ضع نفسك مكان أى أب أو أم من هؤلاء الذين تعرض أبناؤهم للقتل العنيف مساء الأحد 9 أكتوبر من العام الماضى فيما عُرف بيوم الأحد الأسود. وحاول أن تستشعر الوجع الذى يمكن أن يخلفه هذا الفقد المفاجئ لأعز من فى الوجود بالنسبة لك، واسأل نفسك هل يمكن أن تحتمل هجوم هذا الألم الذى يمكن أن يضرب قلبك فجأة ويصيب عقلك بما يشبه الجنون؟! عن نفسى أنا لا أتصور أننى يمكن – لاقدر الله – أن أحتمل شيئا كهذا، أعان الله أهالى ضحايا مجزرة ماسبيرو الذين أحصتهم لجنة تقصى الحقائق التى شكلها المجلس القومى لحقوق الإنسان فأعلنت أنهم 28 قتيلا و321 مصابا يمثلون المأساة الملموسة التى أسفرت عنها أحداث تلك الليلة. لكن هناك مأساة أخرى خفية لا تقل عنها شناعة تتمثل فى المتاجرة الإعلامية بالمأساة نفسها (الضحايا وآلام ذويهم)، وإعادة إنتاجها وتدويرها للتخديم على مصالح سياسية. (1) .. وكأنها ليست جثة الوطن تلك التى مازال يرقص عليها الخصوم السياسيون ، وأزعم أن فصائل منهم متورطة فى هذه المذبحة. والآن وبعد مرور عام على المأساة كأنه لا يكفيهم أن أحداث ماسبيرو انتهت بهذا العدد الضخم من الأرواح المزهقة وأرواح ذويهم المرهقة حزنا عليهم. وأتصور أن بعض الجناة فى هذه الليلة مازالوا يأسفون أن الحوادث لم تتطور إلى الفتنة المرجوة والمطلوبة بين المدنيين (أقباط ومسلمين) والجيش، ومازال يحرك ضغائن اللاطمين والنائحين فى إعلام الفتنة أن المجلس العسكرى بقى بعد هذا الحادث فى السلطة ولم يتركها مجبرا أو طائعا لأصحاب المشروع الغربى وثوار العلمانية الذين رأوا أنفسهم ومازالوا يتصورون أنهم المصريون الأجدر بالوصول للسلطة بعد الثورة وأنهم الأكثر تحضرا، وأن العناية غير المنظورة نذرتهم فى هذا الظرف الزمانى لإخراج عامة المصريين من ظلام الجهل والتخلف إلى نور حضارة الرجل الغربى الأبيض، متصورين أنه بعد تفجر الفوضى يمكن أن تسقط تفاحة الوطن فى حجرهم خالصة غير فاسدة أو منقوصة. (2) فى الذكرى الأولى للمذبحة رأيت شبانا وشابات.. شيوخا وعجائز أقباط يزحفون إلى المكان الذى صعدت فيه أرواح ذويهم إلى السماء، شاركتهم الأسى وتمنيت أن أجدد تعازيى لهم لولا أنى رأيت أن العزاء الحقيقى هو فى الكشف عن الجناة الحقيقيين والمتورطين فى هذا الجرم الفظيع وأنا متأكد أن هناك جهات تعرف هؤلاء الجناة وأن تقديرها للأمور أن إغلاق هذا الملف أصلح للوطن من النبش فيه، لكن ماذا عن الإعلام الكاذب الذى يصر على ترديد كذبه وتزييف الحقائق، ويتعمد فتح الجراح كلما بدا أنها تلتئم أو فى طريقها إلى ذلك؟ ويستغلون تعاطف الشعب المصرى الطيب مسلميه قبل مسيحييه مع الضحايا فى تمرير روايتهم الكاذبة الملفقة. وهو نفس الإعلام الذى سخر مما يطلق عليه الطرف الثالث وأشاع هذه السخرية بيننا، فى حين أن أحداث ماسبيرو تحديدا كشفت بما لا يدع أى مجال للشك عن وجود هذا الطرف الثالث لكن وبعد مرور عام على المأساة لا يزال من لهم مصلحة فى وقوع فتنة ماسبيرو يحاولون أن يعلقوا مسئولية ما حدث فى رقبة قادة المجلس العسكرى الذين كانوا يحكمون فى هذا التاريخ، وقبل أن نذهب إلى تقرير لجنة تقصى الحقائق عن الحادث فقط أشير إلى أنه فى الوقت الذى كانت تتحدث فيه مذيعة التليفزيون المصرى رشا مجدى عن مهاجمة البعض لجنود الجيش (وكان هذا يحدث بالفعل حسبما ذكر تقرير تقصى الحقائق الذى أشرنا إليه سابقا) كانت هناك فى نفس الوقت قنوات أخرى كثيرة أبرزها فضائية «أون تى فى» تصرخ أن المسيحيين يتعرضون للقتل والذبح وتمارس التحريض والشحن ضد جنود الجيش والمجلس العسكرى وهو ما كان يمكن أن يهيّج المسيحيين فى مصر ويثير رغبتهم فى الانتقام المضاد من إخوانهم المسلمين بسبب ما تم تصويره على أنه عنف طائفى يمارس ضدهم، ولا يقتصر الأثر على الداخل المصرى فقط بل من شأن هذا أيضا أن يهيج العالم الخارجى ضد مصالح المصريين أقباط ومسلمين، لولا أن ربنا سلم وثبت سريعا كذب ادعاءات هذه الفضائية وأشباهها على لسان شهود العيان من الأقباط أنفسهم وبيان المجمع المقدس عن الحادث الذى أشار بعبارات صريحة إلى اندساس غرباء (طرف ثالث) وسط الأقباط لإشعال المواجهة والعنف. (3) اللجنة الوحيدة المعتبرة التى تشكلت للتحقيق فى الحادث، كانت لجنة المجلس القومى لحقوق الإنسان، ولابد أن نشير هنا إلى أن الذى أمر بتشكيل هذه اللجنة المجلس العسكرى نفسه، وأن نشير ثانيا إلى أنها تشكلت من شخصيات أغلبها له موقف معلن رافض ل «العسكر» وإدارتهم للمرحلة الانتقالية، وبالتالى لايمكن التشكيك فيما صدر عن هذه اللجنة التى تشكلت برئاسة الناشطة الحقوقية وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان المحامية منى ذوالفقار وضمت فى عضويتها الدكاترة عمرو حمزاوى، وعمرو الشوبكى، وسمير مرقص والمحامى ناصر أمين، وجورج إسحاق وحافظ أبو سعدة، وقبل إصدار تقريرها النهائى قامت اللجنة بفحص كثير من الأوراق الرسمية والمكاتبات المتعلقة بالحادث، واطلعت على تقاريرالمنظمات الحقوقية حوله، وكذا تقرير إدارات المستشفيات التى نقل الضحايا من قتلى ومصابين إليها، هذا غير الشهادات الميدانية لشهود العيان وجلسات الاستماع للمصابين وأسر الشهداء، وانتهت اللجنة إلى ما يمكن أن نلخصه بدقة فى النقاط التالية نقلا عن النص المنشور فى جريدة «الوطن» بتاريخ الثلاثاء 9/10 الماضى: - بدأت الأحداث عندما وصل المتظاهرون الأقباط إلى منطقة ماسبيرو وحاولت قوات الشرطة العسكرية وقف تقدمهم نحو مبنى ماسبيرو باستخدام الدروع والضرب بالعصى الخشبية وإطلاق الرصاص الفشنك، ورد المتظاهرون بإلقاء الحجارة على الجنود. - فى نفس الوقت قامت مصادر لم يتم تحديدها بإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين مما أدى إلى سقوط 7 قتلى وعدد من المصابين. - تلقت لجنة تقصى الحقائق شهادات موثقة عن وجود قناص مسلح على مطلع كوبرى أكتوبر (خلف المتظاهرين) قام بإطلاق الرصاص على المتظاهرين والشرطة العسكرية معا وبمساعدة مجموعة من الأشخاص كانت تلتف حوله. - مدنيون يستقلون درجات بخارية بالاتجاه المعاكس لمبنى ماسبيرو أقدموا على إطلاق نار على المتظاهرين والشرطة العسكرية معا. وفيما يخص عربات ومدرعات الشرطة العسكرية جاء فى التقرير: - مجموع مركبات القوات المسلحة التى تمركزت أمام مبنى ماسبيرو كان 4 عربات جيب خلفها 3 مركبات مدرعة ومركبتان مدرعتان من حاملات الجنود، ووصف التقرير تحرك هذه العربات المدرعة نحو المتظاهرين (بعد سقوط ضحايا بين الجنود جراء إطلاق النار عليهم)، ثم أضاف الآتى بالنص:«بعض المدنيين الذين لم تحدد هويتهم قاموا أثناء الأحداث بالقفز على إحدى المركبات المدرعة التى علقت نتيجة اصطدامها بحائط خرسانى وحاول سائقها الهروب بها إلا أن المتظاهرين أمسكوا به وضربوه بعنف قبل أن يتدخل أحد القساوسة لحمايته وتسليمه للشرطة العسكرية.. بينما استقل شخص مجهول ناقلة للجنود وحاول قيادتها ثم قفز خارجا منها، مما أدى لاصطدامها بعربتى جيب من مركبات الشرطة العسكرية.. وصعد أحد المدنيين ناقلة جنود أخرى شاركت فى دهس المتظاهرين وقذف الجندى الموجود بها بحجر ضخم (فى مشهد رأيناه جميعا كان فيه الجندى يجلس فى الصندوق الخلفى وليس مسئولا عن قيادة العربة). (4) انتهى الاقتباس من التقرير الذى أكد أن الأقباط وجنود الشرطة العسكرية تعرضا كلاهما للاغتيال برصاص حى من طرف ثالث، وأن الذى استولى على ناقلات الجنود المدرعة ليدهس بها الأقباط من المدنيين وليس الجيش (طرف ثالث) وأن قسيسا أنقذ سائق العربة التى علقت بالسور بعد أن كاد المتظاهرون يفتكون به وهذا يعنى أنه فى قلب المعمعة كان هناك من يعى أن الذى يمارس القتل فى صفوف الجيش والأقباط مندسون مسلحون بذخيرة حية، وأن الجيش لم يطلق رصاصا حيا، فهل هناك إصرار بعد هذا على تعليق المأساة فى رقبة الجيش؟! والآن الشعب يريد أن يعرف الحقائق كاملة غير منقوصة، فهل يمكن للجيش أن يفصح عما لديه من وثائق حول ماسبيرو، خاصة أنه قد انقضى وقت الخوف على اهتزاز الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة الذين عادوا إلى ثكناتهم؟!