الشهرة شىء جميل يسعى إليها الفنان والصانع والتاجر، لتنتشر بضاعتهم وتروج تجارتهم ويدفعون فى ذلك المال الكثير بالدولار والجنيه. وزمان كانت المحلات التجارية تكتب على الفتارين فى موسم الأوكازيون، «للشهرة فقط» أى أن التنزيلات تجرى من أجل الشهرة وليس لتصريف البضاعة البايرة أو التخلص منها نهاية موسمها. ورغم ان الشهرة فى أحيان كثيرة تكون خانقة مقيدة لحرية المشهور فإن البعض يسعى إليها بحماس وقد يرتكب أخطاء سلوكية أو حتى أخلاقية فى سبيل الوصول إليها. فالرجل الذى يقذف المحصنات رغم علمه بحرمة ذلك السلوك هو غاوى شهرة حتى لو أتت على حساب الدين. والرجل الذى يستغل دراسته فى اختراع فتاوى بقتل المعارضين هو غاوى شهرة حتى ولو جاءته على حساب سمعته ودرجة علمه وتعليمه ولو تجمع زمرة من المريدين لنصرته أمام مبنى النيابة العامة. وسلوكيات كثيرة مشابهة لذلك نتابعها هذه الأيام. وفى بلاد الدنيا كلها المتحضر منها والمتخلف يختار الناس اسماء لمطاعمهم تفتح شهية الزبون للأكل وتجذبه إليها، ورغم أسفارى الكثيرة فقد سألت أصدقاء أوروبيين عن الأسماء الشهيرة للمطاعم فى العالم فقالوا إنها لا تخرج عن أسماء أصحابها أو سلسلة «الحصان الابيض» فى إنجلترا، وربما تكون فى شكل مجاملات معروفة مثل «بون أبيتى» أى وجبة هنيه أو سلسلة مطاعم البيتزا التى بدأت فى إيطاليا وانتشرت فى العالم كله. أو قطع اللحمة «إستيك» التى تميز المطاعم الأمريكية وفى إيطاليا كل مدينة لها وجبة مشهورة ترتبط باسمها ويحرص زوار المدينة على ألا يفوتهم أكل هذه الوجبة الشهيرة. كذلك فإن لبعض الدول سمعة عالمية فى أنواع المأكولات فنعرف ماذا يعنى المطبخ الإنجليزى، أو الإيطالى أو الفرنسى أو التركى أو اللبنانى. أما فى مصر فقد انتشرت ظاهرة غاية فى الغرابة فى مجال المأكولات والمطاعم فبعد أن كان «الجحش» هو الاسم الأول فى وجبة الفول والطعمية فى القاهرة، و «البغل» فى المحلة الكبرى، يقدم نفس الصنف ويقال إن من لم يذهب إلى المحلة ولم يزر البغل فكأنه لم يسافر إليها. أما «عبده كفتة» فقد استعار اسم مطرب كاريكاتيرى من اختراع الفنان الضاحك الراحل سيد الملاح وهى شخصيه هزلية لعجوز سكران يغنى ليضحك أكثر مما يطرب.. وعندما سألت بعض الأصدقاء الأوروبيين عن أسماء المطاعم فى بلادهم ذكروا لى عينة من أسماء سلبية لبعض المطاعم، ففى جزيرة جينزى بالقناة الإنجليزية مطعم اسمه «الفار» وبالطبع فإن الزبائن تفر منه فرار السليم من الأجرب. وفى اليونان وعلى البحر حيث يعمل بعض مهربى البضائع الغالية من تركيا إلى بواخر اليونان أطلق صاحب مطعم على مطعمه اسم «المهربين» لجذب زبائن المنطقة الذين يعملون بهذه المهنة.. وبعد أن انتهى أصدقائى من سرد السالب والموجب فى أسماء مطاعم أوروبا وجدتنى فى ربع هدومى قبل أن أسألهم عن رأيهم فى من يُطلق على مطعمه فى مصر أسماء غريبة كفيلة بأن تجعل الزبون لا يقف أمام واجهة المحل، وإن وقف ودخل فأتصور أن ما يأكله لا يبقى فى معدته لدقائق، قلت: ما رأيكم فى مطعم باسم «زيزو نتانه»؟!..وما رأيكم فى كبابجى أطلق على محله اسم «عبده تلوث» ؟! أو «بحه النتن»؟! قطعًا هذه ليست الأسماء الحقيقية لأصحاب المطاعم المذكورة فلو كانت كذلك لما وافق موظف السجل المدنى على تسجيلها فى شهادات الميلاد أو الرقم القومى، إذن فقد أختارها أصحابها من أجل الشهرة، والسؤال: من هم جمهور مثل هذه المطاعم والذين يجذبهم الاسم أو الشهره للأكل فى مكان يقول على نفسه النتن أو التلوث، هل هم من لا يقرأون ويكتبون فلا يعرفون معنى الكلمات؟ لو كان الأمر كذلك فمن أين لهم بالفلوس الحراقه ثمن أكلة كباب أو كفتة فى محل شهير جدًا؟! هل هم من أغنياء عصرى السادات ومبارك وكانوا يلعبون بالفلوس بعد أن عاشوا الفقر الدكر وذاقوا مرارته؟! ماذا حدث للمصريين فى أذواقهم فى الملبس والطعام واللغة الفصحى والعامية فيستملحون النتانة ويهرولون إلى التلوث! يا أيتها الشهرة اللعينةكم من الجرائم ترتكب باسمك!