لم تسلم «الأهرامات وأبوالهول» من فتاوى التضليل التى تصدر بين الحين والآخر من بعض الدعاة الذين لا يدركون الفهم الصحيح للإسلام وأحكامه. وتحت مزاعم تحطيم الأصنام والأوثان التى تعبد من دون الله خرجت بعض الفتاوى التى تطالب بهدم الأهرامات والتماثيل بدعوى أن المسلمين مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع الحكيم التى تشمل إزالة الأصنام، كما حدث فى أفغانستان. تلك الفتاوى التى يمكن أن يطلق عليها فتاوى الجاهلينةكانت لها آثار سلبية على حركة السياحة ونسبة الحجوزات، وأجهضت محاولات عودة الحركة السياحية إلى معدلاتها الطبيعية. كما هاجم علماء الأزهر مطلقى تلك الفتاوى، مؤكدين أنها تنم عن جهل بعلوم الدين وأحكامه ومقاصده، بينما عبر الأثريون عن غضبهم وحذروا من المساس برمال المنطقة الأثرية للأهرامات. ومن جانبه كشف هشام زعزوع وزير السياحة ل «أكتوبر» أن بعض العاملين بالوزارة قاموا برفع دعاوى قضائية ضد الشيخ مرجان سالم الجوهرى الذى دعا إلى هدم الأهرامات وطلبوا المساندة من الوزارة، حيث تقرر تقديم الخبرات القانونية من قبل المستشار القانونى لوزارة السياحة. وأعرب زعزوع عن استيائه من تداول تلك التصريحات غير المسئولة، الأمر الذى يصوره الإعلام الخارجى وكأننا نخرج من عباءة القرن الحادى والعشرين، مشيرا إلى أن 26% من الشعب المصرى لا يقرأون؛ و40% تحت خط الفقر، وهناك للأسف من يسمع منهم هذه التصريحات دون أن يدرى مدى صحتها. وأكد الوزير على أن الأهرامات ليست ملك مصر وحدها بل ملك العالم كله باعتبارها تراثا إنسانيا، ونحن مطالبون بالحفاظ عليه، وهو ما لا يعيه بعض الدعاة والشيوخ، وطالب الأجهزة الأمنية بتكثيف الحماية والحراسة لمنطقة الأهرامات والمناطق الأثرية حفاظا على كنوز مصر. واختتم وزير السياحة هشام زعزوع تصريحه ل «أكتوبر» مشيرا إلى تلقيه العديد من الاتصالات والرسائل من منظمى الرحلات ومديرى مكاتبنا من الخارج عبروا فيها عن قلقهم البالغ من هذه التصريحات. ومن جانبه استنكر إلهامى الزيات رئيس الاتحاد المصرى للغرف السياحية التصريحات التى تداولها الشيخ السلفى متسائلا:هل من المعقول أن يزايد على رسالة سيدنا عمر بن الخطاب حين جاء عمرو بن العاص لفتح مصر، ووجد هذه الأهرامات والتماثيل ولم يقم بتحطيمها ولم يطالبه سيدنا عمر بن الخطاب بذلك، وكيف أعطى لنفسه الحق فى تحطيم تراث مصر الذى يرجع إلى حضارة 7 آلاف سنه،ويحظى باهتمام واحترام العالم أجمع.. بل إن الأهرامات تعد واحدة من أهم عجائب الدنيا السبع، وهذا التراث يتوارثه الأجيال منذ 7 آلاف عام، وكيف يريد أن يهدم مصدر دخل ل 90 مليون نسمة. ومن المعروف أن الحرية هى عدم المساس بحرية الآخرين، وكشف الزيات أنه تلقى العديد من الاتصالات لمنظمى الرحلات الأجنبية يتساءلون: هل مصر أصبحت مثل قندهار؟.. وأعربوا عن استيائهم من هذه التصريحات التى لابد أن تضع لها الحكومة عقوبات رادعة وأن تواجه كل من يقوم بتشويه معالم مصر ووضع قانون لهذه الفئة من صاحبى الفتاوى المغرضة التى تسىء إلى سمعة مصر وتؤثر بالسلب على صناعة السياحة التى تعد العمود الفقرى للاقتصاد المصرى والدخل القومى. وتساءل: هل يوجد فرد واحد فى العالم يعبد الأهرامات حتى يتم هدمها؟! هذا غير معقول، مشيرا إلىأن بناء الأهرامات لم يكن الغرض منه أن يكون مكانا للعبادة. ويؤكد الزيات أنه فى حالة تردد تلك الفتاوى ونشرها بشكل أوسع لا يمكن فى هذه الحالة عرض مصر كمنتج سياحى على أية شركة عالمية كبيرة. مشيرا إلى أن السياحة الثقافية فى حالة سيئة للغاية وتراجعت نسبة حجوزاتها إلى 22% قبل هذه التصريحات، ومن المتوقع أن تسوء الحجوزات أكثر فى الفترة القادمة. وحول مردود هذه التصريحات على الشركات الجالبة للسياحة إلى مصر. يقول عادل زكى رئيس لجنة السياحة الخارجية بغرفة شركات السياحة إن هذه التصريحات مجرد دعاية يتم استخدامها لقرب انتخابات مجلس الشعب متوقعا أن تتردد مثل هذه التصريحات كثيرا خلال الفترة القادمة. وأكد زكى أن الغرفة ووزارة السياحة يتصديان لهذه التصريحات عن طريق تكثيف المؤتمرات والمشاركة فى المناسبات المختلفة والتى ستكون بدايتها بالاحتفال بالعيد التسعينى لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون فى محافظة الأقصر، وذلك لبعث رسالة بأن تلك التصريحات مجرد آراء شخصية لا تمثل أطياف الشعب المصرى. وقال د. عبدالحليم نور الدين عالم المصريات ورئيس اتحاد الأثريين المصريين إن الدعوة لهدم تمثال «أبو الهول والأهرامات» لا مبرر لها وغير مقبولة، فالتراث هو جزء من ذاكرة الأمة وهذه الآثار موجودة قبل الأديان السماوية، ولا أحد يتعبد لها وأن تدمير أى أثر سيكون تدميرا للتاريخ والسياحة أيضا، وأن كل المؤرخين والرحالة المسلمين مثل «المقريزى» كتبوا عن عظمة الآثار المصرية الفرعونية، فكيف نأتى بعد هذه القرون الطويلة التى استقر فيها الإسلام فى مصر ونطرح هذه الدعوة. ويكفى أن نذكر أن عمرو بن العاص عند فتح مصر لم يأمر بهدم الآثار وذلك لأن الإسلام يحترم الحضارات. وأكد د. عبد الحليم أن المساس بالأهرامات وأبوالهول سيقابل بثورة فى العالم وأنه سيكون أول من يقود مظاهرة للرد على هذه الأفكار المسيئة للحضارة وأنه لن يسمح لأحد بالاقتراب من الهرم أو حتى تناول حفنة من رمال المنطقة. وعند حديثنا مع على الأصفر مدير عام آثار الهرم وجدناه واقفا أمام تمثال أبوالهول يحاول طمأنته بأنه لن يمسه أحد بسوء وقد بدأ كلامه لنا معترضا على تناول وسائل الإعلام لهذا الموضوع، لأن هذا يعطيه أهمية فلا يوجد أحد فى هذا العصر يعبد حجرا. وأن تمثال أبو الهول والأهرامات لم يعبدوا إطلاقا سواء قديما أو حديثا. فأبو الهول هو تمثال يجمع بين القوة والحكمة فى جسم الأسد، ورأس الإنسان وهذا ما كان يحتذى به المصرى القديم ويتمثله فى قائده، أما الهرم فقد كان الغرض من بنائه أن يكون مقبرة لدفن رفات الملك. ولو أن الذى أصدر هذه الدعوة بالهدم قرأ القرآن جيدا لوجد أن هناك آيات كثيرة تدعو لأخذ العظة والعبرة من الآثار الباقية على الأرض ومن يزر المنطقة الأثرية سيجد هذا، فأصحاب هذه الآثار العظيمة ماتوا منذ آلاف السنين بعد أن تركوا لنا هذا البناء الضخم الذى يدل على عبقرية المصرى القديم، ويكفى أن نعرف أن العمارة المصرية تدرّس فى جميع كليات الهندسة فى العالم، وللأسف فإن وكالات الأنباء العالمية قد نقلت إلى العالم هذه الدعوة بهدم الآثار مما كان له تأثير سلبى على الاقتصاد والسياحة. والخطير أن منطقة آثار الهرم هى منطقة تراث عالمى أى أنها ملك للبشرية، وهذا الكلام غير المسئول بهدم الآثار يجعلنا ندخل فى خصومة مع العالم كله الذى سيطالب بحماية هذه المنطقة الأثرية مما يؤثر على سيادة الدولة، والدليل على ذلك أنه عند تنفيذ مشروع الطريق الدائرى منذ سنوات اعترض اليونسكو لأنه كان سيقطع جبانة الجيزة الأثرية فتم تغيير مسارالمشروع. ويؤكد على الأصفر أن منطقة آثار الهرم مؤمّنة بالأسوار وشرطة السياحة والآثار، وأنه قد تم تعزيز الحراسة على تمثال أبوالهول تحسبا لأى تصرف غير مسئول. أما سيد حسن مدير عام المتحف المصرى الذى يضم آلاف التماثيل فقد أكد أنه ضد هذه الدعوة، فهذه الآثار ليست أصناما ولا تعبد، إنما هى تراث حضارى تشهد على عظمة المصرى القديم فى جميع المجالات. ويقول د. محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة إن هذه الفتوى بهدم الآثار تنم عن الجهل والأمية الدينية ولا تتطابق مع الإسلام ومع الكثير من آيات القرآن الكريم التى أشارت إلى اعتبار الآثار الباقية، إنما هى من آيات الله التى ستظل باقية إلى أن تقوم الساعة، وذلك لأخذ العظة والعبرة منها، ومن تلك الآيات قول الله سبحانه وتعالى فى سورة هود الآية رقم 100: چٹ ٹ ٹ ? ? ?? ? ? ? چ.. فالمقصود بالقائم هى الآثار الباقية القائمة فوق الأرض مثل الأهرامات، أما الحصيد فهى الآثار التى تحت الأرض ويعثر عليها علماء الآثار، إما عن طريق الحفائر وإما بالمصادفة، وهناك أيضا الآية رقم 92 من سورة يونس: چ? ? ? ? ? ڈ ڈژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کچ.. وقوله سبحانه وتعالى فى سورة غافر الآية رقم 21: چڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ھ چ . فلكى يتعظ الناس لابد من وجود الأثر، وإذا كانت هذه الآثار من التماثيل هى أصنام فلماذا لم يقم الصحابة الأوائل بهدمها عند فتحهم لمصر والعراق والشام، وغيرها من الدول، بالرغم من أنهم كانوا أقرب عهدا إلى الإسلام وأقرب عهدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسوف تقوم كلية الآثار خلال أيام بعقد مؤتمر للرد على هذه الدعوة.