ثم فإن مصر هبة النيل الأزرق. يأتى اليها سنويا 50 مليار متر مكعب وقد تزداد هذه الكمية خلال السنوات السمان وقد تنخفض خلال السنوات الشح وهى سنوات الفقر المائى وقد يتوازن، وهذه دورة عشرينية لدول حوض النيل وقد شهدنا السبع العجاف منذ 1979 وحتى 1986 وكانت توربينات السد العالى لا تعمل بكامل طاقتها وشهدنا السنوات السبع السمان منذ 1996 وحتى 2003 وتم ضخ المياه فى توشكى. إن المتابع لمشروع سد النهضة يجب أن يسأل عندما تبنى أثيوبيا سدا ومصر تعيش مرحلة عدم استقرار وتم وضع الأساس لهذا السد فى ابريل 2011 بمواصفات تخزينية 74 مليار متر مكعب، وتأثيره الآتى: 1 لتشغيل هذا السد كهربائيا لابد من تخزين سعة من المياه قدرها 25 مليار متر مكعب وهذه تحتاج 50 يومًا قطعًا كاملًا للمياه عن مصر والسودان، كما قطعت تركيا هذا المورد عندما أنشأت سد اتاتورك 1990 عن سوريا والعراق لمدة 30 يوما كاملا ولم تتنازل عن يوم من الأيام، فهل تقبل مصر والسودان قطع المياه عنهما لمدة 50 يوما. 2 يؤدى إنشاء السد إلى انتقاص المياه الواردة إلى مصر والسودان لأن الامطار تتساقط على أثيوبيا 4 أشهر فقط خلال العام بداية من شهر يونية وحتى سبتمبر، وهى فترة الفيضان فى مصر لكن وجود سد النهضة سوف يجعل المياه المتدفقة الى مصر بمستوى منخفض مما يؤثر على توليد الطاقة من السد العالى بنسبة انخفاض تصل إلى 20% ويخفض نسبة المياه بمقدار 9 إلى 12 مليار متر مكعب سنويا. وهنا يجب أن أؤكد أننا لن نصل فى يوم من الأيام إلى الاكتفاء الذاتى من القمح فى الأراضى المصرية. 3 إقامة سد النهضة سوف تدمر مليونا ونصف فدانا وهو ما يهدد ببطالة 4.5 مليون مزارع يزرعون تلك المساحة وبالتالى هل تستطيع مصر أن توجد فرص عمل لهؤلاء. 4 إن هذا السد سوف يمنع الاطماء تماما عن مجرى النيل الأزرق داخل الأراضى السودانية والأراضى المصرية. ومن ثم يتحول مجرى النهر داخل كل من مصر والسودان إلى أنبوب مائى يحرم من الطمى. 5 إذا وفق هذا السد عام 2015 مع مرحلة الشح المطرى فماذا يكون الموقف، بالطبع سيكون اشد توترا وأكثر خطورة لأنه خلال هذه الفترة سوف تنخفض الأمطار فى اثيوبيا 6 المخطط من اقامة مشروعات مائية ليست فقط سد النهضة على النيل الأزرق وإنما هناك 4 مشروعات أخرى، تحول النيل الأزرق إلى ترعة للمياه وبالتالى سيكون 2050 كارثة على المصريين إن لم يبحثوا عن حل لهذه الأزمة. ونحن حاليا نشترى المياه بفاتورة قدرها 15 مليار دولار سنويا هى قيمة القمح المستورد. يجب أن يتصدر المتخصصين فريق إدارة هذه الأزمة حتى لا تكون عواقبها كارثية على مصر. إن ملف أزمة المياه لم يدار خلال العهد السابق او الحالى كما يجب أن يدار. وحول تحويل مجرى نهر الكونغو فإن هذه نقطة غير عملية وليست واقعية، وهى مجرد تصريحات مبنية على معلومات مغلوطة. وبالنسبة لسد النهضة فمدته لن تتجاوز 50 عاما وسوف ينهار ولكن الكارثة أنه خلال الخمسين عامًا هذه سوف تصاب كلا من مصر والسودان بالجفاف والقحط.