منذ عشرات السنين وآذان الملايين من المصريين معلقة بإذاعة القرآن الكريم، حتى إن كثيرا من البيوت لا يتغير فيها مؤشر الراديو عن موجة هذه الإذاعة ليسمعوا ويستمتعوا بآيات الذكر الحكيم بأصوات أشهر المقرئين، ويتلقون التأويل والتفسير والتذكير على لسان كبار علماء الدين الإسلامى. ومع مدير عام إذاعة القرآن الكريم د.محمود خليل كان ل «أكتوبر» هذا الحوار الذى كشف لنا خلاله عن كثير من الأسرار بداية من تدخلات صفوت الشريف وزير إعلام النظام السابق فى برامج الإذاعة، وعرقلة مشروع بث القناة المرئية للقرآن الكريم، وموقف الإذاعة من مشايخ السلفية ومواجهة المد الشيعى، والتعامل مع الإخوان.. والظروف الصعبة التى يعمل فيها فريق الإذاعة من غرفتين خشبيتين فى مسقط نور! *يردد البعض أن دور إذاعة القرآن الكريم تغير بعد الثورة عما قبلها.. فما رأيك؟ **يحسب لإذاعة القرآن الكريم بفضل العاملين بها بعد فضل الله أنها تعاملت باستيعاب كامل مع ثورة 25 يناير منذ أيامها الأولى وحتى الآن ولم تسقط سقطة تحسب عليها، وكل ما أخذ عليها حتى الآن بعض العبارات من الضيوف الذين لا نستطيع أن نفرض عليهم ما يقولون. وبصفة عامة نحن نعتبر بمثابة الإمام الذى يقف إماما للمصلين فى الصلاة، ولذلك كانت الإذاعة مع الثورة خطوة بخطوة. والعمل الإعلامى الإسلامى لابد أن يكون عاقلا مسئولا، فالإذاعة مسئوليتها شرعية وطنية والثورة تخطئ وتصيب وبالفعل الثورة وقعت فى أخطاء. *هل كانت هناك تدخلات من أحد فى برامج الإذاعة قبل الثورة؟ **نعم كان هناك تدخل ليس فى مضامين البرامج، ولكن فى السياسة العامة والأحمق من يتدخل فى مضمون برنامج، ولكن الخطأ الأكبر أن يتدخل فى السياسات، والتاريخ يذكر واقعة شهيرة عام 1997 وهى أن صفوت الشريف، حين كان وزيرا للإعلام قام بشطب 14 برنامجا، وكان ذلك بحجة أن الإذاعة تتدخل فى السياسة العامة وتذيع برامج يمكن أن تقوم بها إذاعة صوت العرب أو البرنامج العام، وكان ذلك لفصل الدين عن الدولة لكننا واجهناه بأقصى رد وعادت هذه البرامج جميعا لكن بأسماء مختلفة ولم يستطع أن يهيمن على الإذاعة إطلاقا لأنها رسالة الإسلام. فإذا كنت تستطيع أن تفكك الإسلام فلتفكك مضامين وأهداف برامج إذاعة القرآن الكريم، ولعل من المؤسف والمبكى والمحزن أن إذاعة القرآن الكريم حتى هذه اللحظة مازالت عبارة عن «غرفتين فى مسقط نور»، وهما غرفتان بالخشب الحبيبى، رغم أنه فى عهد صفوت الشريف أقيمت ممالك كمدينة الإنتاج الإعلامى التى كانوا يسمونها هوليود الشرق والمبانى الضخمة و(إن هذا لشىء يراد). *لماذا لم يتم إدخال أصوات جديدة لقراءة القرآن بالإذاعة؟. **الأصوات الجديدة كثيرة جدا، وأنا شخصيا أذوب مع سعود الشريم ومحمد المحسن وبعض قراء المغرب الذين يقرأون بقراءة ورش بن نافع، لكن لو أدخلنا كل صوت جديد للإذاعة لاحتجنا إلى 48 ساعة فى اليوم والتسجيلات القرآنية يمكن أن تفعل ذلك من خلال اسطوانة، ولكن لا تقدر أن تحصل على مفاهيم القرآن والسنة ومكونات المجتمع المسلم ومقاصد الشريعة وأخبار العالم الإسلامى، وهذا ما تعالجه البرامج، فالقرآن تنزيل ولا يقل عن التنزيل التأويل فمعركة التأويل لا تقل عن التنزيل، فإذاعة إسرائيل تبدأ بالقرآن وتختم به. *ما معنى تأويل القرآن؟ **أن الأمة فى حاجة إلى فهم القرآن، فنحن نمارس الرسالة التأويلية والشارحة والمبينة، لأن ذلك الجزء الأصيل فى الرسالة، قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).. (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)، ولذلك فنحن نرحب بالأصوات الجديدة، ولكن فى نطاق ما تسمح به الخريطة، لأن خريطة برامج إذاعة القرآن الكريم تعطى حوالى 60% من البرامج للقرآن مرتلا ومجودا، والباقى برامج ونحن نحاول أن نوازن بين هذا وذاك. *لماذا تراجعت الأصوات المصرية الآن على الساحة؟ **لكل عصر دولة ورجال، فالقرآن ودود ولود، ومن الممكن أن أذكر لك حوالى 100 قارئ من أعزب الأصوات وكلها مصرية، فمثلا أحمد تميم المراغى ومحمد جبريل، ولكن لنا تجربة من الخير أن نستأنس بها الآن، فمنذ حوالى 15 عاما تم بث أربع ختمات جديدة للشيخ أحمد محمد عامر، والمرحوم الشحات محمد أنور وعلى حجاج السويسى ومحمود حسين منصور، وإذ بالدنيا تقوم ولا تقعد وملاحظات من الشرق والغرب، رغم أن لجنة القراء أجازتهم هى لجنة موسعة بها فضيلة المفتى عضو فيها ويأتى لها عضو من نقابة الملحنين ليضبط المقامات الموسيقية وشيخ مشايخ القراء ورئيس إذاعة القرآن الكريم عضو بها لكن لم يسلموا من ملاحظات لا حصر لها، فاضطر الدكتور عبد الصمد دسوقى رئيس إذاعة القرآن الكريم آنذاك أن يوقف هذه الختمات. وأضاف أن المعلق بأذهان الناس هم القراء الخمسة الكبار وهم ميزان القرآن: الشيخ محمود خليل الحصرى، وسلطان القراء أو المبدع الشيخ مصطفى إسماعيل وصوت مكة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ونيل القراء الشيخ محمد صديق المنشاوى، والقارئ المفسر الشيخ محمود على البنا. فكيف كان يمكن أن يدخل عليهم أو يحل محلهم أو مكانهم أصوات أخرى فهم مدارس الأداء خصوصا أن أداءهم غير مسبوق، ونحن نريد أن يكون القرآن كما قالت السيدة عائشة عندما سئلت عن خلق النبى قالت (كان قرآنا يمشى على الأرض) إلى جانب القرآن الذى يسمع ويستمتع به فنريد القرآن الذى يمشى على الأرض. *لماذا لم نر حتى الآن قناة مرئية مستمدة من إذاعة القرآن الكريم؟ **هذا حلم معلق منذ 30 عاما طرحت الفكرة مرة من خلال مجلس الشعب ووافقت عليها اللجنة التشريعية مرة واللجنة الدينية والأزهر فكيف لا نرى قناة للأزهر فهذا التقصير ما بعده تقصير. *إذا تم عمل قناة مرئية، فماذا يطلب من القائمين عليها؟ **الإسلام بصفة عامة يمثل للأكفأ، فلو لم يكن عبد الله بن أريقط وهو مشرك عالم بالطريق لما صاحبه النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة الهجرة، ففى البداية تكون خارجة عن نطاق وزارة الإعلام فلابد أن تكون تابعة للدولة لأن الدين لا يقبل الخصخصة فالدين الوسطى الجامع الذى يسد الذريعة ويقيم الشريعة ويحقق المصلحة ويدرء المفسدة ويتعامل مع الأصول ويتفاهم مع الفروع، ويعيد بعضنا بعضاً فيما اتفقنا عليه فنحن مع الحق، حيث كان فنريد إذاعة وقناة مرئية على أعلى مستوى تمثل المشروع الحضارى للإعلام الواعى فيها نصيب وللأزهر بعلمه ولرجل الشارع فيها نصيب ليس فقط أنك تتحدث إلى الناس ولكن تتحدث أيضاً معهم لا يجد المسلم صداها فقط بل يجد فيها صدى صوته. *ما رأيك فى القنوات الدينية؟ **أشد على أيادى القائمين عليها وأحب أن أذكر حسناتها وما رجحت حسناته كفانا منه ذلك، لكن الناس نقادة وأول ما يظهر فى الثوب الأبيض البقعة السوداء ولا يقع على العين إلا هذه النقطة فيكفى أنهم ملأوا الفضاء ببعض الحب الذى لم يكن موجودا ولهم ريادة تذكر ولكن الغول الإعلامى الذى يعانى من صناعة المستوى يريد رءوس أموال ضخمة فهناك معادلة تقول: الإعلام صناعة والصناعة رأس مال، وتحت وطأة وضغط رأس المال اضطرت هذه القنوات أن تتنازل عن أولويات وأدبيات فى الإسلام نفسه وليس فى الإعلام الإسلامى وهى محرمة شرعاً فهناك بعض المعلنين النصابين يعلنون فى هذه القنوات وهم يعلمون أنهم نصابون. وبعضهم استغل المشايخ أن يكونوا معلنين والمشاهد طيب لا يعلم أنه إعلان تجارى وبعض القنوات تلقت تمويلات لجهات معينة وهذه الجهات ضغطت لتمرر رسالتها غير أن بعض القنوات تأخذ شدائد المنهج، فالإسلام أرحم وأوسع فالتجربة على العين والرأس لكن ممارسات التجربة لها وعليها، وهناك حكمة تقال: إذا كان لا بد أن تخسر فلا تخسر الدرس التى تعلمته، ونحن يجب أن نتعلم من بعض الدروس التى خسرناها ويذكر لها أنها وفرت بعض الأيدى العاملة والطاقات البشرية التى من الممكن الاستفادة منها ما يتطلبه الواقع الجديد. *لماذا لم نسمع مشايخ السلفية فى الإذاعة أمثال الشيخ محمد حسان والشيخ مصطفى العدوى ود. محمد عبد المقصود؟ **أنا أحبهم جداً وأنا تلميذ على أياديهم وأكاد أُكره د. محمد عبد المقصود على تقبيل يده وهو يرفض دائما وأنا أصمم دائما ولكن هناك شرط وأنا معه وهو أننا لا نعتمد فى إذاعة القرآن الكريم إلا على الأستاذ الدكتور الحاصل على الدكتوراه أو من حصل على درجة الأستاذية من كبار العلماء أمثال الشيخ عطية صقر والشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ الغزالى وتجاوزنا أخيراً إلى درجة أستاذ مساعد فإذاعة القرآن الكريم هى إذاعة لأمة وليست إذاعة رجل الشارع. فمع احترامى للكل الشيخ محمد حسان شيخى وصديقى وربما يكون أعلى من إذاعة القرآن الكريم ولا شك أن د. محمد عبد المقصود عالم أمة والذى أجاز معظم هذه المشايخ هم الجمهور والجمهور لا يجيز عالماً. فالإذاعة لها درجة معينة وهناك لجنة التخطيط الإعلامى فيها د. أحمد كمال أبو المجد، ود. محمد عمارة، والمفتى فهذه شروط إذاعة القرآن الكريم وليست شروط الدعوة، فالقرآن يقول:(بلغوا عنى ولو آية)، ولكن يمكن أن تأتى هذه المشايخ كضيوف يتحدثون إلى الناس مباشرة لا أن يفتى. وهناك تجربة مريرة وهى أنه كان هناك بعض المشايخ أخذ شهرة عالية فى الإسكندرية وعند الفحص وجدنا أكثر من 60 خطأ شرعيا له. *ما سبب قلة حلقات الإعجاز العلمى فى الإذاعة؟ **الإعجاز العلمى ليس هو حديث اليوم والليلة والأبحاث فيه تعد على الأصابع ولا يتحدث فيها إلا من كان أندر من الكبريت الأحمر يعنى د. زغلول النجار فيما فوق ومعى أحد الأفراد قد أقام دعوى قضائية ضد هيئة الإعجاز العلمى وأعلم أيضاً بعض الناس ينصبون باسم الإعجاز العلمى وعلى هذه الموجة موجة الإعلام البديل فقديما قالوا أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك وأيضاً أيها الإعجاز كم من الجرائم ترتكب باسمك، وبمصر الآن أكثر من 15 جهة تسمى نفسها جهات للإعجاز العلمى وأعرف شخصا يجب أن يطارده القانون يطاله سوء السمعة فى الأمور المالية فكان يعمل سائق تريلا ومعه كارنيه يقول إنه عضو مجمع الإعجاز العلمى وهو وأقسم بالله لا يحفظ قصار السور القرآنية. *كيف تواجه إذاعة القرآن الكريم المد الشيعى فى مصر؟ **أنا ضد وصف «المد الشيعى» لأنها كلمة ضخمة ومزعجة وللأسف الشديد نحن شعب طيب والطيبة أحيانا تؤخذ على هذا الشعب وأعظم أنواع الطيبة أنهم يحبون آل البيت وتحت هذا الحب يدخل بعض الناس تحت المسمى الشيعى ونحن فى مصر نحب آل البيت وإذاعة القرآن الكريم إذاعة وسطية تفرق بين الحق والباطل بين حب آل البيت والتشيع. فحب آل البيت فريضة لكن التشيع يقلب ظهر الدين باطنا والإذاعة ليس مطلوبا منها أن تذهب لتحارب لكنها تصحح وتقاوم الملل الباطلة فتهدم الماسونية والبهائية والتطرف الشيعى ونحن نرحب بالتقريب بين المذهب السنى والشيعى الذى يقيم ماصح من الدين ومن سبل تطبيقه لكن لا يلتقى أبداً بالتطرق للعنف والتطرف والتعسف. *البعض يتهمك بأنك إخوانى وتحاول ترويج ذلك من خلال الإذاعة؟ **ليس هناك دين يسمى دين الإخوان ولكن هناك ثقافة الإخوان فأنا مثقف إسلاميا وماركسيا وعلمانيا وقارئ مسرح وفنون وموسيقى وآداب وجغرافيا سياسية وعلاقات دولية وعلم نفس واجتماع واقتصاد وهذا جزء من الثقافة العامة فتحاسبنى على منتجاتى فبرامجى كلها تأخذ امتيازا وأنا بطبيعتى ضد أى تنظيم لأى شىء ولكن مع تنظيم الدعوة يعنى الإخوان وأنصار السنة والتبليغ. *ما رأيك فى توحيد الآذان؟ **توحيد الآذان يخالف ثلاث حقائق شرعية فروق التوقيت ويخالف القاعدة الأصلية التى تبنى على الحديث الصحيح:(أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون)، ويخالف العرف المحكم:(مر بلالا فهو أندى منك صوتا) فكان الأمر هنا على حلاوة الصوت وليس على توحيد الآذان ولكن نحن فى حاجة إلى تنظيم الآذان فمثلا فى القاهرة 2000 آذان فى 2000 توقيت مختلف وكأن الآذان أصبح مظاهرة فلا بد أن نعلم أن الآذان شعيرة والشعيرة تعظم وفكرة توحيد الآذان كانت نوع من أنواع الهيمنة.