يجب علينا الآن تصحيح الأخطاء التى ارتكبناها على مدى نصف قرن من بناء اشتراكيتنا.. بهذه الكلمات استهل الرئيس الكوبى راؤول كاسترو ولايته الرئاسية الثانية، والتى جاءت مصاحبة للعديد من القرارات الإصلاحية المهمة كان أكثرها جدلا تعيين «مانويل دياز كانيل» فى منصب النائب الأول للرئيس وهو القرار الذى استقبله الكوبيون والعالم بترقب وحذر شديدين وأثار تساؤلات عديدة حول مستقبل تلك الدولة الشيوعية. وكان اختيار عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى الحاكم وأحد النواب الثمانية لرئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالى سابقا «مانويل دياز كانيل» - 52 عام - بمثابة مفاجأة سياسية كونه أول شخص مدنى فى تاريخ كوبا وأول شخص من خارج القادة التقليديين للثورة يعين فى هذا المنصب، ليصبح المرشح الأوفر حظا لاعتلاء كرسى الرئاسة خلفا للرئيس الحالى راؤول كاسترو الذى أكد فى أكثر من مناسبة أنه لاينوى الترشح لفترة رئاسية جديدة عقب انتهاء ولايته الحالية عام 2018، بل إنه ربما يترك منصبه قبل هذا إذ صرح فى إحدى لقاءاته الصحفية قائلا:«لقد تجاوزت ال 82 عامًا لذا احتاج للراحة وبشدة ألم تروا معى ذلك؟». وعلق الرئيس الكوبى على اختيار كانيل معتبرا أن هذه هى الخطوة النهائية فى رسم مستقبل واضح لبلادنا الغالية، وذلك عن طريق وضع خطوات محددة لانتقال السلطة بشكل هادئ ومنظم، يخفف من أعباء الحكم على الأجيال القادمة وخاصة فى تلك الظروف الصعبة التى يمر بها الكثير من أنظمة دول العالم»، مضيفا أن عملية تداول السلطة فى كوبا لابد أن تخضع لمتابعة دقيقة مع تحديد عدد مرات الترشح للرئاسة، ومشددا فى الوقت نفسه أن تلك الإصلاحات لاتعنى بأى حال من الأحوال عودة الرأسمالية أو أى شكل من أشكالها، وهو ما أيده تماما وبشدة شقيقه الأكبر الرئيس السابق فيديل كاسترو الذى يرى فى تلك القرارات تصحيحًا لمسار الثورة الكوبية، كما ناشد الشعب الكوبى بالتحلى بالصبر ومساندة قادته، فكوبا تتجه نحو الأفضل وإن كانت تسير ببطء على حد وصفه. ولكن يبدو أن هذه التطورات لم تكن كافية لإقناع الولاياتالمتحدةالأمريكية الجارة اللدود والعدو الأول للجزيرة الشيوعية، إذ اعتبرت واشنطن أن وجود رئيس جديد لكوبا عقب نهاية ولاية الرئيس الحالى غير كاف بدون وجود انفتاح ديمقراطى، وهو ما جاء على لسان المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية باتريك فانتريل والذى قال:«إن تغيير أى رئيس لا تصاحبه إصلاحات ديمقراطية حقيقية تضمن للشعب إمكان الانتخاب بحرية لن يكون تغييرا من الأساس وهو ما ننتظره يوما ما فى كوبا». وفى ظل التغيير المفاجىء والتطورات غير المتوقعة التى تشهدها كوبا، تناثرت أنباء شبه مؤكدة عن وجود انقلاب كان على وشك الحدوث اكتشفته السلطات مبكرا، نتج عنه الإطاحة بالعديد من كبار المسئولين وعلى رأسهم النائب الأول «كارلوس لاهى» أحد أقرب المقربين من الرئيس السابق فيديل كاسترو وتوجيه تهمة الخيانة العظمى لهم، ما شكّل صدمة كبرى للحزب الحاكم ودفعهم للإسراع فى تقديم تلك الإصلاحات. ويرى مراقبون أن التطورات التى تشهدها كوبا تأتى فى إطار انتقال وتسليم مقاليد ومفاتيح الحكم فى تلك الجزيرة الشيوعية من الجيل الأول للثورة الكوبية إلى الجيل الثانى أو جيل الوسط، وهو ما ظهر جليا فى انتخابات مجلس الدولة والهيئة العليا للسلطة التنفيذية الكوبية. فمن أصل 31 عضوا جاء 17 عضوا منهم يتراوح معدل أعمارهم بين 50 إلى 57 عاما، ويرى البعض أن هذه الإجراءات هى من قبيل الحفاظ على النظام الحالى واشتراكيته حيث سيكونون امتدادا لهم، وهو ما أثار غضب الكثير من الكوادر الشابة بالحزب الشيوعى الحاكم «جرانما» فى ظل التكهنات بحدوث اضطرابات ومحاولات لاغتصاب السلطة من الحالمين بها من الأجيال الأولى للثورة والأجيال الشابة على حد تعبيرهم. والمعروف أن جمهورية كوبا هى إحدى جزر البحر الكاريبى وتقع فى قارة أمريكا الشمالية، ويبلغ تعدادها 11 مليون نسمة، وعاصمتها هافانا، وتتبع سياسة الحزب الواحد منذ تخلصت من الاحتلال الاسبانى على يد فيديل كاسترو قائد الثورة الكوبية عام 1959.