قد لا يعرف أبناء الجيل الجديد أن الكاتب الكبير أحمد رجب هو صاحب الكثير من المصطلحات التى أطلقها فى مسلسلات إذاعية وأفلام كان لها شنة ورنة فى السبعينيات، فهو الذى وضع الفيل فى المنديل، وأدخل الفيلا فى الفانيلا، وأدخل شنبو إلى المصيدة، وجعلنا جميعا نصرخ مع شويكار:(آى يا باباى). طيب ما الذى دفعنى إلى استعادة تركيبة جدو رجب بكل ما فيها من عجب؟.. الحقيقة أننى عندما بدأت أفكر فى حركات صندوق النقد الدولى معنا قفز إلى ذهنى على الفور مسألة دخول الفيل فى المنديل.. فكيف السبيل إلى الصندوق، وهو أيضًا القائل: سرقوا الصندوق يا محمد لكن مفتاحه معايا! وحقيقة الأمر أنهم أصحاب الصندوق سرقوا الكحل من العين وفرضوا شروطهم لكى تصل «مصرنا» إلى القرض الموعود ذليلة راكعة.. رغم أننا شركاء فى أموال الصندوق ويحق لنا السلف منه لحين ميسرة.. لكن كيف، وقد عرفنا أن كافة المساعدات مرتبطة بسيدنا القرض رضى الله عنه وأرضاه. والشاعر الباكستانى محمد إقبال يقول فى قصيدته الشهيرة «حديث الروح» التى غنتها أم كلثوم: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحىِ دينه.. والشاعر الغلبان يقول حاليا فى قصيدته طلوع الروح: إذا الصندوق ضاع.. فلا أمان.. ولا قرش لمن لم يقض دينه.. أى يسدده.. وأنت ترى سيدنا الصندوق يسرع إلى إسبانيا واليونان وقبرص ويدفع بالتى هى أسرع، لكن عند مصر ولا مؤاخذة يركب الست والدته ألف و500 عفريت.. يأتى وفد الصندوق ويسافر ثم يعود.. ويقلبنا ذات اليمين وذات الشمال.. ثم لا يعجبه منظرنا فينصرف.. ولا يصرف لنا ربع جنيه.. لأنهم ببساطة يريدون لمصر كما قال محمد حسنين هيكل ألا تعوم وألا تغرق وأن تظل هكذا معلقة لا عزباء ولا مطلقة.. لكنها تماحيك الهيمنة الأمريكية على الصندوق وابن عمه البنك الدولى.. أهدافهما نبيلة لكنها ما دخلا قرية إلا وأفسداها وجعلا أعزة أهلها أذلة.. فهما لا يقدمان المال إلا بشروط.. تبدو ميسرة على دول الغرب.. وعسيرة الهضم والتنفيذ فى الشرق ودعنى أقول لك إن عدد أعضاء الصندوق 187 دولة أكثرهم رصيدا فى الصندوق أمريكا بنسبة 17.6%، وأقلهم رصيدا جزيرة سيشل بنسبة لا تتجاوز 0.004 ويبلغ رأس مال الصندوق 212 مليار دولار.. وأكابر الصندوق هم أمريكا واليابان وألمانيا وفرنسا وانجلترا.. لاحظ أنها نفس الدول التى تهيمن على مجلس الأمن إذا أضفنا إليها روسيا والصين.. والدولة العربية الوحيدة الممثلة بشكل دائم من أصحاب المقاعد المستقلة هى السعودية وكل دولة تساهم بما نسبته 25% من حصتها بالذهب والعملة الدولية.. ثم نسبة 75% من عملتها المحلية. بعثة الصندوق جاءت إلى مصر وانصرفت ثم ستعود مرة أخرى وتنصرف.. تنظر إلى أحوالنا.. وترانا وقد انقسمنا على أنفسنا فتطلب منا أن نتفق، وتملى شروطها تحت مسمى برامج الإصلاح.. فهى تريد إلغاء الدعم عن الفقراء.. لأن أموال الدعم تمثل ما يزيد على ثلث الميزانية.. وليكن ما يكون.. وليسقط شعار الصندوق «الخبز والحرية».. بل يزداد الجائع جوعًا.. ويبقى الباحث عن الحرية مكبلا فى قيوده.. فالقاعدة أن الدول لا تلجأ إلى هذا الصندوق اللعين إلا إذا تدهور بها الحال.. وتكون فى أمس الحاجة للمساعدة.. وبالتالى فإن فرض الشروط عليها يضيق عليها وهى التى تبحث عن المتسع. نعم فى كل بنوك العالم يقدمون القرض بعد الاطمئنان إلى وجود ضمانات للسداد.. ولكن الوضع يختلف بين الفرد والدولة. وأهل الاختصاص والاقتصاد لهم فى مسألة القرض كلمة.. فحواها أن استغلال القرض فى تسديد بعض العجز فى الميزانية دون استثماره فى مشروعات إنتاجية تدر دخلا.. معناه المزيد من التدهور، لأن القروض لها فوائد.. والدولة يجب أن تكون فى مستوى يضمن للصندوق أن تسدد وتكون قادرة على ذلك. والصورة أمامنا.. أن البورصة تترنح متأثرة بقرارات سياسية عقيمة وأبسط ما توصف به أنها نمطية تقليدية.. وفى الأزمات أنت تحتاج إلى أسلوب مختلف ذكى جرىء وجديد.. فهل هذا ما يتوافر لنا فى الوضع الحالى؟ لا أظن ولا أنت تظن! والآن علينا حتى تكتمل الصورة أن تسأل: لماذا يرتبط قرض صندوق النقد الذى هو دولى.. بقرض الاتحاد الذى هو أوروبى.. وأبعد من ذلك بقروض ومعونات وعدوا بلادنا بها من أمريكا ودول الخليج ومؤسسات أخرى ما نحة. يا أخى هذا المجتمع الذى هو دولى مع كل مصيبة.. جرت فى العراق، ثم فى لبنان وفلسطين ومن بعده فى اليمن وأخيرًا فى تونس وسوريا ومصر.. يلتقى هذا المجتمع حول مائدة وغالبا ما يسمون أنفسهم الدولة المانحة.. يلتفون ويأكلون ويشربون ويتكلمون، ثم ينصرفون.. لا الدول التى تهدمت تم إعمارها.. ولا الدول الفقيرة أكلت وشربت.. ولا الأزمات انتهت ولا البلاد المتعثرة خرجت من محنتها.. لكنها الألعاب السياسية يمارسها الكبير على الصغير.. والغنى على الفقير.. والقوى على الضعيف.. انظر إلى العراق.. هل حصل على حرية بوش الموعودة.. وديمقراطية أوباما المزيفة.. والحياة السعيدة فى مرحلة ما بعد صدام.. أبدًا.. بل تحول إلى بركة دماء ومستنقع طائفى بكل المقاييس.. نفس الصورة بالكربون ستجدها فى دول ما يسمى بالخريف العربى.. فى تونس ومصر واليمن وليبيا.. وحاليا على المسرح السورى، حيث تعرض مهزلة الدم الذى يتقاسم بطولتها النظام الحاكم والمعارضة عن بعد.. ويدفع الشعب السورى المسكين فاتورة سلاح النظام.. والأسلحة التى بدأت تمتلكها وهو بين شقى الرحى. وأيها الصندوق.. هل أنت أرحم بنا من رحمة ربنا؟ أيها الصندوق.. هل أنت حبل الإنقاذ الوحيد أم أن صناديق الرزاق الغنى القادر الرحيم العادل الذى كرم بلادنا وحباها بكل الخيرات.. وماله الذى ما له من نفاد.. أقدر وأقرب إلينا منك.. إذا خلصت النوايا وتطهرت الضمائر.. وولى الكل وجهه شطر مصر. أيها الصندوق.. ويا كل الصناديق.. نعم ننتظر منكم المساعدة.. لكننا يجب أن نساعد أنفسنا.. أو على الأقل نعقد العزم على ذلك.. وصدق قول الله سبحانه وتعالى: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ?چ. صدق الله العظيم الرعد: (16 - 17)