حين كنت أبحث عن فحوى ومضمون رسالة قررت أن أبعثها للرئيس الجديد د.محمد مرسى أحدثه فيها عن العدل وعن الفقراء والمعدمين وأبناء الشوارع، عن المنافقين والمتلونين والمتاجرين بالكلمة والدين، عن الذين لايستحون من الله والبشر والذين يستحلون الحرام ويحيلون الباطل إلى حق زورا وبهتانا ، عن البهلونات والمتسلقين، عن العراة والزناة، عن هؤلاء وغيرهم كثيرون، وأذكّره أن هؤلاء هم الذين يصنعون الطغاة والبغاة، هم الذين التفوا حول الفراعين الحكام وألهّوهم فاستخف بهم الأخيرون واتخذوهم عبيدا واتخذوا منهم بطانة واستمتع بعضهم ببعض وحُجبت آنات المعذبين والمظلومين.. وهممت أن أسرد تفاصيل الظلم وحكايا المظلومين، لولا أن شاهدت زميلة الدراسة والدفعة فى كلية الإعلام، الصحفية الثائرة دوما حنان فهمى مدير تحرير جريدة الوفد تتحدث فى إحدى القنوات الفضائية عما تريده الصحافة - مهنتها ومهنتى - من الرئيس وتوقفت معها عند لفظة:«الحرية» وقلت لنفسى سوف يتحدث كثيرون غيرى من المهتمين بالشأن العام إلى الرئيس الجديد عما سبق لكن قليلين سوف يحدثونه عن مهنة الكلمة والحرية . (1) «مفتتح» المجد للشهداء.. المجد لهؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم لنصل إلى هذه اللحظة الراهنة التى استطعنا فيها أن ننتخب رئيسا مدنيا من بين 13 مرشحا وقد كدنا قبل 25 يناير نصدق أن مصر عقمت وانقطع نسلها عند مبارك وولده، هذا مفتتح حديث الزميلة وعليه أنسج الآتى: المجد للشهداء من قالوا لا عندما قال جميع المنافقين نعم، من صعدت روحهم من الميدان إلى السماء ، ومن صعدت صيحاتهم من فوق سلالم نقابة الصحفيين إلى مسامع النظام فزلزلت كيانه، أتذكر وقد مررت يوما بمبنى نقابة الصحفيين متوجها إلى وسط البلد أن هزنى مشهد هذا الشيخ الصحفى الزميل الوقور محمد عبدالقدوس الذى جلس وحيدا على السلالم الشهيرة لمبنى النقابة شاهرا الميكرفون سلاحه الذى حارب به النظام ووجهه نحو الشارع وكأنه يوقظ بصيحاته السائرين النيام المارين أمامه، كان بعضهم يمصمصون شفاههم حين يمرون به وآخرون يتمتمون بكلمات مبهمة وأتصور أن بعضهم قد ظن أن الرجل قد مسه شىء من التخليط، وما كان من زميل المهنة (عضو مجلس النقابة المنتخب فى كل مجالس النقابة التى ترشح لها والمسئول الدائم عن لجنة الحريات) إلا أنه لم يصادف فى هذا اليوم من يتبنى مظلمته أو يقف إلى جواره على سلالم النقابة فقرر أن يتطوع ويقف فردا محتجا على الظلم ومنددا بالفساد نيابة عن المصريين، وينقلنى المشهد إلى آخر وقد اجتمع نفر من زبانية النظام على عبد القدوس يسحبونه ويسحلونه على الأرض مقبوضا عليه، مقتادا إلى مكان غير معروف فى الأيام الأولى للثورة وكأن معتقليه ينتقمون منه لأنفسهم قبل النظام.. وذهب النظام وبقى عبدالقدوس رمزا يدافع عن الحرية.. حرية الصحافة والصحفيين وحرية المصريين. (2) «عودة إلى الوراء» ليس بعيدا هذا الزمن أو هذا المشهد، حين كانت تعقد انتخابات نقيب الصحفيين ويسعى النظام بكل الطرق إلى الحفاظ على منصب النقيب فى حضنه عن طريق استمالة الصحفيين بالوعود والعهود والالتفاف والدفع بحكماء وشيوخ المهنة ليمتصوا حماسة أجيال الشباب والوسط التواقين للتغيير والمقاومة، وأتذكر آخر انتخابات لنقيب الصحفيين أجريت قبل الثورة وأسفرت جولتها الأولى عن جولة ثانية للإعادة بين مرشح الحكومة، وكان دائما للحكومة مرشح تمنح له كل المزايا مقابل مرشح المعارضة الذى لا يحمل غالبا إلا ميزة الأمل، وما كادت تنتهى النتيجة إلى ما انتهت إليه فى الجولة الأولى حتى جن جنون مبارك (حسبما عرفت من أحد كبار الصحفيين)، واستدعى صفوت الشريف المسئول الأول عن الصحافة القومية بحكم رئاسته لمجلس الشورى، ووزير إعلامه الأسبق أنس الفقى ووبخهما.. كيف سمحا لنقابة الصحفيين أن تتهدد بوصول معارضى الحكم لكرسى النقيب؟. وانتقلت الرسالة من الشريف والفقى إلى رئاسات التحرير ومجالس الإدارات فى الصحف القومية، وتحولت فى بعض المؤسسات إلى تعليمات للمساعدين وحتى رؤساء الأقسام بينما انطلق رؤساء تحرير آخرون يجتمعون بمحرريهم من أعضاء النقابة ويقنعونهم بخطورة الأمر ويرتبون لقاءات واجتماعات ووعودا ممنوحة لمرشح الحكومة، وأتذكر أن الأخير زار مؤسستنا وتمت دعوة الصحفيين للقائه، وطلبت الكلمة فتحدثت بانفعال عن أحوال الصحفيين المادية المزرية وطموحاتهم البسيطة فى الإصلاح والحرية، وعندما انتهى اللقاء وانصرفت إلى مكتبى جاء خلفى شخص من خارج الدار رأيته وسط الزملاء الحضور أثناء اللقاء وظننته ضيفا قادما مع النقيب مرشح الحكومة، وقدم لى هذا الشخص نفسه فى كلمات سريعة ومقتضبة على أنه زميل صحفى وحّيانى بشدة على ما ألقيته أثناء الاجتماع ودفاعى عن حقوق زملاء المهنة، وآمن عليه ثم ألقى علىّ نصيحة مباشرة قائلا:«متتعبش نفسك الأمر محسوم والله العظيم الأستاذ فلان هو اللى هيكسب» قال هذا وسحب يده من يدى وانصرف مسرعا.. ولم أعرف حتى اللحظة إن كان هذا الشخص بالفعل زميلا صحفيا كما أخبرنى أم كان رجل أمن تابعاً للنظام، حيث لم أصادفه منذ هذا اليوم، وصدقت مقولته ونجح فى الإعادة مرشح الحكومة. (3) «المناسبة» كانت تأبين نقابة الصحفيين لأول صحفى شهيد من شهداء يناير وهو الزميل الراحل أحمد محمد محمود، وعلى خلفية من مشاهد مصورة ومثبتة على جدران النقابة للزملاء الصحفيين الذين لم يكتفوا بالمشاركة بالكلمة والصورة الثابتة والمتحركة فى ثورة يناير ولكن خرجوا من مبنى نقابتهم لينضموا للحشود الهادرة فى ميادين وشوارع مصر، وأصابهم ما أصاب إخوانهم وسقط منهم الشهداء والجرحى وتم حبس حرية بعضهم، على هذه الخلفية وقف مذيع الفضائية يسأل الزميلة حنان عن مطالب الصحفيين من الرئيس الجديد، وهل تكون الحرية هى أول سؤال له؟. فتجيب حنان: بل هى أول اختبار، وأضافت مؤكدة أن الصحفيين لن يقبلوا المساس بحريتهم فى أداء مهمتهم بأى حال من الأحوال، وذكّرت مشاهديها بمعارك الجماعة الصحفية ضد النظام السابق وأهمها معركة قانون سلطة الصحافة ونجاحنا نحن الصحفيين فى إسقاط القانون هازمين النظام فى عنفوان تسلطه وجبروته. (4) «الحرية هى غياب الإكراه» والإكراه يولد من رحم العجز وعدم القدرة على الفعل، أن تكبل صحفى بلقمة العيش أو تقيد عمله بحجب المعلومات عنه وسلبه المقدرة فى الحصول عليها من مصادرها كحق طبيعى يمثل فيه الصحفى المجتمع ويصير عينه الساهرة، أن تحاصر الصحفى بقوانين تقيد حركته وكلمته وضميره، أن تقيد المؤسسات الصحفية ذاتها من خلال ملكية النظام لها والتحكم المطلق دون معايير واضحة فى تعيين أو إنهاء خدمة رؤساء التحرير والمسئولين عنها، كلها أمور ضد الحرية، وفى المقابل فالصحفى ليس على رأسه ريشة ولا يملك سلطة مطلقة على حساب السلطات الأخرى المنظمة لحركة المجتمع أو يسلب باقى أفراد المجتمع شيئاً من حقوقهم وخصوصيتهم، حقوق مقابل واجبات وحرية تضبطها مسئولية، هذا ما تريده الجماعة الصحفية وما أريد أن يتضمنه الدستور الجديد لمصر ويتم تطبيقه على أرض الواقع حماية للرئيس قبل المرءوس.. ولتعلم يقينا يا سيدى الرئيس أن الصحافة الحرة عونا لك لا عليك، فهى جرس الإنذار ضد مكامن الخطر، وهى الناصح الأمين حين تسكت بطانتك عن النصيحة خشية أو خجلا، وهى جندى من جنود الحق إذا حاول الباطل أن يطغى أو يتجبر، أعاذنا الله وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.