يرى المراقبون أن النفط أحد أهم أسباب الصراع عليها، ورغم أنها لا تتعدى ال 1% من مساحة السودان فإنها تنتج 70% من بترول السودان وهو ما جعلها محل صراع بين سكانها وطرفى الحكم فى الشمال والجنوب ومطمع من الخارج وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما أنها أكثر نقطة حساسة فى العلاقة بين الشمال والجنوب وهى مدينة (أبيى) التى من المقرر أن يتم الاستفتاء على تقرير مصيرها فى أكتوبر المقبل. و(أبيى) منطقة سودانية تقع بين كردفان ومنطقة بحر الغزال وتعد جسرا بين شمال السودان وجنوبه، بسببها خاض الشمال والجنوب عدة حروب أودت بحياة 1,5 مليون قتيل وكان من المقرر أن تصوت «أبيى» على تقرير مصيرها فى يناير 2011 بالتزامن مع استفتاء تقرير مصير الجنوب إلا أن الخلاف حول من يحق له التصويت حال دون إجرائه،حيث تطالب الخرطوم بإدراج قبيلة «المسيرية» وهى من العرب الرحّل التى تعبر «أبيى» سنويا كى ترعى مواشيها الكثيرة على لائحة الناخبين فى الوقت الذى رفضت فيه جوبا الطلب وكذلك قبيلة «الدينكا نقوك» التى ينحدر منها معظم قادة جنوب السودان والمؤيدة لضمها إلى الجنوب. وظلت مشكلة «أبيى» هى موضوع الخلاف الرئيسى طيلة الفترة الماضية والذى تمحور أولا حول حدود المنطقة التى رفضتها حكومة السودان بحجة أن الخبراء تجاوزوا التفويض الذى حدد لهم وهو تقديم خريطة موثقة لحدود المنطقة التى ضمت للشمال فى عام 1905، ولكن الخبراء أقروا بأنهم لم يجدوا خريطة توضح تلك الحدود مما اضطرهم لتتبع سكان «عشائر دينكا نقوك» فى المنطقة المتعارف عليها إلى منتصف الستينات، ورفضت حكومة السودان هذا التقرير واعتبرته تغولاً على أراضى الشمال بينما أيده الجنوب، وعلى أثر ذلك نشأت اشتباكات عنيفة بين «المسيرية» «والدينكا نقوك» فى ديسمبر 2007 واشتدت فى 13مايو 2008 حيث قتل العشرات ونزح حوالى 50 ألفاً حتى وصفت «أبيى» من قبل الأممالمتحدة بأنها مدينة الأشباح. وكان الخلاف الثانى حول من يحق له التصويت فى استفتاء تقرير مصير «أبيى» التى تسكنها قبائل «دينكا نقوك» الافريقية والذين يعتبرون انفسهم الأحق بالمنطقة من القرن الثامن عشر على الأقل، كما توجد فيها أيضا قبائل «المسيرية» العربية وتعتبر نفسها أقدم من هاجر إليها حيث عاشت كلتا القبيلتان سلميا بادئ الأمر إلى أن اندلعت الحرب الأهلية السودانية الأولى فى الفترة ما بين (1956 -1972) وادعى كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة ووصف الآخرين بالغرباء ،حيث نص بروتوكل وقع فى اتفاقية السلام الشامل على «الدينكا نقوك» بالاسم بالاضافة إلى السودانيين الآخرين المقيمين فى المنطقة حيث تصر حكومة جنوب السودان على أن السودانيين المقيمين لا تشملهم قبيلة المسيرية الرحّل التى تقيم فى المنطقة لمدة تتراوح بين بضعة شهور إلى عشرة، بينما ترى حكومة الشمال أن عدد ابناء القبيلة المسيرية يفوق «دينكا نقوك» كثيرا مما يعنى أن نتيجة الاستفتاء ستكون لبقاء المنطقة بحوزتها، ورفضت حكومة الجنوب ذلك التفسير وقالت إن تعبير السودانيين المقيمين يعنى الإقامة الدائمة وفشلت كل محاولات الوسطاء بمن فيهم اللجنة الأفريقية عالية المستوى ومبعوثى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى حل العقدة المستعصية بين الطرفين طيلة السنوات الأربع الماضية، ثم جاءت خطة اللجنة الأفريقية الأخيرة التى نظرت فى المشكلة بناء على قرار مجلس الأمن 2046 مطابقة لتفسير حكومة الجنوب فى شرط الاقامة الدائمة لمن يحق له التصويت فى الاستفتاء وهو ما رحبت به حكومة الجنوب، وتوعدت اللجنة بمعاقبة الطرف الذى يعرقل الوصول إلى اتفاق. ووجد الشمال نفسه فى موقف صعب لأن رفضه يعنى تعطيل تنفيذ الاتفاقيات الثمانية التى توصلت اليها حكومة السودان مع الجنوب بأديس أبابا فى نهاية سبتمبر الماضى بما فيها اتفاقية عبور بترول الجنوب عبر الشمال وغيرها من الاتفاقات التى قد تؤدى إلى إعفاء الجزء الأكبر من ديون السودان الخارجية وإلى رفع العقوبات الدولية عنها، وتتبنى واشنطن مقترح الوساطة الأفريقية والخاص بإجراء استفتاء لمنطقة «أبيى» فى أكتوبر المقبل وهو المقترح الذى ترفضه الخرطوم والتى ترى أن موعد الاستفتاء لا يتناسب مع قبيلة «المسيرية» الرعوية لأنها تكون خارج حدود المنطقة فى هذا الموعد مطالبة بتأجيل موعد الاستفتاء إلى وقت آخر، بينما تتبنى موسكو مقترحا آخر يقضى بتقسيم (أبيى) بين السودان وجنوب السودان وهو المقترح الذى ترفضه جوبا. ورغم الاستفتاء الذى سيجرى فى أكتوبر ومن المفترض أن يجيب عن سؤال هل تتبع «أبيى» الشمال أم الجنوب؟.. فإن مستقبل تلك المنطقة يبدو غامضا خصوصاً بعدما دمرتها عدة حروب تسببت فى نزوح الآلاف عن مساكنهم وتركتها منطقة أشبه ببرميل بارود قد ينفجر فى أية لحظة!