فى العدد الماضى استعرضنا أخطر أنواع الجراد البشرى وفى هذا المقال نستكمل ما بدأناه وننتقل إلى نوع آخر وهو ليس من مصاصى دماء الأطفال ولا من سارقى الشرف وهاتكى العرض. إنه جراد مطرب موطنه الأصلى شبه الجزيرة العربية فى زمن الجاهلية.. جراد شهير نعرفه بالاسم وهو موضوع لأمثال عربية قديمة. والجرادة فى قاموس العصر الجاهلى هى المرأة المغنية وهى ليست الجارية المغنية التى تسمى قينة،وأشهر الجراد هما جرادتا عاد وكان يمتلكهما معاوية بن بكر الذى قيل عنه المثل العربى الشهير «تركته تغينه الجرادتان». ومن الجراد الشهير أيضاً فى نفس العصر جرادة عبد الله بن جدعان وجرادة نعمان وقد وهبهما للشاعر ذائع الصيت فى عصره أمية بن أبى الصلت. والغناء فى العصر الجاهلى كان مهنة نسائية. واستمرت هذه الظاهرة فى العصر الإسلامى وتحايل بعض الرجال على ذلك فكانوا يقلدون النساء فى غنائهم ولكنهم لم يجنوا منها إلا الكراهية والسخرية من الناس الذين وصفوهم بالمخنثين وسخروا من رائدهم المغنى طويس وقالوا عنه إنه ولد يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وتم فطامه يوم أن مات أبوبكر الصديق وتم ختانه يوم أن توفى عمر بن الخطاب. وتزوج يوم أن قتل عثمان بن عفان وانجب أول أولاده يوم وفاة على بن أبى طالب ومن أقوالهم «أشأم من طويس» لذلك استحق سخرية المجتمع الإسلامى كل من المخنثين الدلال وهيت. والجرادة أعلى مرتبة من القينة فالأولى امرأة أما الثانية فهى مغنية من الجوارى ولم تحظ الثانية باحترام الناس حتى ان الثقافة العربية التى مازالت إلى وقت قريب منتشرة فى ريف محافظة الشرقية كانت تطلق على الفتاة قليلة الحيلة لفظ «قينة» نفس هذا اللفظ يعنى فى اللغة الألمانية «صغيرة». وكما ترك لنا التاريخ أسماء جرادات شهيرات، فقد ترك أيضاً أسماء شهيرة من قيان العصر الجاهلى فكان لايخلو بيت من بيوت الأشراف منهن يغنين بمصاحبة آلاتهن الموسيقية وينشدن ألحان المراثى والنواح الحزينة وأغنيات تدفع شباب القبيلة للاشتراك فى معاركها استمر الحال على هذا المنوال فى عصر صدر الاسلام حيث تزعمت المغنية المصرية سيرين الغناء وهى إحدى جاريتين أهداهما المقوقس ملك مصر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى العام التاسع الهجرى (630م) فأهدى إحداهما وهى سيرين الى شاعر الرسول حسان بن ثابت وكانت حلقة الوصل بين فن الغناء المصرى والعربى فى شبه الجزيرة العربية ومن جرادات وقيان ذلك الزمان. غرة الميلاء وقيل إنها اكتسبت اسمها لتمايلها فى مشيتها وقيل بل لأنها كانت ترتدى الملاءة وتتشبه بالرجال وقيل أيضاً لأنها كانت مغرمة بالشراب وعرف عنها قولها خذ ملئنا وأردد فارغاً كانت غرة اقدم من غنى فى الحجاز وتجيد العزف على آلة العود وكان مشايخ المدينه إذا ذكر اسمها يقولون لله درها ما كان أحسن غنائها ومد صوتها وأندى حلقها وأحسن ضربها بالمزاهر والمعازف وسائر الملاهى وأجمل وجهها وأظرف لسانها وأقرب مجلسها. أرنب المدنية.. كانت تغنى فى المدينة فى عصر الرسول وقيل إنها هى التى أحيت فرح الجارية التى أمر الرسول بأن يبعثوا لها بمن تغنى فى عرسها. جليه المكية.. كان أبوها شماسا وأخذت الغناء عن ابن سريج ومالك ومعبد. زينب الأنصارية جاء فى كتاب الإصابة لابن حجر إنها المغنية التى أحيت فرح الجارية التى أمر الرسول بإرسال مغنية لتحيى عرسها ولم يؤكد التاريخ هل كانت هى أم أرنب المدنية التى احيت هذا العرس. رقطاء الحيطية.. قال عنها قنديل الجصاص إنها أوتيت جزءا من النبوة وجاء فى كتاب الأغانى الأصفهانى انها مغنية من أضرب الناس على آلات اللهو والطرب. ظبية.. اشتراها رجل من العراق وذهب إلى البصرة وباعها لرجل من الأهواز فعلمت كل جواريه الغناء. فرتنى.. كان ابن الأخطل يعلمها الغناء بهجاء الرسول وأصحابه فكانت ممن أهدر دمهم يوم الفتح .. وأسلمت. من أسماء القيان والجرادات فى العصر الجاهلى وصدر الإسلام كل من جميلة وبرد الفؤاد ونومة الضحى ورحمة وهبة الله وحبابة وسلامة وبلبلة ولذة العيش وسعيدة الزرقاء وغيرهن. ليس كل الجراد ضارا فمنه ما يؤكل ومنه مايغنى فيطرب وهو الجراد الأشهر.