تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 140 جنيه خلال أسبوع    النائب عمرو درويش يعترض على الصياغة الحكومية لقانون الإيجار القديم    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى أهل مصر بدمياط ومصر جميلة يصل البحيرة    رئيس اتحاد الكرة الآسيوي: أرفض بشدة مقترح زيادة عدد المنتخبات بكأس العالم    انخفاض درجات الحرارة وسقوط للأمطار بمحافظة القليوبية    إنقاذ 2000 رأس ماشية من حريق في مركز أبو صوير بالإسماعيلية    حجز محاكمة متهم بحيازة مفرقعات ومقاطع تحريضية للنطق بالحكم    رمضان صبحي يقود كتيبة بيراميدز أمام فاركو    أحمد السقا يفقد الذاكرة وأحمد فهمي يتورط معه في مطاردة بالصحراء في فيلم "أحمد وأحمد"    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    «الإسكان»: مبيعات مبادرة «بيت الوطن» للمصريين بالخارج تسجل 10 مليارات دولار    الإسماعيلي: هل القانون يتيح استدعاء تقنية الفيديو للحكم من أجل بطاقة صفراء؟    رسمياً.. تحديد موعد ومكان نهائي كأس مصر    إعلام إسرائيلي: شركات طيران أمريكية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب    مصر وجزر القُمر توقعان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة    استشهاد معتقل فلسطيني في مستشفى سوروكا الإسرائيلي    مصرع شخص وإصابة آخر إثر حادث تصادم في القرين بالشرقية    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 17 متهمًا بضربة أمنية بالقاهرة    الإحصاء: 3.6 مليون دولار قيمة التبادل التجارى بين مصر وجزر القمر خلال 2024    وكيل مجلس "الشيوخ" يقترح سن قانون شامل للأمن السيبراني وإنشاء هيئة مستقلة لإدارته    «لوفتهانزا» و«إير يوروبا» تعلقان جميع رحلاتهما الجوية إلى مطار بن جوريون    فتاوي المصريين في نصف قرن.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    معرض أبوظبي الدولي للكتاب يعبر الأزمنة على متن المقتنيات الأثرية    رئيس الوزراء: مواجهة مخالفات البناء والتعديات جزء من تقييم أداء أي محافظ    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    الحكومة: مشروع قومي للصوامع يضاعف السعة التخزينية ويقلل فاقد القمح في مصر    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 956 ألفا و810 جنود منذ بداية الحرب    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظتي القاهرة والوادي الجديد    حماس تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق منذ أكثر من 64 يومًا    ماجد الكدوانى ضيف شرف فيلم "المشروع إكس" مع كريم عبد العزيز    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    مستشفى سوهاج الجامعي تضم أحدث جهاز قسطرة مخية على مستوى الجمهورية    برلماني: كلمة السيسي باحتفالية عيد العمال تعكس تقديره ودعمه لدورهم في مسيرة التنمية    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    اليوم.. بدء تسليم قطع أراضي بيت الوطن المرحلة التاسعة للفائزين بمدينة دمياط الجديدة    13 شهيدا جراء قصف الاحتلال أنحاء متفرقة في قطاع غزة    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دي بروين: لا أعلم موقفي من المشاركة مع مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بيان - "سلوك الجماهير رد فعل على غياب العدالة".. الزمالك يرفض عقوبات الرابطة ويتهمها بالتحيز    ضبط 37.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    محمد صلاح يستهدف 3 أرقام قياسية أمام تشيلسي في الدوري الإنجليزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يؤكد حرص مصر على نجاح القمة العربية المقبلة في بغداد    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون الممتدة بين البلدين في القطاع الصحي    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    سر تصدر كندة علوش للتريند.. تفاصيل    بعد إخلاء المرضى.. اندلاع حريق محدود بمستشفى المطرية التعليمي    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المد الشيعي والمد الصهيوأمريكي
نشر في محيط يوم 09 - 06 - 2008


المد الشيعي والمد الصهيوأمريكي

* عصام علي

من المفارقات المخجلة في العالم العربي والإسلامي مسألة الحديث عن الخطر الشيعي وغض النظر عن الخطر الصهيوني والأمريكي في المنطقة الأكثر سخونة في العالم وذات الأهمية البترولية خصوصا مع وصول أسعار البترول إلي معدلات لم يسبق لها مثيل.

والحقيقة كما يقول الأستاذ فهمي هويدى هي أنه أصبح من العسير عليك أن تقنع الناس ببديهيات منها أن إسرائيل أخطر من إيران وأن التواطؤ مع الغرب علي حساب حضارتنا وتاريخنا وعقيدتنا هو أمر مخالف للنص القرآني الصريح قال تعالي "يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتخذهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين.

" سورة المائدة الآية 51. ولكي لا يكون الكلام مجرد دغدغة للعواطف ولعب علي أوتار العداء للصهيونية وللغطرسة الأمريكية نذكر الحقائق التالية: أولا: (من هو العدو الحقيقي؟!!) ليست إيران هي من يحتل أراض المسلمين والمسيحيين العرب كما أن الشيعة شئنا أم أبينا من صميم النسيج الوطني لكل دولة من دول المنطقة مثل السعودية والكويت والبحرين ولبنان وهم مواطنون لهم حقوق في هذه البلاد حتي لو اختلفوا في العقيدة معنا وعلينا وعليهم احترام القوانين الحاكمة والدساتير الموجودة وليس من حقنا أن نقاتلهم إلا إذا خرجوا علي هذه القوانين والأعراف الحاكمة لكل دولة. أما الأمريكان واليهود فهم غزاة محتلون غاصبون للأراضي العربية والإٍسلامية سفاكي دماء.

فلقد قتل الأمريكيون في العراق 654.965 فردا منذ العام 2003 حسب تقدير قامت به مجموعة من الباحثين الأمريكيين والعراقيين لكلية بلومبرج – جامعة جون هوبكنز أوردته مجلة "لانست" الطبية علي الانترنت وأورد البحث أن 601ألفا قتلوا بأسباب عنف مباشرة نصفهم من إطلاق نار والباقي بسبب أمراض وأوبئة ناتجة عن الاحتلال. حتي الحرب العراقية الإيرانية في عهد الرئيس السابق صدام حسين كان العراق هو المعتدي ووقف الكثير من الشرفاء ليعلنوا هذا الأمر كما أن العراق كان مدعوما وقتها من دول الخليج التي سارعت بعضها إلي سرقة البترول العراقي وساهمت بشكل مباشر في إزالة النظام العراقي السابق ليجني العراق الحرب والدمار بعد الحصار الظالم.

كما أن الكيان الصهيوني هو الذي قتل الآلاف من المصريين والفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعرب واحتل أراضيهم في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان وصدًر لهم بعد الموت والدمار كل صنوف المخدرات والمبيدات والعاهرات كما ألقي علي مصر كل مسئوليات فشله في حربه الضروس ضد الفلسطينيين العزل. هذا الكيان الذي يمارس حرب إبادة جماعية وقتل بطيء "للغزاويين" علي مرآي ومسمع من العالم كله وبدم بارد من خلال حصار تشارك فيه الأنظمة العربية بالنصيب الأوفر ويجيش إعلامها الرأي العام ضد الحقوق الطبيعية في المقاومة والتي يقرها ويدعو إليه الإسلام بل والعروبة والنخوة الإنسانية وحتي المواثيق والقوانين الدولية.

لكن العجيب هو أن تتجاوز عن كل هذه الخطايا والكبائر لتحاسب إيران وسوريا علي دعمهما لحزب الله اللبناني. ثانيا: (لماذا لا ندافع عن حماس السنية؟!!) سوف اتفق مع المنادين بخطورة المد الشيعي وسأسلم لهم بمقولة البعض بأن الخطر الشيعي هو خطر أكثر فتكا من الخطر الصهيوني المحتل للبلاد وقاتل الأطفال في فلسطين ولازالت جرائمه ماثلة للأذهان وسأسلم لهم بأن الحرس الثوري الإيراني يمثل خطرا أكبر من القوات الأمريكية في الخليج وأن حزب الله يمثل خطرا أكبر مما تمثله القنبلة النووية الإسرائيلية وأكثر من الأسطول الخامس الرابض في البحر المتوسط وأن شبكة حزب الله للاتصالات أخطر من كل أجهزة التجسس الأمريكية التي تتنصت علي كل المكالمات التليفونية في العالم ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبشدة لماذا لا تقفون مع حماس السنية؟ حماس التي لا تمثل خطرا عقائديا بل هي من صلب أهل السنة والجماعة.

حماس التي لا تزال تعقد الأمل عليكم وتتشاور معكم بل وتفوض مصر في كل صغيرة وكبيرة دون أن تتخلي عن الثوابت الطبيعية التي لا تملك هي أو غيرها التخلي عنها. لماذا لا تدعم الأنظمة المذعورة من المد الشيعي حماس التي تحمي الأمن القومي المصري والعربي؟ لماذا لا تدعم الأنظمة السلفية حماس ضد قوي الاستسلام والخيانة والعمالة في رام الله؟!!!

لماذا لا يعلو صوت التيار السلفي العادي وليست السلفية الجهادية ليقف في نفس الخندق مع حماس وهي تدافع عن مقدسات المسلمين وأراضيهم؟ لماذا لا نسمع لأخوتنا وأئمتنا من السلفيين صوتا ضد المحتل الأمريكي كما نري هجومهم علي الإخوان وانتهاجهم للعمل السياسي؟

ثالثا: (الأطماع الشيعية والأطماع الأمريكية بين الواقع والخيال) الأطماع الشيعية مفترضة ومتخيلة وليس من بينها احتلال الأرض وتهجير الناس وتغيير الديموجرافيا ولكن الأحلام الصهيونية والأطماع الأمريكية هي حقائق دامغة علي الأرض وخطط مكتوبة ومدروسة وقرارات أممية وفيتو علي كل حق عربي أو إسلامي. الخطط الإيرانية في السيطرة علي السعودية ولبنان والبحرين وغيرها هي خطط صعبة المنال ومعقدة وليس هناك من دلائل قوية عليها مثل تلك الدلائل التي يعرفها كل من تابع الأحداث السياسية في العالم العربي والإسلامي.

السفير الإيراني ليس هو المندوب السامي في الدول العربية والإسلامية كما هو السفير الأمريكي الذي يجوب البلاد طولا وعرضا ويحضر احتفالات وأقداس. ليس السفير الإيراني هو الذي يأمر وينهي في العراق والسعودية ومصر وباقي دول المنطقة.

ليست إيران هي التي تتدخل في المناهج الدراسية وتغيب فريضة الجهاد في مقررات الأزهر الشريف. ليس وزير الخارجية الإيراني هو الذي يأتي إلي المنطقة فيقابل مديري المخابرات قبل أن يقابل نظرائه في الخارجية في الدول العربية "المعتدلة".

ليس الرئيس الإيراني هو الذي يكيل المديح للديمقراطية الإسرائيلية ويهاجم الأنظمة الحليفة له .. ليس الرئيس الإيراني هو الذي يمعن في إذلال القيادات العربية فلا يقابل رئيس أكبر دولة عربية إلا بعد ثلاثة أيام من وصوله إلي بلاده وليس هو الذي يحرمه من فرص الحج إلي واشنطن كما دأب علي ذلك لسنوات مديدة. علي العكس إيران تمد يدها للعرب والمسلمين وتطلب ود الدول العربية التي تنتظر الرضا الأمريكي بل وتعلن أن أي تقارب بين إيران ومصر علي سبيل المثال يتم من أجل تليين المواقف الإيرانية كما حاولت مصر مع سوريا من قبل.

الأطماع الأمريكية في بترول الخليج وفي الثروة البشرية المصرية معروفة ومحاولات أمريكا لشل حركة النظام العربي معلنة وغير خفية والانحياز السافر للعدو الصهيوني ماثل للعيان لكن كل هذا لا يعني شيئا طالما أن ماما أمريكا تدعم وبلا حدود تلك الديكتاتوريات التي تربض علي قلوبنا منذ الخمسينات حتي ولو تغيرت الوجوه كل ثلاثين أو أربعين سنة. إن عدونا ليس إيران بل هو أمريكا وإسرائيل وإذا لم نعرف هذا فعلينا أن نستعد للأسوء.

رابعا: (هل من حق مصر والسعودية الاعتراض علي المد الشيعي؟!!!) الواقع الأليم الذي نعيشه يؤكد أن مصر والسعودية تحديدا لا يحق لهما الحديث عن المد الشيعي لأن ضرب العراق تم بتحريض سعودي علي العراق وكذلك من خلال خدمات مصرية أقلها تسهيل عبور القطع البحرية الأمريكية من القناة وناهيك عن التعاون المصري بتسريب معلومة خاصة بالمعامل البيولوجية المتنقلة التي استندت إليها أمريكا مع العرض الهزلي للشاحنات في الأمم المتحدة في مسرحية سخيفة لا تنطلي علي الأطفال لتبرير ضرب العراق ولم تحصل رغم هذا علي مسوغ قانوني من الأمم المتحدة لضرب العراق ومع هذا تعاونت دول الجوار للعراق ومصر علي توجيه الضربة القاصمة للعراق التي أدت في النهاية إلي تزايد النفوذ الإيراني والشيعي في العراق.

من قدم لإيران هذه الخدمة المجانية لا يحق له الآن أن يبكي علي السنة في لبنان إلا إذا كان سنة العراق شيء وسنة لبنان من عجينة آخري. ثم هذه التصريحات المتسرعة من رئيس الدبلوماسية المصرية والتي كثيرا ما تحرج مصر وشعبها عن الهلال الشيعي وحكم إيران للبنان تنم عن جهل حقيقي بطريقة معالجة الأمور لكن صمت أبو الغيط علي الفجور والعنجهية الإسرائيلية علي الحدود المصرية والاستعلاء الأمريكي حتي علي الرئاسة المصرية بجعلها أخر محطات الرئيس الأمريكي والبقاء فيها سويعات قليلة ومقابلة الرئيس المصري في مقر أقامة بوش رغم أن اللقاء في مصر والتشاغل عن خطاب مبارك في افتتاح منتدي دافوس بمشاهدة الشعاب المرجانية ومداعبة الحيوانات ربما هذا ما يدفع أبو الغيط لهذه العنترية عملا بالمثل القائل "أسد عليً و..." الخلاصة أن من قتل السنة في العراق بدم بارد ليس جديرا بالدفاع عن السنة في لبنان لكن يبدو أن المسألة ليست مسألة سنة وشيعة ولكنها تعني التواجد علي نفس الجانب الذي تتواجد فيها أمريكا وللأسف إسرائيل.

خامسا: (هل ما يحدث في لبنان صراع سياسي أم طائفي؟) لقد تم التركيز علي الصراع في لبنان بين الأكثرية والأقلية علي أنه صراع طائفي علي الأقل من جانب الدوائر الرسمية في مصر والسعودية ومن خلال وسائل الإعلام الرسمي من الجانبين كما أنضم إلي ذلك التصنيف بعض التيارات السلفية التي تري في الشيعة الخطر الأكبر وربما أكبر من الخطر الصهيوني والأمريكي فهل الصراع في لبنان صراع طائفي بين الشيعة والسنة؟ وهل يمثل تيار المستقبل التوجه السني الذي تنحاز إليه تيارات سلفية؟ لا أعتقد أنها تري في الحريري ورفاقه جنبلاط "الدرزي" وجعجع والجميل "المسيحيين" وغيرهم مثالا يحتذي للسنة؟

الغريب أن لبنان دولة مختلطة الأجناس والديانات حيث يشكل فيها العرب من لبنانيين وفلسطينيين 90% من السكان والباقي من الأرمن والآشوريين والأكراد كما يوجد بها تقريبا كل النحل والأديان الموجودة في العالم. ويمثل المسلمون 62% من سكان لبنان مقسمة علي النحو التالي (54.5 % شيعة – 34.1 % سنة – 11.4 % دروز) كما يمثل المسيحيون 38% من السكان مقسمة علي النحو التالي (76.8 % موارنة – 17.26 % روم أرثوذكس – 11.63 أرمن) هذه الفسيفساء المختلفة تجعل من لبنان ضعيفا شديد الضعف كما تعطيه قوة غير عادية وتجعل من السيطرة عليه من قبل أي طرف مسألة غاية في الصعوبة والتعقيد كما أنها تفتح الباب أمام التدخل الأجنبي في شئونه من جانب قوي إقليمية وخارجية.

والواقع الحالي يؤكد خروج لبنان من المأزق الطائفي إلي الصراع السياسي لعدة أسباب منها ذكريات الماضي القريب الأليم المتمثلة في الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975 ولم تنته إلا باتفاق الطائف ولا يريد أي طرف في رأيي خصوصا حزب الله حيث أنه هو الطرف المسلح الوحيد في لبنان نظرا لخصوصية الجيش اللبناني لا يريد أن يبدو في مظهر الساعي إلي جر البلاد إلي حرب أهلية جديدة لأسباب كثيرة منها مظهر المجاهد والمنتصر في الحروب الأخيرة مع العدو الصهيوني في مايو 2000 وأغسطس 2006 وحتي في الصراع الأخير رغم توجيه السلاح لأول مرة للداخل لكن بحساب أن السلاح لابد وأن يدافع عن السلاح علي اعتبار أن الهجمة تمت من الحكومة أولا علي سلاح حزب الله وطوق نجاته ونجاة قادته السياسيين والعسكريين من خلال القرارات الخاصة بشبكة الاتصالات.

وليس الصراع في لبنان الآن صراعا طائفيا حيث أن من مكونات المعارضة الرئيسية الآن التيار الوطني الحر برئاسة ميشيل عون وهو ما يمثل المرجعية لأكثر من نصف مسيحي لبنان كما أن الجماعة الإسلامية في لبنان (الإخوان المسلمين بزعامة فيصل مولوي والداعية يكن) هم من أنصار المعارضة. كما أن جزءا من الطرف المسيحي الفاعل أراد الحرب الأهلية السابقة في لبنان أن تكون بين المسلمين والمسيحيين ولكنه الآن وبعد أن انتف هذا التوجه يريد أن يجعلها قومية بين اللبنانيين وبين السوريين.

أنا هنا لا أنكر أن هناك دورا سوريا وأخر إيرانيا وإلا من أين يأتي الدعم العسكري لحزب الله والدعم المالي ولكن هل يرغب المسلمون السنة في السعودية ومصر تدخلا أمريكيا وفرنسيا ولا يريدون تدخلا سوريا إيرانيا؟ إن الصراع قد يتم اختزاله في صراع بين أجندة أمريكية وصهيونية برعاية مصرية سعودية للأسف وبين أجندة سورية إيرانية لكن حزب الله وحلفاءه ليسوا دمي يتم تحريكها من طهران ودمشق بل ربما يكون هذا الوصف أكثر دقة علي قوي الأكثرية التي كانت تلتقي بوزيرة الخارجية الأمريكية بالقبلات بينما القنابل الأمريكية تقتل الآلاف من اللبنانيين في الجنوب كما أن كل قرارات الحكومة تتم بالتنسيق مع الأمريكان ومجلس الأمن وفرنسا وهذا أمر غير خاف علي أحد.

إن أسهل شيء هو أن تتحدث عن صراع عقائدي بين الشيعة والسنة أو بين المسلمين والمسيحيين لكي تؤجج القلوب وتشعل النار في الهشيم لتقضي علي الأخضر واليابس فهل هذا ما تريده مصر والسعودية؟ هل تريد مصر والسعودية وربما أمريكا وإٍسرائيل حرمان حزب الله والقوي الشيعية من الزهو بانتصاراتها علي أمريكا وإسرائيل والقوي الغربية؟ حيث وقف الجميع عاجزا أمام تحرك حزب الله في لبنان رغم أن المبادرة كانت في يد الأكثرية التي حركت الأحداث وأطلقت شرارتها بقرارات الحكومة وتصريحات جنبلاط عن شبكة الاتصالات (3 مايو) التي خرجت بعد أيام قليلة من محاولة إسرائيلية لإنزال جنود في مطار بيروت (28 أبريل) وكان سبب إلغاء العملية هو كاميرات وشبكة اتصالات حزب الله.

هل يمكن أن نقف مع المعسكر الصهيوني الأمريكي لمجرد الخلاف مع المذهب الشيعي مهما كان فهمنا لهذا الخلاف؟ الغريب أن البعض يريد القضاء علي الشيعة ولا يسأل نفسه لماذا لم يتم القضاء عليهم في مراحل كان السنة هم الأغلبية وعلي رأس الخلافة وكانت الدول الإسلامية كلها دولة واحدة بخليفة واحد. الأكثر غرابة هو تغييب الجانب العقائدي في الصراع مع اليهود وهو الصراع المذكور في حوالي 50 سورة من القرآن الكريم جاء فيها ذكر بني إسرائيل ثم إحياء هذا الجانب بل وتأجيجه مع الشيعة واعتبارهم الخطر الأكبر علي الإٍسلام والسبب في كل النكبات التي تصيب الأمة.

وفي ذات السياق تسمح هذه الدول بحملات تبشيرية علي أراضيها وتسمح للأمريكان بالعبث بمناهجها الدراسية وتسلم بعض من أعتنق الإسلام إلي الكنيسة وهي غير ذات صبغة قانونية لاستلام الأفراد حتي لو عادوا إلي المسيحية ...تلك الأنظمة التي تحارب الإسلام ليل نهار وتعتبره إرهابا فتهاجم الحجاب واللحية لأنها مظهر من مظاهر الالتزام الإسلامي وتسمح في وسائل إعلامها وقنواتها الثقافية المختلفة بالإساءة إلي الدين والصحابة وتطبع علي حساب الدولة وميزانيتها كتب تهاجم الصحوة الإسلامية وتسمح الرقابة فيها بمشاهد للشذوذ وبأفلام تدافع عن الشذوذ تحت ذريعة الحرية والإبداع لكنها فجاءة ارتدت هذه الأنظمة عباءة السلفية لتهاجم المد الشيعي ومشروع الهلال الخصيب.

سادسا: (الشيعة وصلاح الدين ودروس مستفادة) الواقع الحالي يشابه كثيرا الواقع الذي عاشه صلاح الدين الأيوبي فالخطر الصليبي والتتري كان قائما وكذلك كان هناك خلافة شيعية في مصر خرجت علي الخلافة العباسية السنية وكانت هذه الخلافة أشد خطرا وفتكا لأهل السنة من أي وقت أخر حيث كانت قراءة صحيح البخاري جريمة ومع ذلك فقد رضي صلاح الدين أن يكون وزيرا "للعاضد" الخليفة الشيعي في مصر بل وحارب تحت رايته الصليبين سنينا لأنه كان يفهم فقه الأوليات وانظر إلي التعاون بين السنة والشيعة حيث استنجد العاضد الخليفة الشيعي بحاكم الشام نور الدين زنكي مما فتح الباب لمجيء صلاح الدين إلي مصر وتوليه الوزارة.

لكن انظر معي لمنهج صلاح الدين الإصلاحي لتحويل مصر من المذهب الشيعي إلي المذهب السني ولفقهه رضي الله عنه وعلمه وزهده فقد فهم معني التعددية والرأي الآخر وقابل الرأي بالرأي والسيف بالسيف سواء كان ذلك مع السنة أم الشيعة فقاتل من خرج علي نظام الدولة وخذل الإسلام وتعاون مع الأعداء بغض النظر عن مذهبه كما لم يأخذ أحد بعقيدته ولكن بجريرة عمله وانظر معي إلي الإجراءات التي قام بها صلاح الدين :

1. إنشاء مدرستي الناصرية لتدريس الفقه الشافعي الذي كان شديد التحمس له والقمحية لتدريس الفقه المالكي من أجل نشر المذهب السني.

2. عزل القضاة الشيعة وعين ثلاثة قضاة من السنة.

3. سور الأسوار وبني القلاع من أجل نشر الأمن كما عمل علي استقرار النظم الإدارية لراحة الناس.

4. استحدث منصب نائب السلطان كما أنشاء دواوين للمالية والإنشاء والجيش والأسطول.

5. أبدي اهتماما شديدا بالوضع الاجتماعي والتخفيف من معاناة الناس وألغي الضرائب علي الحجيج الذين يمرون بمصر كما خصص مسجد ابن طولون للفقراء والذين ليس لهم مأوي.

6. صلاحه الشخصي والنفسي وزهده وورعه مما جعله مثالا يحتذي للرعية وصعب من مهمة الخروج عليه. والملاحظ لفترة حكم صلاح الدين يجد عدم انتشار فكرة التكفير بين المذاهب كما يلاحظ أنه لم يلغ الدعاء للخليفة العاضد خشية وقوع الفتنة ولم يفعل ذلك إلا حال تعرض العاضد للمرض الشديد وبتوصية مؤكدة من جانب نور الدين زنكي وبدأ وقتها الدعاء للخليفة العباسي ويروي "ابن شداد" كاتب صلاح الدين ومؤرخ سيرته أنه حزن (أي صلاح الدين) حزنا شديدا عندما مات العاضد وندم علي قطع الدعاء له في الخطبة وقال لو علمت أنه يموت في مرضه هذا لأخرت ذلك إلي بعد وفاته كما سار في جنازته وتلقي العزاء فيه وأنفذ وصيته بإكرام أبنائه كما طلب منه العاضد قبيل وفاته وانظر إلي الخليفة الشيعي وهو يوصي صلاح الدين دون الناس جميعا بأولاده وكذلك وفاء صلاح الدين بالوصية وإكرامه معاملة أولاد العاضد بعد وفاته.

هكذا سار صلاح الدين في دربه الإصلاحي فأغلق الجامع الأزهر أربع سنوات لكي يقضي علي التشيع ومظاهر البدع والخرافات التي سرت إلي أهل مصر تحت عباءة حب أهل البيت الذين هم براء من التشيع وما يصاحبه من معتقدات بالية وخرافات وتطاول علي الصحابة الكرام ووضع لأحاديث وما شابه. قضي صلاح الدين علي التشيع في مصر دون نقطة دم واحدة ونشر المذهب السني وساد العدل خلال ثلاث سنوات تتعجب كيف تحولت مصر ومن حولها الأمة الإسلامية من النقيض إلي النقيض فكان النصر المبين حليف المسلمين الموحدين أهل الحق والإيمان ... هكذا يجب أن ندير الأمور ونفهم أن لا فائدة من الصراخ والتكفير ولنع الدسائس التي تدبر لنا ليس فقط بالليل بل بالليل والنهار من أعداء الأمة.

فصل الخطاب أنني هنا لا أدافع عن أهل البدع والخرافات أو عمن يسيء ويتطاول علي أم المؤمنين عائشة وعلي أصحاب رسول الله الكرام الصالحين أصحاب السبق للإسلام المجاهدين العلماء الذين هم خير رجال الأمة والذي لا يملك أي منا أن يكون له مد ذراع من عطائهم وإخلاصهم فقد أختارهم الله دون غيرهم لصحبة النبي الأكرم خاتم الأنبياء والمرسلين فتحلقوا حوله في المسجد وفي ميدان الجهاد في حلقات من النور الألهى والنعمة الربانية وحملوا الرسالة من بعده فكانوا خير خلف لخير سلف ولكني أريد أن نعي المخاطر التي حولنا وألا نقف نحن أهل السنة والجماعة من السلفيين وغيرهم في نفس الجانب الذي تقف فيه أمريكا والصهاينة نعرف حساسية الموقف نتوحد لأن عدونا واحد ولكن في نفس الوقت علينا أن نكون مستعدين لبذل كل جهد لنشر الإسلام الصحيح المعتدل الوسطي الذي نادي به المصطفي عليه السلام ولا ننشغل بصراعات فرعية ليس أوانها الآن.

وليعلم الجميع أن الصدام مع الشيعة - الصدام الحقيقي - سيكون بين الإخوان المسلمين والتيار السلفي المستنير من جهة وبين الشيعة من جهة أخري لأن كليهما يحمل مشروعا للخلافة مشروعا سنيا ومشروعا شيعيا ليس بالضرورة صداما عسكريا لكن يجب أولا أن نقضي علي عدونا المشترك وهو ليس فقط أمريكا وإسرائيل بل هو الديكتاتورية والفساد والبعد عن الله فليس هذا حال الأمة المجاهدة. اللهم أرزقنا بحفيد لصلاح الدين يفهم الأمر كما فهمه صلاح الدين لنحرر معه الأقصي ولنقضي معه علي أسطورة أمريكا والغرب ويعود للإسلام شبابه فينعم العالم كله بالعدل بعد الجور وبالحرية بعد العبودية وبالرخاء بعد الفاقة.

** كاتب ومحلل سياسي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.