نحن نرفض وبشدة أى اعتداء - بأى صورة من الصور - على وسائل الإعلام والإعلاميين، ولكننا فى ذات الوقت نشجب ونرفض الأكاذيب والشائعات التى يطلقها بعض هؤلاء الإعلاميين الذين فقدوا ثقة القارئ والمشاهد والزائر.. كما فقدوا مصداقيتهم لدى غالبية الجماهير. وللأسف الشديد فإن كثيراً من الإعلاميين استمرأوا الكذب واعتبروه منهجا ونهجا دائما لهم.. فظلوا يكذبون ويكذبون ويصدقون كذبهم.. بل ويحولون هذا الكذب الصريح أساساً لتحليلات واجتهادات ويستخرجون منها نتائج أكثر سوءاً. وإذا كنا قد تحدثنا قبل فترة عن مافيا الإعلام على المستوى الدولى.. فإن مافيا الإعلام المحلية لا تقل سوءاً.. بل إنها انغمست سريعاً فى اللعبة السياسية وأصبحت جزءاً منها وطرفاً فيها والأسوأ من ذلك أنها استغلت مناخ الحرية والحقوق الأساسية التى نص عليها الدستور الجديد أسوأ استغلال، فبدلاً من أن تكون حرية التعبير - المصانة دستورياً وقانونياً - وسيلة لخدمة المجتمع وتنويره وتثقيفه والدفاع عن قضاياه.. تحولت إلى أداة للتخريب والهدم والتدمير، بل إن التخريب الذى يمارسه بعض مشاهير ونجوم الإعلام أخطر كثيراً من التدمير الذى يمارسه البلطجية فى الشوارع. ونحن ننتظر من الإعلام أن يبدأ حملة واسعة لإعادة تنظيم ذاته وهياكله ووضع أساس جديد وقوى لحركة إعلامية تنهض بمصر وتقاتل من أجلها. ولعل انتخابات نقابة الصحفيين تفتح الباب لمشروع إعلامى متكامل لتنظيم الإعلام على المستوى العام.. خاصة الإعلام القومى الذى يعانى من مشاكل هائلة.. مالية وإدارية وسلوكية.. إلخ، نحن نريد من مجلس النقابة الجديد.. وفى مقدمتهم النقيب.. أن يبدأ مرحلة جديدة من العمل الجاد لتطهير الإعلام من الخطايا والآثام. ونحن ندرك أنها مهمة عسيرة ولكنها ليست مستحيلة شريطة إخلاص النوايا وإبعاد الأهواء السياسية والمصالح الحزبية والشخصية عن الساحة الإعلامية عموماً والصحفية خصوصاً، وليعلم أعضاء مجلس نقابة الصحفيين أن يد النقيب وحدها لن تصفق ولن تصنع المعجزات، بل المطلوب أن يعمل الجميع ويتكاتفوا من أجل إنقاذ مهنة الإعلام وصاحبة الجلالة من هذا الهوان الذى وصلت إليه وتلك الهاوية التى سقطت فيها. وإذا كانت الآية الكريمة تقول:( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فإن التغيير الحقيقى يبدأ من الذات.. من الإعلامى الفرد الذى يجب أن يرتقى بمستواه المهنى والفنى والعلمى واللغوى والتكنولوجى، ليس عيبا أن نتعلم حتى ممن هو أصغر منا، وليبدأ كل منا بمراجعة النفس بوقفة صادقة ومخلصة مع الذات.. ولنحدد عيوبنا وأخطاءنا وخطايانا.. وأيضاً المزايا النسبية والقدرات الشخصية، ثم ننطلق للحفاظ على الجيد منها والتخلص من الخطايا والأخطاء. نعم إنها ليست عملية سهلة.. ولكن لنبدأ الخطوة الأولى، وبمشيئة الله سوف نصل إلى أهدافنا، فنحن نتطلع أن يكون لدينا إعلام موضوعى وجاد وبنّاء يتقى الله فى وطنه وفى ماله.. وفى الكلمة التى يكتبها فهذه الكلمة يمكن أن تكون بلسماً شافيا أو سماً زعافاً لا قدر الله، ونحن قادرون على أن نكون بلسماً شافياً لهموم وآلام الوطن الذى يئن ويتألم ويدعونا لإنقاذه فى هذا التوقيت الحرج والخطير. *** وقبل أن نتحدث عن دور وسائل الإعلام فى ترشيد استهلاك الطاقة يجب أن نتناول بعمق كيفية ترشيد وسائل الإعلام بكل أشكالها ووسائلها، ونحن لا نبالغ إذا قلنا إن وسائل الإعلام المصرى فى الفترة الأخيرة مسئولة بنسبة كبيرة عن أزماتنا.. دون مبالغة أو تهويل.. بل إن الإعلام ساهم فى كثير من الأحيان فى صناعة أزماتنا من العدم.. ومن الخيال.. دون وازع من ضمير أو أخلاق أو حتى قانون. وترشيد الإعلام وبلوغ سن الرشد وتحمل المسئولية الوطنية تقتضى من المسئولين عنه القيام بعدة مهام: * أولاً.. الالتزام بالموضوعية، فكثير من القضايا التى تتناولها وسائل الإعلام (مطبوعة وإلكترونية وفضائية) لا تتحرى فيها الموضوعية.. بل تتم إثارتها من أجل إحداث فرقعة إعلامية.. أو تحقيق سبق صحفى بهدف جذب المزيد من الإعلانات. * ثانياً.. الالتزام بالحياد والدقة فى تناول الأخبار والتحليلات والتحقيقات.. بل والحوارات التى يتم توجيهها وانتقاء أطرافها وفق المصالح السياسية والاقتصادية والانتماءات الإيديولوجية. فنلاحظ قيام الوسيلة الإعلامية باستبعاد ضيوف ومصادر معينة.. والاكتفاء بقائمة محددة.. من الضيوف الدائمين الذين يحفظون ويقبضون.. ويجيدون لعب أدوارهم ببراعة، وقد شاهدت أحدهم - وهو أكاديمى مشهور - يقوم بدور كوميدى ساخر.. رغم أن الموضوع المطروح ثانوى ودستورى جاد!! وكم شاهدنا وقرأنا أخباراً كاذبة أو ملفقة أو مفبركة.. فى كل وسائل الإعلام المصرية التى استغلت مناخ الحرية المنفلت والفوضوى لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية أو حتى شخصية. * ثالثاً.. الحرص على المصالح العليا للوطن ضرورة حيوية والتزام أساسى وقانونى لوسائل الإعلام القومية والحزبية والخاصة.. ولكنه التزام لا يتحقق للأسف الشديد.. فكثير من وسائل الإعلام تضرب عرض الحائط بمصالح الوطن والمواطن ومنها قطاع الكهرباء والطاقة والبترول بشكل عام، فهى تركز فى قضية السولار على مسئولية الدولة فقط وعلى أخطائها دون غيرها، ولا تستعرض الصورة كاملة. وتقول إن هناك نقصاً فى السولار على سبيل المثال.. دون توضيح الأطراف المتسببة فى الأزمة وأشكال التهريب والتحايل والتلاعب التى تشهدها عملية التوزيع التى يتحملها المواطن البسيط فى نهاية المطاف. * عدم بث الشائعات وإثارة الفتن فى كل المجالات التزام آخر مطلوب من كافة وسائل الإعلام.. وللأسف الشديد.. كم من شائعات بثتها وسائل الإعلام، تسببت فى كوارث بدءاً من إفلاس مصر - لا قدر الله - وانتهاء بشائعات أزمة مذبحة بور سعيد التى عالجتها وسائل الإعلام أسوأ معالجة. *** وإذا كانت البداية هى ترشيد سلوك وسائل الإعلام والإعلاميين حتى يمكن ترشيد استهلاك الطاقة.. فإن الهدف الثانى يمكن تحقيقه بالوسائل التالية.. 1- تنظيم حملات إعلانية وإعلامية متكاملة لتوعية المواطن بكيفية ترشيد استهلاك الطاقة بكل أنواعها، وقد صرح لنا معالى وزير الكهرباء بأن هناك حملة إعلانية متكاملة بدأت فى مارس لتحقيق هذا الهدف. 2- تنظيم حملات جماهيرية تقوم بها الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى لترشيد استهلاك الطاقة.. نريد أن تساهم كل هذه الأحزاب والنقابات فى هذه الحملات بفاعلية وبنشاط لا يقل عن حماسها للسياسة تأييداً أو معارضة.. هذا هو العمل الوطنى البناء المطلوب الآن وبإلحاح شديد. 3- إطلاق حملات توعية واسعة بالمساجد والكنائس لترشيد استهلاك الطاقة.. ويجب ألا يكتفى الوعاظ والدعاة بإلقاء الخطب والمواعظ الدينية. فهذا الهدف الدنيوى - ترشيد استهلاك الطاقة - سوف ينعكس علينا فى الدنيا والآخرة.. ويصب فى رصيدنا الربانى وميزاننا الإنسانى. 4- الاهتمام بحملات التوعية بالمدارس والجامعات ودور العلم الخاصة والعامة، ورغم أن رواد المدارس والجامعات الخاصة يحظون بوضع مالى أفضل.. فإن ترشيدهم للطاقة سوف يساهم فى إضافة بعض الأموال لثرواتهم وأرصدتهم المصرفية. *** ولغة الأرقام التى لا تكذب وهى صادرة من مركز معلومات مجلس الوزراء تؤكد ارتفاع الاستهلاك المحلى للكهرباء بنسبة 95.4% حتى وصل إلى 127 مليار كيلو وات عام 2011.. مقارنة ب 65 مليار كيلو وات عام 2002. كما أن عدد المشتركين فى الشبكة الكهربائية زاد بنسبة 28.5% ليبلغ 26.6 مليون مشترك عام 2010.. مقارنة ب 20.7 مليون مشترك عام 2004. وأحدث التقارير العالمية تشير إلى احتلال مصر المركز التاسع والعشرين ضمن الدول المنتجة للطاقة الكهربائية والمركز الثلاثين ضمن الدول المستهلكه لها عام 2009. ويتوقع مساهمة الطاقة المتجددة فى إنتاج الطاقة الكهربائية فى مصر بحلول عام 2020 بنسبة 20%.. مقابل 32.4% عالمياً. ومن خلال هذه الأرقام تتأكد الزيادة المطردة لاستهلاكنا للكهرباء بما يحمل ذلك من أعباء على ميزانية الدولة المنهكة أصلاً. لذا فنحن نحتاج إلى إجراءات حكومية وشعبية سريعة وفعّالة لترشيد الاستهلاك حتى لا نواجه أزمة حقيقة خلال الصيف القادم.. الذى بدأت بشائره مبكراً جداً!