هناك اهتمام كبير فى طهران على كل المستويات الشعبية والرسمية والبرلمانية والدينية باستعادة العلاقات مع مصر.. هذا ما لمسناه خلال لقاءاتنا بكل المسئولين وفى الأسواق والمطارات.. وفى كل مكان. حتى أصبح اسم (د. مرسى) على كل لسان.. ويقرنونه بمصر.. (مصر - مرسى)! والحقيقة أن إيران تولى أهمية كبرى للعلاقات مع مصر.. وتعتبر قمة عدم الانحياز خلال أغسطس الجارى مفصلاً محورياً.. خاصة أن القاهرة ترأس هذه القمة، وخلال لقائنا بنائب وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير أكد أن انتصار الثورة المصرية ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على العالم العربى وعلى علاقات البلدين.. وأضاف أننا ننتظر الرد الإيجابى من القاهرة على عودة العلاقات مع طهران. ومع ذلك فقد استمرت الزيارات المتبادلة واللقاءات بين الجانبين، إضافة إلى زيارة المبعوث الخاص للرئيس الإيرانى لتسليم الرئيس المصرى دعوة حضور قمة عدم الانحياز. وأعرب الدبلوماسى الإيرانى عن تفاؤله بمستقبل العلاقات المصرية الإيرانية وانعكاسها إيجاباً على الشعوب العربية والإسلامية. وأشار إلى أن واشنطن تحاول التأثير على ثورات الربيع العربى.. بكل الطرق بسبب موقع إسرائيل.. وإذا كانت شرارة هذه الثورات قد انطلقت من تونس.. فإن تأثير الثورة المصرية على المنطقة أكثر شمولية وعمقاً، كما أن التحولات التى تشهدها المنطقة تسير بشكل إيجابى.. رغم حدة المواجهات.. والاتجاه العام هو انتصار هذه الثورات تدريجياً.. كما هو الحال فى مصر. وعلى صعيد آخر.. أشار السفير إلى العلاقات الإيجابية والمهمة مع دول الخليج.. وهى علاقات اقتصادية ودبلوماسية ودينية واسعة وكلها فى مستوى السفراء.. عدا البحرين (بمستوى القائم بالأعمال)، وأضاف: أن هناك أطرافاً خارجية تحاول تخريب العلاقات الخليجية الإيرانية من خلال إقحام مسألة الصراع المذهبى (السنى - الشيعى) فيها. هذا ما قاله نائب وزير الخارجية الإيرانى الذى استقبل الوفد الإعلامى المصرى بكل الحفاوة والتقدير، ومن خلال هذا الحوار لمسنا حرصاً شديداً من طهران على استعادة العلاقات مع القاهرة، فإيران تعتبر مصر محوراً استراتيجياً كبيراً.. ويمثل إضافة كبرى لأية دولة.. وليس لإيران فقط، فعندما تحدث عن الثورة التونسية أشار إلى دورها فى انطلاقة الربيع العربى.. ولكنه أكد أن التأثير الأهم والأكبر جاء من ثورة مصر.. من القاهرة، وكلنا يتذكر دور مصر فى قيادة حركات التحرر من الاستعمار فى أفريقيا والعالم الثالث ودول عدم الانحياز. كما تولى طهران أهمية كبرى لحضور الرئيس مرسى قمة عدم الانحياز فى طهران، ورغم أن مصر رئيس هذه القمة فإن مجرد زيارة مرسى تمثل نقطة تحول تسعى طهران للبناء عليها.. ولكن هذه الزيارة قد لا تمثل بداية عودة العلاقات الكاملة.. وربما تمهد لها، فقرار عودة العلاقات المصرية الإيرانية مسألة شديدة التعقيد داخلياً وإقليمياً ودولياً.. ومذهبياً أيضاً. مفاتيح العلاقات فعلاقات مصر مع دول الخليج تمثل أحد مفاتيح عودة العلاقات الإيرانية المصرية، فهناك العمالة المصرية (نحو ثلاثة ملايين مصرى يعملون بالخليج) إضافة إلى الاستثمارات الخليجية والمعونات والعلاقات الاجتماعية والثقافية والدينية العميقة، ولكن دول الخليج تقيم علاقات وثيقة مع طهران.. رغم كل العداء الإعلامى والسياسى والدبلوماسى.. بل أن إحدى الدول الخليجية لها علاقات تجارية واقتصادية تصل إلى 12 مليار دولار سنوياً!! بل إنها تمثل محور الحركة الجوية نحو طهران، بمعنى آخر.. فإن القاهرة يمكن أن تحظى بعلاقات مع طهران.. وكافة الدول.. بما فيها الخليجية.. بصورة متوازنة وعملية.. مثلما تحظى هذه الدول بعلاقات مع إيران، وهذا لا يعنى قبول أى تهديد إيرانى لدول الخليج.. أو تهديد للمصالح المصرية مع هذه الدول الشقيقة، فكلنا فى البداية والنهاية دول إسلامية.. يجب أن نستفيد من قدراتنا وثرواتنا الهائلة وأن تكون هذه الثروات إضافة لأمتنا.. لا انتقاصاً منها. كما أن الضغط الغربى كان سبباً فى القطيعة بين مصر وطهران على مدى سنوات فالولايات المتحدة - وإسرائيل من خلالها - تسعى لبث الفرقة والانقسام بين دول العالم الإسلامى، بل أن (توقع بينها العداوة والبغضاء).. بمنتهى الخبث والدهاء، ونحن نعتقد أن مصر قد تجاوزت هذه المرحلة بعد ثورة يناير.. فلن تخضع لضغوط.. ولن تكون تابعة لأحد.. وسوف تستعيد مكانتها الإقليمية والدولية الرائدة.. وهى جديرة بها. بمعنى آخر.. فإن علاقاتنا مع إيران.. وكافة دول العالم.. يجب أن تنطلق من استقلالية القرار المصرى وندية التعامل والمصالح المشتركة، فالعلاقات لا تقوم على أسس عاطفية أو نتيجة ضغوط خفية أو أهواء شخصية، فمصر قد تغيرت.. ولن تعود عزبة لأحد.. أو أسيرة لفصيل أو تيار سياسى.. فمصر بالجميع.. ولجميع أبنائها. ونعتقد أن عنصر التوقيت مهم جداً فى استعادة العلاقات المصرية الإيرانية.. فقد لا يتم هذا قريباً أو على وجه السرعة.. كما تتمنى طهران.. ولن تتباطأ كما يعتقد البعض.. ولن تنقطع كما يخطط الأعداء، وربما يستغرق قرار عودة العلاقات بعض الوقت.. ولكنه لن يطول كثيراً. ولعل الأزمة السورية من أسباب إرجاء عودة العلاقات المصرية الإيرانية.. والموقف الإيرانى من هذه الأزمة واضح ومعلن وهو أحد أسباب عدم انهيار نظام الأسد حتى الان، فإيران تعتبر سوريا محوراً أساسياً فى استراتيجيتها الإقليمية والدولية.. خاصة فى هذا التوقيت العصيب الذى قد يشهد حرباً إقليمية شاملة غير مأمونة العواقب، وقد تجد مصر نفسها - قسراً - فى قلب هذه الحرب.. وفى أطرافها على أقل تقدير. تغيير الخريطة وعندما سألت المسئول الإيرانى الرفيع عن الأزمة السورية قال: إن أعداء إيران يريدون تغيير خريطة المنطقة.. وهدفهم ضرب المقاومة وحزب الله، ونحن نعترف بأن سوريا بحاجة إلى إصلاحات جذرية.. ولكن هذا الحل لن يتم إلا من خلال الحوار الشعبى الداخلى.. وعلى حكام هذه الدول الإنصات إلى صوت شعوبهم. ومن خلال رؤيتنا لتطورات الأزمة السورية المشتعلة يمكن أن نقول إنها مواجهة إيرانية غربية على أرض سوريا.. فى أحد جوانبها، بمعنى آخر.. فإن أطرافاً إقليمية ودولية اختارت الأزمة السورية كساحة قتال فعلى وسياسى ودبلوماسى.. تحاول من خلاله التأثير على إيران فى ملفاتها النووية والسياسية، وبالأمس كانت العراق ساحة مواجهة أمريكية إيرانية، وكما قال لى المسئول الإيرانى الرفيع: نحن نعترف بأن لنا نفوذاً فى العراق ونحن نستفيد من هذا النفوذ من أجل مصالحنا الوطنية، ويضيف: أن أهم أمر بالنسبة لنا هو الأمن الجماعى للمنطقة وهذا الأمن لا يتجزأ ويرتبط بكل دولها. وقراءة هذا المشهد تشير إلى أن ساحة المواجهة الأولى بين إيران والغرب وإسرائيل.. كانت العراق.. ثم انتقلت الآن إلى سوريا.. مع إضافة بعد جديد هو الموقفين الروسى والصينى المعارض لأى قرار ضد سوريا، وربما كان الموقف الروسى هو محور هذه الاستراتيجية المضادة للتغيير فى سوريا، فلولا الفيتو الروسى.. لما استمرت الأزمة ولما سقط هؤلاء الضحايا الأبرياء. كما أن إيران لن تسمح بخسارة نفوذها فى سوريا، أى أنها قد تضحى ببشار كشخص.. ولكنها لن تضحى بنظامه.. أو على أقل تقدير يتم تصعيد بعض أركانه لسدة الحكم.. كما هو الحال مع العميد طلاس أحد المعارضين المنشقين عن بشار.. ولكنه فى ذات الوقت ينتمى إلى نظام الأسد.. ويمكن أن يكون بديلاً مرحلياً للخروج من الأزمة الطاحنة الحالية. بمعنى آخر.. فإن سوريا بشار تمثل مفصلاً استراتيجياً وجيوبوليتيكاً وعسكرياً بالنسبة لإيران.. وسقوطها لا يعنى سقوط الاستراتيجية الإيرانية فقط.. بل يعنى تهديداً مباشراً لحزب الله.. ثم خطوة أخرى نحو ضرب طهران.. لتنتقل المعركة إلى الهدف النهائى.. وهو مالا تقبل به إيران، فالمعركة فى النطاق الاستراتيجى الأوسع أهون من المواجهة الدامية التى قد تحدث فى العمق الإيرانى.. والإسرائيلى أيضاً. وفى كل الأحوال لا يوجد حل عسكرى للأزمة السورية.. رغم تسليح الجيش السورى الحر والدعم الدولى والإقليمى الذى يحظى به، فلابد من الجلوس فى نهاية المطاف على مائدة الحوار بل إن علم السياسة يشير فى بديهياته إلى أن الحرب ما هى إلا إحدى وسائل التفاوض.. فلا حرب إلى الأبد.. ولا حرب من أجل الحرب.. بل هى وسيلة للحل.. وإن كانت دامية ومدمرة.!