ويمكرون.. ويكيدون.. ويقسّمون.. ويفرّقون.. ويخططون.. لكن الله سبحانه وتعالى رغم أنهم يسيطرون ويقدرون.. ويملكون.. فهم فى نهاية المطاف يفشلون. كم هاجم البعض المملكة العربية السعودية.. وقبلها اشتبكنا مع الجزائر لأسباب تافهة.. وبانفعال أكثر مما انفعلنا على الصهاينة فى أمور أقوى منها.. وها هى ذى الدفوف تدق لكى نعرف رايات البغضاء ضد الأشقاء فى الإمارات.. وتجاوزنا حدود مساندة الثورة السورية إلى الهجوم على سوريا ذاتها.. وبلعنا طعم الفتنة ونسينا أن الضارب والمضروب فى الشام هم أشقاء الدم.. وأن السلاح يأتى من روسياوإيران.. فى مواجهة سلاح أمريكى أوروبى باسم الحرية والديمقراطية.. وكأن بلادنا لم تبلغ بعد سن الرشد ولابد من وصاية مولانا ساكن البيت الأبيض. العروبة ليست مجرد جامعة يلتقى فيها القادة وتخرج منها بيانات الشجب والإدانة.. وليست هى الشعار الذى نتغنى له فى الصباح ونطعنه ونغتاله فى المساء والسهرة، العروبة ليست فكرة شجعتها بريطانيا العظمى فى أواخر الثلاثينيات لكى تضرب المد العثمانى.. ولا هى سلاح تحاول أمريكا استخدامه لتخويف العرب دون غيرهم من عفريت إيرانى يريد التشيع والاستحواذ على المنطقة. العروبة هى التاريخ الإسلامى الذى يحتضن المسيحى فى عناق من اللغة والمكان والمكانة.. والحضارة التى كانت صاحبة كلمة فى ثقافة العالم وإن توارت وتراجعت لأسباب استعمارية.. أخذت أنبل وأغلى ما عندها.. وتركت لها كل أسباب الفرقة والانقسام.. وجعلت جدول أعمالها دائما وأبدًا مشحونا بالصغائر والطائفية. ولكن المولى سبحانه وتعالى الذى يريد لهذه العروبة أن تظل قائمة وحاضرة بقرآنها وإنجيلها.. وبكافة أطيافها من تركمان ودروز وأكراد وشركسى وأقباط ومسلمين وشوام ومغاربة وأفارقة. لذلك جاءت خطبة الشيخ محمد العريفى من الرياض على غير ميعاد أو ترتيب لكى تفسد ما تم التخطيط له فى سنوات.. وكأنها أوصلت ما أرادوا له أن ينقطع.. ونسأل الله ألا يخرج علينا أبالسة البحث عن هفوات الاختلاف ويتركون عظائم الاتفاق. وكشفت خطبة العريفى بكل بساطة تجار الدين.. من فوق المنابر وداخل أروقة المساجد والكنائس اهتز قلب السعودية.. كما قال العريفى عن فضائل مصر وأهلها.. واخترقت كلمات الشيخ الجليل كل الحواجز والحدود.. ولأن قلوب الأشقاء معلقة بمصر الحبيبة فى أزمتها كما كانت فى مسراتها وازدهارها.. تجاوزت الكلمات الخالصة المخلصة.. حدود المسجد إلى أرجاء الوطن العربى كله.. لكى تدق جرس الإنذار.. إن هذه أمتكم أمة واحدة.. ومصر هى رمانة الميزان.. إذا قدر الله مماتها لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدها.. ومخطط التقسيم يدق أبواب عروبتنا بقوة.. أمامكم العراق واعتبروا يا أولى الألباب. فقد هبت جيوش أمريكا والغرب لكى تحررها من طغيان صدام واسلحته الفتاكة.. فلا العراق تحرر ولا الأسلحة ظهرت واتضح أنها وهمية.. وها هو ذا البلد القوى الغنى الذى يفتح ذراعيه للجميع وقد تحول إلى برميل بارود مشتعل بين السُنة والشيعة والأكراد والتركمان.. والإعلان عن قاعدة وجهاد ومنظمات وهمية فى بلاد الرافدين لا تدرى من أين جاءت وكيف ظهرت ولحساب من تعمل وماذا تريد ومن يعلى صوتها ويطرحها وينفخ فى رمادها لكى نراها نيرانا قاتلة وكاسحة؟. العراق على خازوق الحرية والديمقراطية، ثم جاء الربيع العربى يحمل البشارة بعصر جديد.. ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. خلعنا الجبار الواحد الذى كان يسيطر على مجريات الأمور فى مصر وليبيا وتونس واليمن (وجار العمل لخلع بشار).. والنتيجة نرى البلد الكتلة.. يتحول إلى فتافيت.. المشهد حاضر ومتكرر.. وأمريكا لم تخف أوراقها فقد جاءت الست كونداليزا رايس تحمل فى يدها سكين تقسيم الشرق الأوسط الجديد.. وغادرت موقعها وجاءت هيلارى كلينتون بعدها.. والمخطط قائم مستمر.. و«سيكس بيكو» المعدّلة.. ماضية فى جدولها.. ولا تراجع عنها. فلماذا لا يرحبون بوصول الإخوان إلى الحكم.. حتى تقطع الألسنة التى تقول بأن إسرائيل دولة دينية.. ويأتى الرد وحكم مصرى دينى أو هكذا يقال.. ومن ناحية أخرى على مصر السُنية أن تظل فى حالة عداء مع إيران الشيعية.. ولا بد من عفريت التشيع أن يتضخم.. لكى تسرع دول الخليج إلى شراء المزيد من السلاح الأمريكى والأوروبى.. وأيضًا لكى يفك الهلال الإسلامى الواحد إلى هلالين.. سُنى وشيعى وتحت كل هلال عدة أهلّة مهلهلة.. وصفها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بأنها بضع وسبعين شعبة من مذاهب وملل ما أنزل الله بها من سلطان أو بيان.. لكنها صناعة يهودية استعمارية شعارها «فرق تسد». خطبة العريفى لم تكن مجرد خطاب عاطفى.. لكنها وثيقة تاريخية فى كيفية الدعوة إلى فعل نافع ومؤثر وإيجابى وقد تفاعل معها وايدها وزادها خيرا، حيث تحركت مجموعة من أكابر دعاة السعودية وعلى رأسهم العلامة عائض القرنى.. وحضروا إلى مصر فى وفد محترم.. وأعلنوا عن ضرورة التكاتف العربى لإنقاذ أم الدنيا من محنتها الاقتصادية.. وأن يأتى الحل من أشقاء الدم والعروبة.. بعيدا عن جبروت صندوق النقد الدولى وشروطه المدمرة.. وهذه المبادرة يجب أن تحرك مشاعر كبار رجال الأعمال الأثرياء فى مصر.. وعليهم أن يخجلوا من أنفسهم وقد فعلها أثرياء اليابان منذ 90 عاما.. وأنقذوا بلادهم من أزمة مالية عاصفة.. تقدمت بعدها وأصبحت فى الصدارة وراجت تجارتهم وعادت إليهم أموالهم مضاعفة ولأولادهم وأحفادهم من بعدهم لأن الوطنية ليست أغنية يتمايل لها المغنى والمستمع ثم ينفّض السامر.. والبلاد التى يفخرون مع الموسيقى أنها أمهم.. تعانى وتئن وتتسول أمام أعينهم وهم فى دنياهم لا يتحركون.. وهى التى رفعتهم فوق السواد الأعظم من أهلها فكانوا كالحجارة أو أشد قسوة.. وفيما مضى خرجت فلاحة مصرية أصيلة تنتمى إلى قرية «طماى الزهايرة بالسنبلاوين» وجمعت الغالى والنفيس بمفردها من الشرق والغرب.. فكانت سيدة عصرها بلا منازع.. وتجاوزت دورها كمطربة.. وأصبحت علامة لمصرها وعروبتها.. اسمها أم كلثوم.. وها هو ذا العريفى يطلق شرارة الأخوة العربية ويمسح عنها الصدأ.. ويؤكد من الأرض المقدسة أن أفعال ومؤامرات الأمريكان والصهاينة ترتد إلى نحورهم.. واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد.