وزير الكهرباء يعلن الموعد النهائي لانتهاء أزمة تخفيف الأحمال (فيديو)    مصطفى عمار: الرئيس السيسي أمين وصادق ولا يفعل شيئا إلا من أجل بناء دولته    جهاز دمياط الجديدة يشن حملات لضبط وصلات مياه الشرب المخالفة    اغتيال قياديين بحركة حماس في الهجوم على رفح الفلسطينية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترف بسقوط مدنيين غير متورطين في قصف رفح الفلسطينية    المرصد الأورومتوسطي: مجزرة رفح دليل تجاهل الاحتلال قرار محكمة العدل الدولية    اللجنة الوزارية العربية على رأسها مصر تنجح في تغيير دفة أوروبا تجاه فلسطين.. المجموعة تفرض حصارًا دبلوماسيًا ضد تل أبيب يتكلل باعتراف 3 بلدان أوروبية بدولة فلسطين.. والقاهرة تحول إسرائيل لدولة منبوذة عالميًا    كولو توريه: حسام حسن لديه الشغف.. والأهلي يتسم بهيكل منضبط    مارسيل كولر يكشف سبب عدم حبه للقب "جدي"    أول تعليق لمهاجم إنبى بعد انضمامه لمنتخب مصر    "كولر يكشف كواليس قرار الاعتماد على كريم فؤاد بدلاً من معلول    مباي نيانج يقود إمبولي للبقاء وسط كبار الدوري الإيطالي في الثواني الأخيرة للموسم    كم باقى على إجازة عيد الأضحى 2024؟ وموعدها للقطاع الخاص والعام    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    كان في حالة تعفن.. دفن جثة شخص عثر عليه ميتا داخل شقته في أبو النمرس    خبير اقتصادي ل قصواء الخلالي: الوافدون سبب رئيسي في زيادة التضخم    فنانة تحتفل مع طليقها بعيد ميلاد ابنتهما وياسمين صبري جريئة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    فلسطين حاضرة.. انطلاق مهرجان الطبول بمشاركة 30 فرقة عالمية - (صور)    أستاذ اقتصاد ل قصواء الخلالي: عدم التصنيف القانوني للوافدين يمثل عبئا على الاقتصاد    علي جمعة يوضح معنى العمرة وحكمها وشروط وجوبها: آثارها عظيمة    أمين الفتوى: يجوز التيمم للغسل والوضوء رغم وجود الماء في هذه الحالة    «القاهرة الإخبارية»: دخول 123 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبر كرم أبو سالم    مذكرة شرح الكيمياء العضوية للصف الثالث الثانوي 2024 بمدارس اللغات    إيطاليا ترفض استخدام أوكرانيا لأسلحتها ضد أهداف في الأراضي الروسية    الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف قياديين من القسام جراء غارات على رفح الفلسطينية    أوراق مزورة.. نقابة المحامين تكشف سر تأجيل القيد بالفترة الحالية    «ماكرون»: فرنسا وألمانيا سيدعمان كييف حتى النهاية    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بمستهل التعاملات الصباحية الإثنين 27 مايو 2024    من قرب عيد الأضحى.. "التموين" تزف بشرى سارة عن الأسعار    "فرحة العيد تقترب".. تعرف على موعد عيد الأضحى المبارك في الجزائر 2024    منوم ومشنقة.. سفاح التجمع يدلي باعترافات تفصيلية عن طريقة التخلص من ضحاياه    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «هتشوفوا فصول السنة الأربعة»    يونيو القادم.. "تعليم المنيا" تستعد لانطلاق ماراثون الثانوية العامة    عيار 21 بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم الإثنين «بيع وشراء» في مصر بالمصنعية    وزير الكهرباء: اعتذر للشعب المصري عن أي ضيق من انقطاع التيار ونعمل على تقديم الحلول    أخبار 24 ساعة.. التعليم: أى طالب يتورط فى تسريب أسئلة الامتحانات يُضبَط خلال 5 دقائق    ليلة وداع تشافي.. برشلونة يختم «لا ليجا» بالفوز على إشبيلية    قطاع المتاحف: طريقة عرض الآثار بمعارض الخارج تتم من خلال لجان مشتركة    خبيرة: اللاجئون يكلفون الدولة اقتصاديا ونحتاج قواعد بيانات لهم دقيقة ومحدثة    رئيس جامعة المنصورة: أجرينا 1100 عملية بمركز زراعة الكبد ونسبة النجاح تصل ل98%    وزير الشباب يشهد حفل ختام النسخة ال 12 من مهرجان ابداع    تعرف على نتائج مباريات اليوم بمنافسات تحديد المراكز ببطولة إفريقيا لكرة القدم للساق الواحدة    وزير الرياضة يهنئ منتخب رفع الأثقال البارالمبي بحصد 9 ميداليات في كأس العالم    بالتفاصيل.. تعرف على خطوات أداء مناسك الحج    مفاجأة..أطعمة تغنيك عن تناول البيض واللحوم للحصول على البروتين    تعرف على أسباب الإصابة بنزلات البرد المتكررة حتى في فصل الصيف    وكيل صحة الإسماعيلية تحيل عددا من العاملين بوحدة أبو جريش الصحية للتحقيق    قافلة طبية مجانية بمركز التل الكبير بالإسماعيلية ضمن "حياة كريمة".. غدا    تعاون مشترك بين «قضايا الدولة» ومحافظة جنوب سيناء    الإفتاء: الإسلام أكرم المرأة وشدد على تحريم التحرش أو التعرض لها بأذى    "تطوير مناهج التعليم": تدريس 4 لغات أجنبية جديدة في المرحلة الإعدادية    رئيس «الرقابة والاعتماد» يبحث مع محافظ الغربية سبل اعتماد المنشآت الصحية    «شاب المصريين»: الرئيس السيسي أعاد الأمل لملايين المواطنين بالخارج بعد سنوات من التهميش    وزير الأوقاف يلتقي بالأئمة والواعظات المرافقين لبعثة الحج    احصل عليها الآن.. رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 الترم الثاني في جميع المحافظات    عضو "مزاولة المهنة بالمهندسين": قانون 74 لا يتضمن لائحة    وزير الري: تحسين أداء منشآت الري في مصر من خلال تنفيذ برامج لتأهيلها    العمل: استمرار نشر ثقافة السلامة والصحة المهنية في المنشآت بالمنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عروبة العراق.. مسؤولية قومية / مصطفى الفقي
نشر في محيط يوم 04 - 11 - 2008


عروبة العراق.. مسؤولية قومية
مصطفى الفقي
غابت عن ذهن الكثيرين تلك النتائج الخطيرة التي ترتبت على ما جرى في العراق خلال السنوات الأخيرة، فالعراق بلدٌ عربيٌ كبير يحوي جزءاً ضخماً من تراث الحضارة العربية الإسلامية، فهو البلد الذي انطلقت منه طلائع الازدهار الفكري والثقافي في ظل حكم العباسيين كما أنه كان دائماً طليعةً في النماء والازدهار والتألق. وعلى رغم هويته المتميزة وشخصيته التاريخية الخاصة فإن الشعب العراقي لم يكن أبداً سهل القياد بل كان دائماً شديد المراس قوي التأثير، امتلك الأرض الخصبة والأنهار الجارية والنفط المتدفق والعنصر البشري المتميز.
وكنَّا ندرك دائماً أن ربع سكانه على الأقل ينتمون إلى قوميةٍ أخرى تجاورت مع العرب تحت رايات الإسلام بحيث امتزجت الثقافتان عبر التاريخ، حتى أن الكثيرين من أعلام العرب كانوا ينتمون إلى أصول كردية بدءاً من القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي مروراً بأمير الشعراء أحمد شوقي وصولاً إلى صاحب «العبقريات»، عباس العقاد. إنه العراق ذلك الشعب الأبيُّ القوي الذي دفع من دماء أبنائه فاتورةً غالية كادت تعصف بالمنطقة كلها وتزلزل الاستقرار فيها.
ولعل ما يدفعني إلى كتابة هذه السطور هو خوفي على «عروبة العراق» وحرصي على أن يظلَّ ركيزةً قوميةً شامخة نعتز بها ونعتمد عليها. وليس خافياً على أحد أن ما حدث لم يقف عند حدود الإطاحة بحاكمٍ ديكتاتور، ولكنه تجاوز ذلك إلى تغييب العراق - الدولة والدور- عن ميزان القوى الاستراتيجي، وهو ما أغرى بها الجيران وغيرهم ليعبثوا بهوية ذلك القطر العربي الغالي وبتراثه بل ويسرقوا متاحفه وينهبوا آثاره، ولعلِّي أبسط الآن ما أوجزته في هذه المقدمة من خلال الاعتبارات التالية:
1- إن الذي يقلقني هو ذلك الإحساس الغامض بأن «عروبة العراق» مستهدفة، حتى أن الدستور الجديد الذي صدر في ظل الاحتلال يشير فقط إلى أن العراق بلدٌ مؤسس في جامعة الدول العربية. وهذه الإشارة لا تكفي فلا يوجد نصٌ واضح يعكس الحقيقة ويقرر أن العراق جزءٌ لا يتجزأ من أمته العربية. فالعراق شارك في كل حروب أمته ودافع عن أرضها وسعى للحفاظ على استقلالها. أما مجرد الإشارة إلى مشاركته في قيام «جامعة الدول العربية» فذلك تعبيرٌ وصفي لا يوضح الالتزام العربي الكامن في ذلك الشعب الشقيق، فأنا أظنُّ مثلاً أن بريطانيا العظمى كانت هي الأخرى دولةً معنية بتأسيس «جامعة الدول العربية» لأسبابٍ استعمارية لا صلة للبعد القومي بها أو للمصلحة العربية فيها.
2- إن الوجود الإيراني في العراق تزايد بشكل ملحوظ بعد سقوط نظام صدام حسين وهو وجود له تاريخه الثقافي والاجتماعي، بحكم الجوار الجغرافي والارتباط الروحي، ولا شك أن الولايات المتحدة الأميركية بغزوها للعراق وإسقاط النظام السابق فيه، وقبل ذلك أيضاً إطاحتها نظام «طالبان»، أعفت الدولة الإيرانية من مشكلة حقيقية على حدودها الشرقية ونظامٍ شرس على حدودها الغربية، لذلك تفرغت الديبلوماسية الإيرانية بعد ذلك للدفاع عن برنامجها النووي والدخول مع الغرب في مواجهة شاقة من موقع أفضل مما كانت عليه قبل ذلك بسنوات.
3- إن هناك أحاديث تتردد وشائعات تدور حول كثافة الوجود الإسرائيلي العلني والمستتر داخل الخريطة العراقية، خصوصاً في بعض مناطق الشمال وعن طريق العائلات اليهودية من أصلٍ عراقي. كما أن إسرائيل لا تنسى أن العراق كان شوكةً في حلقها وحربةً في ظهرها، لذلك فإنها هي التي طلبت من الولايات المتحدة الأميركية وبإلحاحٍ خبيث واتصالاتٍ سرية القضاء الكامل على الجيش العراقي والاستخبارات العراقية والشرطة ومؤسسات الدولة المهمة بدعوى تطهير البلاد من بقايا نظام صدام واجتثاث جذور البعث من الأرض العراقية، بينما الهدف الإسرائيلي الحقيقي هو القضاء الكامل على الثقل الاستراتيجي للدولة العراقية، لدولة ما بين النهرين، حتى خرجت أصواتٌ عراقية بعد ذلك مثل النائب مثال الألوسي تمهد لقيام علاقاتٍ ديبلوماسية بين إسرائيل و «العراق الديموقراطي» كما يتصورونه.
4- يمثل التهديد التركي للعراق بدعوى تعقب فلول عناصر «حزب العمال الكردستاني» نوعاً من الاستهانة بسيادة العراق وانتهاك مقدساته، حتى أن مسألة كركوك - على سبيل المثال - عكست هي الأخرى نوعاً من المواجهة التركية الكردية على الأرض العراقية، ولا شك أن الغرب والولايات المتحدة الأميركية تحديداً يدفعان بالوجود التركي إلى الأمام لا لأن «تركيا» دولة في حلف الأطلسي فقط، ولكن أيضاً لأسبابٍ أخرى تتجاوز ذلك باعتبارها دولة سنية قد يؤدي تأثيرها في العراق إلى نوعٍ من التوازن مع الوجود الإيراني فيه، وهذه بالطبع نتيجة غير مبررة لا تدعمها بالضرورة أسانيد من المنطق والواقع.
5- إن اللعبة الخبيثة لتقسيم العراق طائفياً بين سنّة وشيعة أدت إلى نتائج مدمرة لا على العراق وحده ولكن أيضاً على وحدة العالَمَين العربي والإسلامي، إذ أن شيعة العراق عربٌ أصليون سبق تشيعهم دخول المذهب الشيعي إلى إيران بعدةِ قرون لذلك فإن عروبتهم الخالصة ليست محل جدل سواء كانوا في العراق أو الجزيرة العربية أو المشرق العربي خصوصاً لبنان وسورية، لا أرى فوراق مقنعة على الإطلاق بين طائفتين إسلاميتين تعبدان الله سبحانه وتعالى وتؤمنان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتسلِمان بالنص الروحي المقدس (القرآن الكريم).
6- إن الدور العربي الغائب بفعل بعض الأحداث الدامية أدى هو الآخر إلى ترك الساحة لمن يمرحون فيها ويعبثون بمستقبل العراق معتبرين أن العروبة قضية وهمية ذات بعدٍ تاريخي يربط بين الماضي والحاضر ولا يؤسس بالضرورة للمستقبل، والرد على هذا أن مستقبل العراق محكومٌ بأطرٍ أخرى لا تقف عند حدود العروبة وحدها، فنحن نؤمن بالتعددية فيه ونقبل الفيديرالية له ولكننا لا نتصوره منقسماً على نفسه مهددة عروبته مطموسة هويته غائبةٌ أجندته.
7- على رغم أننا ممن يطالبون بتقوية العلاقات بين طهران والعواصم العربية ويؤمنون بأن الوجود الإيراني إضافةٌ لأمته الإسلامية ودعمٌ للقضايا العربية خصوصاً الصراع العربي الإسرائيلي، لذلك لا يجب النظر إليها باعتبارها خصماً للعروبة، إلا أننا نرى في الوقت ذاته أن لدى الإيرانيين أجندة لا تخفى على أحد - وهذا ليس عيباً فيهم ولكنه حقٌ لهم ولغيرهم - وتتلخص تلك الأجندة في ما روي عن الإمام الخميني إثر عودته من منفاه في باريس لاستلام القيادة الروحية والسياسية في إيران إذ قال «لقد قاد العرب النظام الإسلامي لقرون عدة»، وهو يشير بذلك إلى عصر الخلفاء الراشدين والدولتين الأموية والعباسية، «كما قاد الأكراد الأمة الإسلامية» في إشارة إلى نضال الناصر صلاح الدين من أجل تحرير القدس وهزيمة الصليبيين تحت رايات الدولة الأيوبية، «كما قاد الأتراك الدولة الإسلامية الواحدة لعدة قرون أيضاً، في ظل حكم سلاطين «آل عثمان»، وحان الوقت لكي يقود «الفرس» أمتهم الإسلامية بعد طول انتظار. وعبارة الإمام الخميني - إن صحَّت - تعكس إلى حدٍ كبير الطموحات الإيرانية والأهداف التي تسعى إليها طهران والغايات التي تستهدفها من تحركها الإقليمي والدولي، وأنا - بالمناسبة - لا أرى في إيران خصماً حقيقياً بل أرى أن الدولة العبرية هي التي تمثل الخطر الحقيقي على الأمة العربية الإسلامية وليست الأجندة الفارسية مهما اشتد غموضها وتأكد تأثيرها، لأننا تعلمنا أن هناك دائماً بضاعة زائفة في سوق الحياة السياسية ولابد أن نقوم بعملية فرزٍ مستمرة للتمييز بين الخطر والأكثر خطورة.
هذه اعتباراتٌ سبعة أردنا منها أن نحدد الإطار النظري للعلاقات العراقية العربية والإسلامية، ولا يخفى على أحد أن إيران بلدٌ مركزي ومحوري يستحق أن يكون لاعباً أساسياً في المنطقة، ولكن ذلك لا يحرم بأي حالٍ من الأحوال الآخرين من حقهم في أن يكونوا شركاء في رسم مستقبل المنطقة وتحديد ملامحها. لذلك تقاطر المسؤولون العرب على العاصمة العراقية في الشهور الأخيرة، يعيدون الصلات المقطوعة ويستردون الرؤية الغائبة ويعززون التواجد العربي في عاصمة الرشيد وغيرها من المناطق العراقية الآمنة.
ونحن لا نستطيع أن نتهم أحداً بأنه يعمل ضد الآخر، ولكن صراع الأجندات هو الذي يؤدي أحياناً إلى مواجهاتٍ عابرة، وليس لدي شك في أن الذين قتلوا السفير إيهاب الشريف رئيس البعثة المصرية في بغداد هم أنفسهم الذين هددوا سفير البحرين وحاولوا الاعتداء على عدد من الديبلوماسيين العرب في بغداد، لتخويفهم وإرهابهم في إشارةٍ غير مفهومة تسعى لضرب الوجود العربي في العراق والتشكيك في هويته والطعن في قوميته، وهو أمرٌ يؤثر سلباً على واقع الأمة العربية ومستقبلها، لذلك فإننا ندق ناقوس الخطر مطالبين بتعزيز عروبة العراق وتأكيد شخصية ذلك الشعب الصامد الذي التقت على أرضه الثقافات وتتابعت الحضارات وكانت ولا تزال وستظل عروبته قضيةً محسومة على رغم كثرة المؤامرات وتداخل الأجندات وتأخر الأشقاء!
عن صحيفة الحياة
4/11/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.