منطقة غنية بالنفط.. هكذا تراها الحكومتان فى السودان وجنوب السودان. وهى مسكن للمزارعين فى عيون عشائر دينكا نقوك. ومهاجر لرعى الأبقار عند قبائل المسيرية البقارة. هذه هى أبيى، التى من المقرر أن يبدأ جيش الخرطوم الانسحاب منها، عقب انسحاب شرطة جوبا، وبالتزامن مع جولة مفاوضات جديدة، لوضع حد للصراع بين «الإخوة الأعداء». تعايش فيها الجنوبيون والشماليون لأكثر من أربعة قرون، لدرجة التزاوج، رغم احتكاكات مستمرة بين المزارعين الأقرب للجنوب بدياناتهم الإفريقية التقليدية ولغتهم الدينكاوية، والرعاة المسيرية العرب المسلمين، كانت أغلبها على تحديد مناطق الرعى.
ورغم ذلك، اعتبر الجنوبيون أبيى جنوبية، لم لا وقد سكنها المزارعون المستقرون من الدينكا (أكبر قبائل الجنوب ويمثلون 11% من السودانيين)، واعتبروا المسيرية العرب مجرد «زوار للرعي»، يفدون للمنطقة أربعة شهور فقط (من يناير وحتى إبريل) لرعى أبقارهم بعد أن تجف مناطقهم شمال أبيى. أما المسيرية فيقولون إنهم شركاء فيها، لأن أبقارهم لا حياة لها دون أبيى.
وأمام هذه المعضلة، اتفق طرفا الحرب الأهلية، نظام الرئيس عمر البشير، والحركة الشعبية لتحرير السودان، بزعامة قائدها التاريخى، الراحل جون قرنق، على إجراء استفتاء مستقل لأبيى يقرر فيه سكانها إذا ما كانت تتبع للشمال أم الجنوب.
ونص بروتوكول أبيى، الملحق باتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الطرفين فى يناير 2005 بكينيا، على أن من يحق لهم التصويت فى الاستفتاء هم «عشائر دينكا نقوك التسع، وغيرهم من السودانيين» المقيمين فيها منذ استقلال البلاد عن بريطانيا فى مطلع 1956.
ولم يحدد أحد الأعداد الفعلية لسكان أبيى، وكلا الطرفين يدعى الأغلبية، كما أن مساحتها موضع شك بسبب عدم الاتفاق النهائى على حدودها. وبهذا أصر الجنوبيون على أن يقتصر الاستفتاء عليهم، كما هو منطوق البروتوكول، فيما اعتبر الشماليون المسيرية أنهم يندرجون تحت عبارة «غيرهم من المواطنين السودانيين».
وأمام تعقد الموقف أحال السودانيون (شماليون وجنوبيون) نزاعهم للتحكيم الدولى، الذى حكم بأن هجليج النفطية ليست جزءا من أبيى وتتبع الشمال، بينما بقيت مراعى أبيى فى حوزة الجنوب. يومها رفض المسيرية القرار، معتبرين أن الخرطوم باعتهم مقابل النفط، فيما قبل دينكا نقوك التحكيم، معتبرين أن الجزء الجنوبى فقط هو من سيجرى فيه الاستفتاء، حيث يستقرون.