تتسع مخاوف المصريين يوماً بعد يوم من الانهيار الاقتصادي المتسارع، وسط تهاوي قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وغياب أي أفق للإصلاح أو الاستقرار المالي في ظل سياسات نظام عبد الفتاح السيسي، ما دفع قطاعات واسعة من المواطنين إلى البحث عن "ملاذ آمن" يحمي ما تبقى من مدخراتهم، ليعود الذهب إلى الواجهة كبديل عن الدولار الذي أصبح شحيحاً في السوق المحلية. في هذا السياق، واصل الذهب قفزاته التاريخية في السوق المصرية، مسجلاً ارتفاعاً جديداً أمس الإثنين لليوم السابع على التوالي، ليبلغ غرام الذهب عيار 21 نحو 5255 جنيهاً، في حين تخطى عيار 24 مستوى 6010 جنيهات، بينما سجل الجنيه الذهب 42 ألف جنيه، وهي مستويات غير مسبوقة تعكس حجم الاضطراب النقدي والعجز عن كبح موجة الغلاء المتفاقمة.
ويربط مراقبون هذا الصعود المحموم في أسعار الذهب بانهيار الثقة في الجنيه، وبلجوء المواطنين إلى المعدن الأصفر كبديل آمن عن الدولار الذي تجاوز في بعض التعاملات 47 جنيهاً، وسط توقعات بمزيد من التراجع مع استمرار العجز المزمن في موارد النقد الأجنبي وتضخم الديون الخارجية.
ويرى الخبير المالي عمر الشنيطي أن ما يجري في السوق المصرية ليس سوى انعكاس لحالة "إعادة تموضع" عالمية في ظل اضطراب الأسواق وتراجع شهية المستثمرين للمخاطرة، لكنّ الوضع في مصر أكثر قتامة بسبب غياب السيولة وانكماش النشاط الاقتصادي. ويضيف أن البنوك المركزية الكبرى وعلى رأسها الصين تواصل شراء الذهب بكثافة في مواجهة ضعف الدولار، الأمر الذي يفاقم الضغط على الأسواق المحلية الهشة.
في المقابل، يؤكد رئيس شعبة الذهب باتحاد الصناعات إيهاب واصف أن الأسعار باتت مرآة للتقلبات العالمية، غير أن خصوصية السوق المصرية المأزومة تجعل الذهب أقرب إلى "عملة بديلة" أكثر من كونه سلعة استهلاكية، موضحاً أن المواطنين يفضلون حالياً الاحتفاظ بسبائك خفيفة أو مشغولات بسيطة بدلاً من شراء كميات كبيرة كما كان في السابق، بسبب تآكل القدرة الشرائية وندرة السيولة.
وبدت حركة البيع والشراء شبه متوقفة، إذ اكتفى كثيرون بالمراقبة انتظاراً لهبوط محتمل في الأسعار، بينما حول بعض التجار نشاطهم إلى التصدير بعد ارتفاع الطلب الخارجي، خاصة من الإمارات وسويسرا، ما أدى إلى زيادة صادرات الذهب المصرية خلال النصف الأول من 2025 بنسبة 194% لتصل إلى 3.9 مليارات دولار، بحسب بيانات حكومية.
ويحذر محللون من أن التوسع في تصدير الذهب دون توافر بدائل للاستيراد سيؤدي إلى نقص حاد في المعروض المحلي، وبالتالي استمرار الأسعار عند مستويات مرتفعة، حتى في حال تراجع الطلب. كما يتوقعون أن يتجاوز سعر غرام الذهب عيار 21 حاجز 5300 جنيه خلال الأسابيع المقبلة، في حال واصل الجنيه انهياره وتم خفض أسعار الفائدة مجدداً كما هو متوقع.
وبحسب مجلس الذهب العالمي، تراجعت مشتريات المصريين من الذهب خلال النصف الأول من 2025 بنسبة 14% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة ضعف الدخول وتآكل المدخرات، بينما تزايدت عمليات البيع لتحقيق أرباح سريعة من الفروق السعرية.
ويرى اقتصاديون أن المشهد برمّته يعكس فقدان المصريين الثقة الكاملة في سياسات النظام المالي والنقدي، بعد أن تحولت البلاد إلى "سوق مضطربة بلا بوصلة"، يتعامل فيها المواطن البسيط مع الذهب كما يتعامل مع رغيف الخبز: سلعة بقاء لا رفاهية.