فى توقيت واحد بدأت المعركتان.. الأولى خاضتها القوات المسلحة وقصفت خلالها مواقع الإرهابيين فى سيناء بالاستعانة بطائرات الأباتشى والمدرعات وأكثر من ثلاثة آلاف جندى.. والثانية خاضها رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى وقصف خلالها عدداً غير قليل من القيادات الأمنية مستعينا بالقرارات الجمهورية التى استخدمها لإقالة هذه القيادات!.. أسباب المعركة الأولى معروفة ومعلنة.. مداهمة البؤر الإجرامية والإرهابية فى سيناء والثأر لمقتل الجنود والضباط المصريين فى رفح.. لكن أسباب المعركة الثانية لا هى معروفة ولا هى معلنة!.. هل هى صراع جديد بين العسكرى والرئاسة؟!.. هل هى استجابة لرأى عام أغضبه الحادث المأساوى الذى أطاح بكرامتنا وأبنائنا؟!.. هل هى محاولة لكسب تأييد ودعم الشارع؟!.. فى كل الأحوال الأسباب غير معروفة وغير معلنة.. وفى كل الأحوال أضيفت علامات استفهام جديدة لعلامات الاستفهام الخاصة بحادث رفح.. علامات استفهام أكثر وأكبر !.. وليس هناك شك فى أن أكبر علامات الاستفهام هى الخاصة برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء مراد موافى والذى أقاله الرئيس مرسى قبل ساعات.. رئيس المخابرات السابق قال إن مصر كانت لديها معلومات حول الهجوم الدامى الذى قامت به مجموعة مجهولة على نقطة أمنية تابعة للجيش فى شبه جزيرة سيناء قرب الحدود مع إسرائيل.. رئيس المخابرات السابق أطلق اسم جماعة تكفيرية على المجموعة المجهولة وقال إن مصر كانت تعلم أن الحادث سيقع فى رفح وتعلم أيضاً هوية العناصر المشاركة فيه.. ثم أضاف ما هو غريب وعجيب.. قال إن الحادث لا يمكن أبدا أن يكون مصدر تشكيك فى قدره الأجهزة الأمنية المصرية ويقظتها فى سيناء.. والسؤال الذى يطرح نفسه.. إذا كان كل ذلك معلوما للأجهزة الأمنية المصرية.. وفى مقدمتها بالطبع المخابرات العامة.. فلماذا لم نتمكن من إحباط هذا الهجوم الذى أكد رئيس المخابرات السابق أن وراءه جماعة تكفيرية منتشرة فى سيناء وغزة؟! الغريب والعجيب أيضاً أن رئيس المخابرات السابق أجاب عن السؤال المطروح فقال: نعم كانت لدينا معلومات تفصيلية لكننا لم نتصور أبدا أن يقتل مسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار فى رمضان (!!!).. إجابة رئيس المخابرات السابق كانت محل انتقاد كثيرين من الذين يعبرون عن آرائهم على شبكة الإنترنت.. بعضهم انتقد المعنى وبعضهم انتقد اللغة التى عبر بها رئيس المخابرات السابق عن المعنى.. كيف تصلنا معلومات بهذا الشكل ونفشل فى منع مثل هذه العملية؟!.. وكيف يعتمد رئيس المخابرات المصرى على تصوراته وليس على الوقائع الموجودة أمامه؟.. كيف «يتصور»؟!.. ولعل هذه الانتقادات كانت السبب فى مزيد من التصريحات.. التصريحات الغريبة العجيبة!. أطلق رئيس المخابرات السابق اللواء مراد موافى تصريحات أخرى كانت أغرب وأعجب قال فيها إن جهاز المخابرات جهاز جمع معلومات فقط وليس جهة تنفيذية.. ولا توجد لدى الجهاز بصفة عامة مهام تنفيذية.. ثم الأخطر والأهم.. قال إنه أرسل المعلومات التى حصل عليها لصناع القرار والجهات المسئولة.. انتهت تصريحات رئيس المخابرات السابق والتى يبدو أنها فتحت أبواب الجحيم!.. من المقصود بصناع القرار؟.. ومن هى الجهات المسئولة؟.. هل المقصود هو الرئيس محمد مرسى الذى تم إبلاغه بالمعلومات فلم يتحرك؟!.. هل المقصود هو المجلس العسكرى الذى وصلته المعلومات لكنه قصَّر فى حماية الحدود؟!.. فى كل الأحوال كلام رئيس المخابرات السابق يحمل اتهاما.. اتهاما فظيعا.. التقصير أو الخيانة والعسكريون يعرفون أن التقصير فى الميدان خيانة!.. فمن كان يقصد رئيس المخابرات السابق؟!.. بالطبع الاحتمال الأكبر أن إقالته كانت لهذا السبب.. لتوجيهه اتهاماً لصناع القرار والجهات المسئولة.. أحرج الرئيس وأحرج المجلس العسكرى أيضاً.. لكن هناك آخرين تمت إقالتهم.. محافظ شمال سيناء.. قائد الحرس الجمهورى.. ثم مدير الشرطة العسكرية ومدير أمن القاهرة ومدير الأمن المركزى ومدير الأمن العام.. وإذا كان مدير الشرطة العسكرية قد أبعد عن منصبه لأسباب تتعلق بالتقصير فى تأمين جنازة الشهداء فما علاقة الباقين بأحداث رفح!.. ونعود إلى حادث رفح نفسه.. إلى اللغز الكبير الذى قال عنه رئيس المخابرات السابق إن الجهاز وصلته معلومات نقلها لصناع القرار والجهات المسئولة.. نعود إلى الحادث نفسه فنجد تصريحات أخرى تؤكد أن هناك معلومات وصلت مصر قبل وقوع الحادث.. معلومات تؤكد أن المخابرات المصرية كانت تعرف!.. موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس قال فى تصريحات صحفية لوكالة أنباء الأناضول إن المخابرات الإسرائيلية (الموساد) سلمت المخابرات المصرية قائمة بأسماء 9 إرهابيين يتبعون جماعة يطلق عليها اسم جماعة التوحيد والجهاد.. قبل أن يقع الهجوم (!!!).. المعنى أن هناك من يؤكد أن مصر كانت تعرف بوقوع الهجوم.. أو بمعنى أدق أن هناك فى مصر من كان يعرف بوقوع الهجوم.. وإما أنه لم يصدق المعلومات وإما صدقها وسكت.. فى كل الأحوال وصول المعلومات إلى مصر يمثل لغزا كبيرا.. وهناك ألغاز أخرى أولها يتعلق بدور الفلسطينيين.. هل كان لحماس دور فى التخطيط والتنفيذ؟!.. منذ اللحظة الأولى لوقوع الهجوم الغادر على جنودنا وضباطنا فى رفح والآراء منقسمة حول دور الفلسطينيين.. أو حماس على وجه التحديد.. فهناك من اتهم حماس وهناك من يدافع عنها.. المدافعون عن حماس ينتمون لجماعة الإخوان وهو أمر طبيعى باعتبار أن حماس تنتمى لنفس التيار الذى ينتمى إليه الإخوان.. وهؤلاء يقولون إن إسرائيل هى التى «أنتجت» هذه المؤامرة لأهداف غير خافية.. الوقيعة بين المصريين والفلسطينيين للانفراد بغزة.. الذين يتهمون حماس يتحدثون عن مخطط توطين الفلسطينيين فى الأراضى المصرية ويقولون إن حماس تسعى لتنفيذ هذا المخطط وأن الإخوان يساعدون حماس عن طريق فتح مصر لهم.. على البحرى كما يقول المثل الشعبى!.. ويضيف أصحاب هذه النظرية أو هذا الاتهام أن الحادث يتسق مع الترحيب الناعم من الجانب الأمريكى لتقلد التيار الإسلامى فى مصر مسئولية البلاد.. وأن هذا الكلام معناه مؤامرة يغض الطرف عنها الإخوان مقابل سكوت أمريكا عن وصولهم للحكم.. ومن جانبهم ينفى الإخوان المسلمون هذا الكلام جملة وتفصيلا مؤكدين أن حماس لا دور لها فى الاعتداء على جنودنا فى رفح.. حماس نفسها تنفى هذا الاتهام وتقول إن دم المصريين حرام.. ولا يمكن أن يفكر أحد فى الاعتداء على أشقائه.. لكن يبقى دور حماس لغزا.. خاصة أن كل المعلومات التى تم تسريبها تؤكد أن بعض الذين نفذوا هجوم رفح من الفلسطينيين.. ويضاف لهذا اللغز.. لغز آخر يتعلق بتزامن وقوع الحادث الإرهابى وقرار الرئيس مرسى بالعفو عن المحبوسين من قيادات الجماعات الإسلامية والجهادية.. وإن كانت الرئاسة تنفى ذلك وتؤكد أن الإفراج تم فى إطار قانونى وأن المفرج عنهم ليس لهم علاقة بحادث رفح من قريب أو بعيد.. لغز جديد!.. ولا ينفى ذلك أن إسرائيل لعبت دورا مشبوها أو على الأقل غير مفهوم.. فقد أطلقت قبل أيام من وقوع الحادث الإرهابى تحذيرا للسياح الإسرائيليين بالابتعاد عن سيناء.. هل كانت تعرف؟.. هل كانت تخطط وتنفذ؟!.. لغز آخر!.. حادث رفح أوجع قلوب المصريين.. ليس فقط لأنه حادث غادر تم بطريقة وحشية.. تجرد فيه من يتصورون أنهم يجاهدون باسم الإسلام.. من كل قيم ومبادئ الإسلام.. وإنما أيضاً لأن الحادث اغتال كرامة مصر.. لهذا السبب لابد من الكشف عن أسرار الحادث.. مهما كانت الأبعاد.. لابد من حل اللغز.. وليس هناك طريق آخر.. إذا أردنا الثأر لأبنائنا وأخوتنا وإعادة الهيبة لمصر!..