دخلت تترنح فى مشيتها.. تعجز ساقاها عن حملها يميل جسدها ذات اليمين وذات الشمال.. تتقدم خطوة تلو الأخرى فى صعوبة بالغة.. وجهها أصغر.. عينان زائفتان.. دموع الحزن تترقرق داخلها.. صوت أنفاسها يرتفع ليصل إلى أذنى جعلتنى ألهث معها.. تخرج الكلمات من بين شفتيها بصعوبة شديدة.. تتذكر حياتها مع عذاب السنين العذاب الذى تحملته ومازالت تتحمله فهى تنتمى لإحدى القرى التابعة لمحافظة من محافظات وسط الدلتا.. جميع شباب القرية كانوا يطلبون ودها ويتمنى كل منهم أن يحظى بها.. ظلت ترفض حتى جاء صاحب النصيب تزوجت وهى لا تزال بنت السابعة عشرة من عمرها من عامل باليومية، عاشت معه على الحلوة والمُرة.. وما أكثر المُر معه الذى حوّل حياتها كلها إلى مرارة تجرعتها رشفة.. رشفة.. لم تكن تعلم أنه صاحب سوابق إلا بعد أن عاشرته وعاشت معه ورأت بأم رأسها ولكن بعد فوات الأوان.. فقد رزقها الله منه بأربعة من الأطفال.. اثنان من البنات واثنان من البنين كانت تتحمل منه الضرب والإهانة والذُل الذى ليس له مثيل من أجل هؤلاء الأطفال الذين ليس لهم أى ذنب فى الحياة إلا أنهم أولاد ذلك الرجل، لم يمض ثلاث سنوات على ولادة آخر أطفالها إلا وشعرت بآلام فى رقبتها ولكنها كانت تحاول أن تتناساها، فالزوج كان يتركها أياما بدون طعام ولم يحن يوما لبكاء طفل مما دفعها إلى أن تخرج لتبحث عن لقمة العيش.. ولكن بعد فوات الأوان.. وما أن خرجت لتعيش إلا وظهرت أعراض المرض.. فقد أصابها الذى لم يكن على بالها.. بدأت تشعر باختناق.. ضربات قلب سريعة.. بل تحول الاختناق إلى عدم استطاعتها بلع حتى شربة الماء.. أصابتها رعشة فى يديها حتى أنها أصبحت غير قادرة على حمل كوب الماء هكذا طار حلم عملها الذى كانت تحلم به لتعيش وأولادها حد الكفاف ولكنه أصبح صعبا.. ذهبت إلى المستشفى لعلها تجد الحل والعلاج حتى تواصل مسيرتها ومسيرة أطفالها بعد اختفاء الزوج.. فحصها الطبيب وحوّلها إلى معمل التحاليل لإجراء بعض التحاليل حتى يتأكد مما شك فيه.. وكانت النتيجة أنها مصابة بارتفاع فى إفراز الغدة الدرقية مما أثر على قلبها وتحتاج إلى علاج حتى يأتى وقت استئصالها وطلب منها الطبيب الراحة، حتى لا يتزايد المرض ومضاعفاته ولكن من أين لها بالعلاج المطلوب؟.. ساعدها الجيران على بعض النفقات.. حاولت أن تجد الزوج لعله يساعدها.. ظلت أسابيع تبحث عنه إلى أن وجدته ولكنه لم يرحب بها وعلى العكس وجّه له الإهانة ورفض مساعدتها أو حتى مساعدة أطفالها.. خرجت تجر أذيال الخيبة.. عاشت على المساعدات ولكنها مساعدات بسيطة جداً مما أدى إلى عدم استطاعتها شراء الأدوية والعلاج.. كل هذا أثر على حالتها الصحية وتدهورت حالة الغدة وظهر تورم بها وتغير صوتها وأصبح حشرجة عادت مرة أخرى إلى المستشفى كما طلب منها الطبيب لإجراء تحليل بسيط بمجرد أن قرأ نتيجة التحليل حولها إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة فهو يشك فى الورم فإنه ربما يكون ورما خبيثا.. بحثت مرة أخرى عن الزوج لتخبره لعل قلبه يحن عليها وعلى حالتها.. ولكنه اختفى تماما.. ساعدها الجيران وجمع لها الأهل مبلغا من المال ليكون عونا لها فى رحلتها إلى القاهرة.. جاءت وهى لا تعلم ما يخفى لها القدر.. دخلت المعهد وتم إجراء فحص وأشعة وتحاليل ودخلت غرفة العمليات لاستئصال الغدة الدرقية التى تأكد أن السرطان قد أصابها وكان عليها أن تعود للقاهرة كل أسبوع لمتابعة الحالة.. أطفالها يعيشون فى بؤس وهى تعيش فى حزن وأسى.. ولم تلبث أن تمر فترة بسيطة إلا وعاد المرض مرة أخرى أكثر شراسة.. فقد أصاب المعدة وجزءا من الكتف الأيمن وأصبحت طريحة الفراش حاول أولادها البحث عن الأب المختفى.. ولكن بدون جدوى.. وقد ذكر بعض المعارف أن اختفاءه كان بسبب الظروف المرضية للزوجة والهروب من مسئولية الأولاد.. ماذا تفعل هذه السيدة المسكينة التى هدها المرض والحزن وكان من آثار ذلك إصابتها بمرض السكر أعقبه إصابتها بجلطة بالمخ من كثرة الهموم ولم تتركها الجلطة إلا بعد أن أصابتها بشلل بالجانب الأيسر.. وأصبحت هذه السيدة حطاما كانت تحاول أن تكافح من أجل أولادها ولكن المرض هدها وهى الآن لا تجد لقمة العيش.. فهل تجد من يساعدها ويقف بجوارها؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.