لاتزال عدوى “الإسلاموفوبيا” تضرب الدول الأوروبية الواحدة تلو الأخرى، فمن شمال أوروبا إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، الضحية واحدة وهى الأقليات المسلمة المستضعفة، ففى الآونة الأخيرة، تم حظر بناء المآذن فى سويسرا، ومنع ارتداء النقاب فى كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا والدنمارك، بالإضافة إلى سعى كل من ألمانيا وبريطانيا لطرد بعض المسلمين الذين تصفهم بالمتشددين خارج أراضيهما، حتى جاء الدور حاليا على اليونان بتلقى الجالية المسلمة هناك تهديدات علنية بالقتل إذا لم يرحلوا ويتركوا البلاد خلال شهر من الآن. فمنذ أيام قليلة ماضية، تلقى المسلمون باليونان عدة رسائل عبر البريد التقليدى والإلكترونى، ذهبت بعضها إلى مسئولى رابطة مسلمى اليونان، ومفادها “أنتم سوف تذهبون إلى الجحيم، إذا لم تغلقوا مساجدكم الأشبه ببيوت الدعارة، وإلا هدمناها فوق رؤوسكم وأحرقناكم وأحرقناها، ومن بداية شهر يوليو القادم سوف نذبحكم فى الطرقات كالدجاج إذا لم ترحلوا عن بلادنا، اللعنة على الإسلام وعليكم وعلى قرآنكم الذى يلعن أمهاتكم، توقيع حزب الفجر الذهبى”. والفجر الذهبى هو حزب يمينى متطرف، خاض الانتخابات التشريعية اليونانية الأخيرة ونجح فى الحصول على 10% من مقاعد البرلمان أى ما يعادل 33 مقعدا، بعدما حصل على 7% من إجمالى أصوات الناخبين، وينتمى أعضاؤه إلى جماعة النازيين الجدد ويؤدون التحية النازية المشهورة، وشعار الحزب هو اليونان لليونانيين فقط، كما يتخذون من الصليب المعقوف الخاص بالنازية شعارا يضعونه على ملابسهم. ومن جانبها، عبرت رابطة مسلمى اليونان عن استيائها، وناشدت المسئولين اليونانيين بحماية الأقلية المسلمة فى البلاد من خلال بيان شديد اللهجة كان نصه كالتالى: “لقد تحمل المسلمون باليونان ما لا طاقة لهم به، من تهديد وهجوم وسوء معاملة، وتحملوا كل ذلك أملا منهم بأن تتغير الأحوال بمرور الوقت، ولكن الآن يتعرض الدين وليس الأشخاص للإهانة، ولابد أن يعلم الجميع بأن المسلمين يتشرفون بأن يحموا دينهم ولا يخافون الموت، لأنه لكل أجل كتاب والموت فى سبيل الله غاية كل مسلم، ونرجو من الدولة والمجتمع أن يقوموا بدورهم لحماية القانون والديمقراطية وحرية العقيدة”. وقد اعتاد أنصار الحزب المتطرف الاعتداء على كل ما هو مسلم سواء أشخاص أو دور عبادة أو ممتلكات خاصة، فهم يعادون المسلمين حتى وإن كانوا يونانيى الجذور، وليسوا أجانب مهاجرين فقط، فقد تعرضت الكثير من الأسر المسلمة منها بعض الأسر المصرية لاعتداءات وحشية من قبل متطرفى الفجر الذهبى، الذين يهاجمونهم أمام المساجد وفى مساكنهم وفى مقار أعمالهم ويحطمون ممتلكاتهم، ويقص “مصطفى حسن” أحد أفراد الجالية المصرية هناك معاناته عندما فوجئ هو ومجموعة من زملائه المصريين والمسلمين بأنصار الفجر الذهبى يقتحمون عليهم مقر عملهم مهددينهم بالقتل إن لم يتركوا اليونان، مشيرا إلى أن الشرطة اليونانية تتجاهل كل ذلك، بل تقوم بمساندة هؤلاء الإرهابيين. وكان آخر ضحايا الممارسات الإرهابية للفجر الذهبى فى نهاية الأسبوع الماضى، عندما لقى شاب سورى مسلم وآخر كونغولى حتفهما إثر اعتداء مجموعة من المتطرفين عليهما لمجرد أنهما مسلمان، ووفقا لرواية البعض فإن أحد أبناء الجالية المصرية هناك قد سبقهما لنفس المصير منذ عدة أسابيع. كما أعلن الحزب فى وقت سابق أنه سينظف المستشفيات والمدارس من المسلمين والمهاجرين وأبنائهم وسيلقى بهم إلى الشوارع، وكان “إلياس كاسيدياريس” المتحدث باسم الفجر الذهبى قال أمام أنصاره بأحد ميادين العاصمة أثينا إن الحزب يمتلك مائة ألف مسلح تحت قيادته، وسيتم الاستعانة بهم فى الوقت المناسب وفى حال أقيم أى مسجد جديد لمن وصفهم ب «الإسلاميين المجرمين» الموجودين فى اليونان. وكان الاتحاد الأوروبى قد أصدر توصية شكلية يناشد فيها اليونان بحظر حزب الفجر الذهبى بسبب ممارساته العنصرية والعدائية، وهو ما لم تأخذ به الحكومة اليونانية بل سمحت للحزب بخوض الانتخابات البرلمانية، ويرى الخبراء والمحللون السياسيون أن الفجر الذهبى وزعيمه “نيكوس ميخالولياكوس” قد نجحوا فى استغلال الوضع الاقتصادى المنهار والكارثى الذى يعصف بأحفاد الإغريق لركوب موجة الغضب الشعبى ضد النظام الحاكم فى ظل انشغاله بمواجهة الأزمات المالية الطاحنة، قبل أن يحذر الخبراء وبشدة من انشغال الدولة اليونانية بمشاكلها الاقتصادية وترك الساحة المجتمعية خاوية أمام النازيين الجدد يفعلون ما يشاءون دون رادع.