بعد صعود التيار الإسلامى فى مصر، وقد غطى بعضهم تماثيل حوارىّ البحر بالشمع، وأتهم آخرون أديب نوبل بالإلحاد ونشر الدعارة. هل يأتى الدور على الموسيقى ليوضع الشمع فى الأذن؟ وما هو المصير المجهول الذى ينتظر درر تراثنا الغنائى من تحف سيد درويش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.. وغيرهم هل يتم التخلص من أرشيف إذاعتنا وحرق تاريخ السينما العربية صاحبة الريادة العالمية بعد السينما الامريكية؟ هل الموسيقى حرام والسماع رجس من عمل الشيطان؟! إنها قضية قديمة كثر النقاش فيها. لكنها بعد صعود الإسلام السياسى على منصة المجلس النيابى. وانتشار أعضائه على الفضائيات المختلفة. عادت وطغت على سطح الحياة الفكرية من جديد. والجماعة السلفية تدعو إلى العودة إلى عصر الرسول «صلى الله عليه وسلم» فهل حّرم رسولنا الموسيقى والغناء؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال يجدر بنا أن نذكّر بأن الغناء كان سابقا فى عصر ما قبل ظهورالإسلام. فى مكةوالمدينة ومدن أخرى. وكان أكثره غناء قيان أو باصطلاحات عصرنا غناء عوالم كان لا يدعو لوحدانية الله سبحانه وتعالى. فإذا ما منع الرسول الغناء فإن لذلك مبرره وأسبابه. ومع ذلك هل منع رسولنا الغناء؟ إجابة هذا السؤال موجودة فى كثير من كتب التاريخ والموسيقى. منها إحدى كتبى.. لكننى أخص هنا رسالة لنيل درجة الدكتوراه تقدمت بها أستاذتى الدكتورة سهير عبد العظيم عنانها «الموسيقى فى الإسلام» فالرسالة أشرف عليها الدكتور إبراهيم نجا نائب رئيس جامعة الأزهر أيامها.. والدكتورة بثينة فريد والأستاذ نصر عبد المنصف وشارك فى مناقشتها الدكتور كمال جعفر رئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة . وأستاذتى الدكتورة سهير عندما كانت تذهب للدكتور نجا للبحث طلب منها أن تضع على رأسها «أشارب» أو تغطى شعرها بأية طريقة. فهو أستاذ مسلم ملتزم، وهى أيضا فقد أقبلت على الحجاب عن قناعة وأتمت الحج فى العالم التالى إذن فالأستاذ والتلميذ من أصحاب الفكر الملتزم بتعاليم الإسلام وقيمه ومبادئه. جاء فى رسالة الدكتوراة أن الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» عندما هاجر وصحبه من مكة إلى المدينة استقبلته «جوقة» من الرجال والنساء والأطفال بنشيد «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع» الشهير ولا أحب أن يتصور القارئ العزيز أن لحن النشيد هو ما تسمعه فى لحن رياض السنباطى لقصيدة صالح جودت «الثلاثية المقدسة» غناء أم كلثوم. والغناء العربى لم يتم تسجيله إلا من بداية القرن العشرين عندما تم اخترع الفونوغراف واسطوانات التسجيل. أما قبل هذا التاريخ فلا أحد يجزم بأصل لحن إلا الألحان الفلكلورية التى يكتبها ويلحنها ويغنيها الشعب وتتناقلها الأجيال بالطريقة الشفهية. وأثناء حفر الخندق فى الموقعة الشهيرة كان المجاهدون ينشدون «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة.. فاغفر للأنصار والمهاجرة» وقد ضمها الشاعر الغنائى الراحل عبد الفتاح مصطفى لإحدى قصائده ولحنها بليغ حمدى لينشدها المبتهل الشيخ سيد النقشبندى.وتتضمن كتب التاريخ أن السيدة عائشة بعد أن أوصلت عروسا لعريسها أحد الأنصار سألها الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» أهديتم الفتاة إلى بعلها؟ فأجابت نعم: فقال: هل بعثتم معها من تغنى؟ فقالت مازحة: تغنى ماذا يارسول الله؟ فقال تغنى: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم.. ولو لا؟؟ السمراء ما سمنت عذاريكم.. ولولا الذهب الأحمر.. ما حلت بواديكم. ثم قال لها أوما ما علمت أن الأنصار قوم يحبون الغزل. وتلقى رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم».. هدية من المقوقس ملك القبط عبارة عن جاريتين هما مريم وسيرين، فأهدى سيرين إلى شاعر الرسول حسان بن ثابت لأنها كانت تغنى لعلها تتغنى بأشعار حسان. لم يحرّم الرسول الكريم الغناء لكنه شغل بنشر الدعوة الإسلامية، كذلك فعل صحبه من الخلفاء الراشدين. فلم يتوافر الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى اللازم لازدهار الموسيقى، وتم ذلك فى عصر الخليفة عثمان بن عفان حيث احتلت الموسيقى مكانه رفيعة فى مجالس العرب إلى جانب الشعر والأدب.