اقتربت الأداة التمويلية الجديدة من الدخول إلى السوق المصرية.. حيث ناقش البرلمان مواد القانون وأوشك على إصداره لتصبح الصكوك حقيقة ملموسة. رأينا فى الأعداد الأربعة السابقة من مجلة أكتوبر.. الاقتصاد المصرى.. وما وصل إليه من تردٍ فى كافة أوجه النشاط.. يصاحبه قلة فى ضخ الأموال اللازمة لدفع عجلة النمو الاقتصادى. سوياً مواد أخرى من مواد قانون الصكوك. وتمسكنا بالأمل الذى ظهرت بوادره مع انطلاق فكرة الصكوك التى من المنتظر أن تكون وعاءً ادخاريًا للمواطن المصرى وغيره.. وسوف تساهم الأموال المتجمعة فيه فى تمويل المشروعات العامة والخاصة والمشروعات المشتركة. ما رأيك عزيزى القارئ فى رحلة نعيش فيها وضع مصر الاقتصادى كما سجله الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم.. ولنبدأ بذلك الحوار الثرى الذى دار بين عزيز مصر (ملك مصر) وبين نبى الله يوسف.. قال يوسف عليه السلام واصفًا النشاط الاقتصادى المصرى ومخططًا له: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )هكذا كان واقع مصر الاقتصادى.. وهكذا كان المواطن المصرى.. لم يكن المصرى مزارعًا تعلم منه البشر فنون الزراعة فقط.. ولكن كان صانعًا وبناءًا بنى الصوامع.. فعلم الدنيا فنون البناء.. وقواعد المحافظة على صلاحية الغذاء.. بل واحتاط لشدائد الدهر.. فأطعم الخلق من زراعته.. ولم يكن يستورد القمح ليأكل.. بل كان يصدره لسكان البوادى والبلاد الأخرى. وكما سجل القرآن الكريم عمل المزارع والعامل المصرى.. فقد سجل أيضًا حكمة القائد المصرى.. وقدرة ملك مصر على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب حين قال: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) هكذا اتخذ ملك مصر قراره الفورى الحاسم.. طلب مقابلة نبى الله يوسف وكلمه.. وناقشه.. ولما تبين له رجاحة عقله.. وأن لديه فكراً استراتيجياً، وخطة تنفيذية.. اتخذ الملك قراره الفورى بتعيين يوسف ضمن السلطة التنفيذية فى مصر وقال له: (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) ولم يكن ملك مصر صاحب رؤية مستقبلية ثاقبة فحسب.. لكنه كان ديمقراطيًا (بلغة عصرنا هذا).. فعندما أعلن قرار ضم يوسف عليه السلام إلى قيادة مصر سمح له بأن يختار الموقع الذى يمكن أن يؤدى فيه بقوة واقتدار.. فتحدث يوسف قائلًا للملك: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ثم سكت القرآن الكريم فلم يرو لنا ماذا قال الملك.. هذا السكوت يدل على استجابة الملك لرغبة يوسف. ولقد كان سيدنا يوسف مخلصًا فى تحمل مسئولياته الجديدة.. فلم يتخلف عن طاعة ملك البلاد؛ ولم يشترط على الملك شروطًا حتى يعاونه فى إدارة البلاد بل استجاب فورًا، وقال (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ) الله.. الله.. الله.. إنه حوار رائع.. ملك يستمع لأحد رعاياه.. فيتخذ قرارًا فوريًا بتعيينه وزيرًا له وفى المكان المناسب.. ومواطنًا يستجيب فورًا لتكليف الملك.. بل ويقترح على الملك كيف يستفيد من خبراته.. فيطلب منه بكل أدب ويقول اجعلنى على خزائن الأرض.. ويعلل لذلك قائلًا إنى حفيظ عليم.. فالعلم أساس اختيار الملك ليوسف.. وليست الثقة وحدها.. فالوزير المعين من قبل ملك مصر يشرح للملك أين يمكن أن يؤدى بكفاءة واقتدار. ولنتأمل.. على ماذا يدل استخدام القرآن الكريم عبارة خزائن الأرض لوصف (خزائن مصر)؟.. يدل على أن مصر كانت تعطى معونات.. ولا تنتظر الحصول على أى معونات.. بل كانت مصر.. (وستعود بإذن الله).. المكان الآمن للجميع كما قال سيدنا يوسف: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ). وتحدثنا الآية الكريمة بأن الأمن أساس الرخاء.. وأتذكر كيف أنشأ يوسف مزارع محافظة الفيوم فى وسط الصحراء الجرداء عن طريق عمل فرع للنيل يطلق عليه بحر يوسف.. وأتألم.. عندما أرى المصرى يحول الأراضى الزراعية إلى أراضى بور..؟!! عذرًا عزيزى القارئ.. أراك تسأل هل ما سبق ذكره عن مصر يدخل فى صلب الموضوع الذى نناقشه وكيف؟! ألم نتفق فى المقال الرابع أنه ليس بتدفق الأموال وحده ستتم التنمية والرخاء لكن بسواعد وعقول أبناء مصر. أرى الآن من يقول: أين موضوع المقال؟ أين الإجابة على سؤال البحث؟ كما يقول أساتذة البحث العلمى.. ما رأيكم هيا بنا نرتدى نظارات القراءة.. ونغوص فى بحر مواد قانون الصكوك لنستخرج منه الأحكام المستقرة فيه.. ثم نضع الأحكام المستخرجة تحت شمس الحقيقة المجردة من أى هوى سوى حب مصر.. وعشق أبنائها لنعلم أى اعتداء تكون قد اقترفته هذه الأحكام على الملكية العامة. لقد استقر العمل فى سوق رأس المال المصرية وتواتر منذ عقود على تطبيق أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالاسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة،وقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992، وقانون الإيداع والقيد والحفظ المركزى الصادر بالقانون رقم 93 لسنة 2000، وقانون البنك المركزى الذى حل محله حديثا القانون رقم 88 لسنة 2003، ثم أصدر المشرع القانون رقم 10 لسنة 2009 لتنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية.. كل هذه القوانين تهدف إلى تحقيق أقصى درجات الوضوح والشفافية فى التعامل فى المال من جانب كل من : ( أ ) القائمين على ادارة وتشغيل المشروع الذى يوظف المال فى أنشطته. (ب) المستثمر الذى يسدد المال للمشروع. وتقضى المادة الأولى من مواد قانون الإصدار بأن يعمل بأحكام القوانين السابقة فيما لم يرد فى شأنه نص خاص فى قانون الصكوك.. وإذا وضعنا ذلك المبدأ.. بالإضافة إلى مبادىء القوانين الأخرى التى تحكم النشاط الاقتصادى سواء قوانين الاستثمار.. أو قوانين تمليك العقارات لغير المصريين نجد أن البناء التشريعى للصكوك بناء متكامل ومتماسك، لا خلل فيه. ثم نأتى إلى المادة الأولى من مواد قانون الصكوك التى خصصها المشرع لتعريفات للألفاظ الواردة فى القانون ومن أهمها التعريفات الآتية: الصكوك هى أوراق مالية اسمية متساوية القيمة تصدر لمدة محددة على أساس عقد تمويل شرعى بالجنيه المصرى أو بالعملات الأجنبية عن طريق الاكتتاب العام أو الخاص، وتمثل حقوقًا شائعة فى ملكية موجوداتها وفقًا لما تحدده نشرة الاكتتاب. من تعريف الصكوك نستخلص أهم الضوابط المنظمة لإصدارها على النحو التالى: 1- الصكوك هى أوراق مالية أى مثلها مثل السندات تصدر لمدة محددة أى أن أنواع الأوراق المالية قد أصبح على النحو التالى: الأسهم والسندات والصكوك وغيرها. 2- الصكوك اسمية أى لن تصدر صكوك لحامله.. وبالتالى لن يكون لدينا مخاوف بشأن الأشخاص الذين سيسمح لهم بالاكتتاب فى الصكوك وتداولها حيث يمكن قصر الدعوة للاكتتاب على أشخاص بذاتهم. 3 - تصدر الصكوك بالجنيه المصرى وقد تصدر بالعملة الأجنبية. 4 - لابد لكى تصدر الصكوك أن يتم إعداد نشرة اكتتاب وفقًا لأحكام القانون 95 لسنة 1992 والقانون 159 لسنة 1981. ونشرة الاكتتاب توضح بالتفصيل: كيف يصدر الصك؟.. وما هو المشروع الذى سيتم تمويله؟ ..ومن هم القائمون على هذا المشروع؟.. وما هى خبراتهم ومؤهلاتهم؟.. وكيف سينفق ويستثمر المشروع أموال الصكوك؟.. وما هى نصوص وشروط العقد الشرعى الحاكم والمنظم للاستثمار؟.. مما يوضح العلاقة بين الممول وبين المشروع؟ واعتماد الهيئة الشرعية للعقد الوارد فى الصك ضرورة قررها القانون، وهذا الاعتماد يعنى أن تصدر الهيئة الشرعية فتواها بأن العقد الذى ينظم العلاقات بين المشرع والممول لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.. بمعنى أنه من العقود المباحة شرعًا.. وليس فيه شبهة الربا المحرم.. وأنه يطبق قاعدة الغنم بالغرم. كما أن أعتماد الهيئة العامة للرقابة المالية نشرة الاكتتاب يعنىأنها قد استوفت جميع الشروط الشكلية والقانونية التى يمكن إصدار الصكوك تأسيساً عليها. 5 - أثبت تعريف الصكوك للمكتتبين فى الصكوك حقوقًا شائعة فى ملكية موجودات الصكوك بمعنى أنه لو صدر صك لتمويل شراء صفقة قمح ب 10 ملايين جنيه واكتتب فيه عشرة أشخاص بالتساوى فإن كل مكتب يكون مالكًا لجزء من القمح على المشاع إجمالى قيمته مليون جنيه. ثم جاءت المادة بتعريف للصكوك الحكومية: بأنها الصكوك التى تصدرها الحكومة أو الهيئات العامة أو وحدات الحكم المحلى أو وحدات الإدارات المحلية، أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية. ولكن هل ستقوم الحكومة بإصدار الصكوك بنفسها؟ وأليس ذلك هو عين الخطر؟ وهل لدى موظفى الحكومة القدرة على إصدار الصكوك.. وإدارة المشروعات..ومحاسبة أصحاب الصكوك.. إلخ؟. تنص المادة (6) على: يكون إصدار الصكوك فى جميع الأحوال عن طريق شركة ذات غرض خاص لكل إصدار، ويكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، وتكون مهمتها تلقى حصيلة الاكتتابات فى الصكوك، وأمينًا لملاك الصكوك فى الاحتفاظ بملكية الموجودات، ووكيلًا عنهم فى استثمارها واستخدامها فيما صدرت الصكوك. من أجله، وتوزيع عوائدها، وقيمة استردادها، وتدخل الشركة فى جميع العقود مع الجهة المستفيدة وغيرها من المشاركين فى الإصدار نيابة عن مالكى الصكوك.. وتعد هذه الشركة من الشركات العاملة فى مجال الأوراق المالية فى تطبيق أحكام قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم (5) 95 لسنة 1992 وتخضع للتدابير المنصوص عليها فى المادتين (30)، (31) فيه. وتبين اللائحة التنفيذية نموذج النظام الأساسى للشركة، وإجراءات تأسيسها، وكيفية إدارتها. ويجوز للشركة تعيين جهة متخصصة تتولى تنفيذ الأعمال الداخلة فى اختصاصها، بعد موافقة الهيئة وعلى الشركة بذل عناية الرجل الحريص فى الحفاظ على حقوق ملاك الصكوك. ويجب على كل شركة أنشئت لأغراض هذا القانون أن تمسك حسابات منتظمة عن مشروعها ويتولى تدقيق حساباتها محاسب قانونى أو أكثر. وتلتزم الشركة بإرسال نسخة من بياناتها المالية سواء المتعلقة بالقوائم المالية الدورية أو الميزانية السنوية أو الأحداث الجوهرية التى تلتزم الشركة ذات الغرض الخاص بالإفصاح عنها لمالكى الصكوك إلى كل من الجهة المستفيدة، والهيئة، والهيئة الشرعية، وفيما يتعلق بالصكوك الحكومية تلتزم الشركة إضافة إلى ذلك بإرسال نسخة من البيانات إلى الوحدة المنصوص عليها فى المادة الخامسة من هذا القانون. عزيزتى.. عزيزى تعالوا نقرأ معاً أحكام المادتين (2) و(4) من قانون الصكوك والتى سبق أن ذكرنا نصيهما فى الأسبوع الماضى مع أحكام المادة رقم (6) سالفة الذكر لنعرف - وبحق - هل تمثل الصكوك اعتداءً على الملكية العامة؟ أعزائى.. نلتقى الأسبوع القادم إن شاء الله لندرس سوياً مواد أخرى من مواد قانون الصكوك.