على وقع نزاعات داخلية شديدة التعقيد ما بين فريقى 8 و14 مارس، وما حولها من أحزاب وطوائف، وأزمة سورية متفجرة تعمق الانقسام اللبنانى على أساس طائفى وسياسى، ومفتوحة على قضايا دولية وإقليمية، شديدة الصلة بقرارات مجلس الأمن والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. فى بؤرة هذا المشهد المعقد تقع طرابلس عاصمة الشمال اللبنانى، طرابلس الفيحاء هى ثانى أكبر مدن لبنان بعد بيروت. بصمات التاريخ واضحة فى طرابلس التى عرفها العالم منذ العصر الهيلينى، وفى العصر الرومانى، ولعبت دورًا مهمًا كقاعدة عسكرية فى عهد الأمويين، وسقطت فى يد الصليبيين، ثم فتحها السلطان المنصور قلاوون واتخذها سلاطين المماليك عاصمة لنيابة السلطنة، ثم دخلت تحت السيادة العثمانية فاستعادت دورها التجارى، ثم أصبحت جزءًا من دولة لبنان الكبير، ومع الاستقلال عام 1943 أصبحت طرابلس العاصمة الثانية ويبلغ تعداد سكان طرابلس اليوم نحو 600ألف نسمة، أى ما يعادل 15% من سكان لبنان، وتتألف التركيبة الطائفية لطرابلس من السنة 84%، الروم الأرثوذوكس 6%، العلويين 5%، الموارنة 2%، الشيعة 1%، أقليات مسيحية 2%. وتنقسم المدينة إلى قسمين الأول هو الميناء والثانى هو المدينة نفسها حيث توجد معظم الأماكن الأثرية. وعند الوصول إلى طرابلس تبدو المنشأة الأهم هى معرض رشيد كرامى الدولى وهو المعرض الرسمى الوحيد فى لبنان، ثم الاستاد الأوليمبى الذى استضاف بطولة الأمم الآسيوية عام 2000. مواجهات عديدة خلال السنوات الماضية حدثت مواجهات عديدة بين حى باب التبانة بأغلبيته السنية وحى جبل محسن بأغلبيته العلوية، على خلفية الانقسام السياسى الداخلى أو الأحداث السورية. ويفصل شارع سوريا بين المنطقتين وهو النقطة الأكثر سخونة فى مدينة طرابلس. وعندما تحدث الاشتباكات تغلق المحال التجارية، وتصاب حركة المرور بالشلل، ويقطع رصاص القناصة الطريق الدولى الذى يصل طرابلس بالحدود السورية. بداية المشكلة المشكلة فى طرابلس بدأت عام 1976 عندما أوجد النظام السورى عصابة تابعة له فى منطقة جبل محسن برئاسة على عيد، واليوم يتولى ابنه رفعت عيد المهمة على رأس عصابة مسلحة من 300 عنصر، نصفهم من المخابرات السورية، يأتمرون بأوامر النظام السورى مباشرة، بهدف ضرب استقرار مدينة طرابلس. التوتر فى طرابلس مستمر وحلقاته متتالية كان آخرها تعرض وزير الشباب والرياضة فيصل كرامى فى يناير الماضى لمحاولة اغتيال بإلقاء قذيفة «ايزجا» على موكبه، وأصابت القذيفة سيارة جيب لأحد مرافقيه. وقد اعترض مسلحون موكب كرامى لدى وصوله إلى أحد المنافذ المؤدية إلى مسجد الغندور لمنعه من العبور بحجة الاعتصام، وحدث للأسف تطور إلى إطلاق نار على موكب الوزير، وطوقت عناصر الجيش المكان، وسيرت دوريات وأقامت حواجز تفتيش وباشرت ملاحقة مطلقى النار للقبض عليهم. واعتبر الوزير كرامى فى مؤتمر صحفى عقده فى دارة العائلة أن «المستهدف الحقيقى فى الحادث هو أمن طرابلس واستقرارها والحمد لله نجت المدينة من فتنة كبرى». وأضاف «الدولة مقصرة وربما عاجزة، ولكن لن نغير رهاننا، وعليها أن تتحرك لمعالجة انفلات السلاح فى المدينة، لأن الناس لم تعد تطيق هذا الوضع ولأن الأمور عرضة لما هو أخطر». الحرب السورية وفى واقع الأمر أن العديد من السنة اللبنانيين يدعمون المعارضة فى سوريا بقوة، فى حين يدعم الشيعة اللبنانيون حكم الأسد الذى يقوده العلويون. وفى هذا الإطار يقول هلال خشان استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية فى بيروت: «إن السنة فى لبنان، سواء كانوا متطرفين أم لا، وسواء كانوا متدينين أم لا، ينحازون بقوة إلى جانب الثورة فى سوريا». وإلى ذلك تلعب الانقسامات حول سوريا داخل لبنان دورًا فى توسيع الاشتباكات الطائفية بين المقاتلين السنة والشيعة فى طرابلس، وعلى سبيل المثال فقد توفى خلال العام الماضى 70 شخصًا على الأقل فى مثل هذه الاشتباكات والنقطة الساخنة الرئيسية بالنسبة للأطراف التى تدعم وتعارض الأسد فى المدينة، هى شارع سوريا، وهو شارع مزدحم يفصل متاجره وبناياته التى تحمل آثار الرصاص وإطلاق النار باب التبانة، وهو حى أغلبيته سنية، وجبل محسن ذو الأغلبية العلوية. الجيش اللبنانى قام بوضع ناقلات جند مدرعة على بعد كل بضعة عمارات على طول الشارع واستطاع حفظ السلام، لكن الاضطرابات يتكرر اندلاعها فى أماكن أخرى من المدينة. ويعلق الوزير فيصل كرامى على دعوة وزير الداخلية مروان شربل لجعل طرابلس منزوعة السلاح، فيقول: «نغمة سمعناها من قبل وتناقضت مع ما طالبت به كتلة «المستقبل» النيابية بأن ينزع السلاح من كل المدن». واعتبر أن كلام شربل «لن يطبق مادام لا يطبق فى كل المناطق اللبنانية». ويتساءل فيصل كرامى: «كيف يكون بعضهم تحت سلطة الدولة وبعض آخر يتمرد ويقول إنه الدولة ولا يناقش حول سلاحه». ويبقى فتيل الانفجار ممتدًا فى شوارع وميادين طرابلس عاصمة الشمال اللبنانى؛، لتدفع الفيحاء ثمنًا فادحًا نتيجة قربها من الجار السورى.