لم أجد أفضل من عنوان المسرحية الشهيرة “فى انتظار جودو” للكاتب الأيرلندى المعروف صمويل بيكيت، للتعبير عن المرحلة الراهنة التى يتطلع فيها الشعب المصرى كله بمختلف طوائفه وانتماءاته لرئيس الجمهورية الجديد ليحل كل الأزمات والمشاكل بل واللوغاريتمات الراهنة، وهى كلها تنوء بحملها الجبال، أو العصبة أولو القوة..! و للامانة فإن هناك فرقاً بين «جودو» الأيرلندى الذى لم يأت أبداً، وبين جودو المصرى الذى جاء فى موعده تماماً، حسبما وعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ الذى اتهمه المغرضون والمهيجون بالمماطلة والتباطؤ فى تسليم السلطة ظلماً وعدواناً..! والحقيقة أننى لم أجد، أيضاً، أفضل من كرسى الرئاسة الملغوم، للتعبير عن الملفات الساخنة التى سيجدها الرئيس الجديد فى انتظاره والتى عليه أن يتعامل معها فوراً، حتى قبل أن يلتقط أنفاسه ويستقر على الكرسى..! فأياً كان الرئيس القادم، وهل هو من التيار الدينى أو الليبرالى، وكلهم بالمناسبة عندى سواء لأنهم أبناء هذا الوطن، فإن عليه أن يتعامل أولاً مع كل هذه الملفات، وفى مقدمتها استتباب الأمن، والوضع الدستورى، وتحديد صلاحيات الرئيس وعلاقته بالقوات المسلحة، والخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.. إلى آخر ذلك من الملفات التى نحبس جميعاً أنفاسنا لنراقب ونرى كيف سيتعامل معها الرئيس القادم ليس خلال شهور، بل خلال أيام، ولا أبالغ إن قلت: بل خلال ساعات..! ففى تقديرى أن الرئيس الجديد، أياً كانت توجهاته وانتماءاته الحزبية، فإنه بالتأكيد يجب أن يخلعها على باب القصر الرئاسى، وأن يمحوها من ذاكرته؛ لأنه أصبح رئيساً لكل المصريين وليس رئيساً لحزب أو فصيل بعينه، ولذلك عليه أن يتعامل بشفافية وتجرد مع كل الأزمات والمشاكل والملفات المتراكمة منذ أن فجر الشعب ثورته فى الخامس والعشرين من يناير من العام الماضى، وتفجرت معها ثورة آمال وتطلعات لا حدود لها فى مستقبل أفضل.. على الرئيس الجديد ألا يصفى حسابات مع أحد؛ لأن المرحلة الراهنة لا تحتمل ترف الانتقام وتصفية الحسابات وإقصاء هذا الطرف أو ذاك من العملية السياسية، والتى تحتاج لجهد كل وطنى مخلص أياً كانت توجهاته.. إننا أمام مرحلة تاريخية فاصلة لا أعتقد أننا يجب أن نتعامل معها بمنطق المتفرج الذى يتفرج على فقرة الساحر ليرى ماذا سيخرج لنا الرئيس الجديد من جعبته وكأنه يملك عصا موسى، يضرب بها الحجر فتنبجس منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم، أو يفرق بعصاه البحر فيصبح كل فرق كالطود العظيم..! علينا جميعاً أن نمد يد المساعدة للرئيس الجديد، على الأقل بمنحه فرصة لكى يبدأ العمل فوراً، بالتوقف عن قطع الطرق، وتنظيم المليونيات والوقفات الاحتجاجية، حتى لا نربك المشهد السياسى، والذى على الرئيس الجديد أن يستشعر ملامحه الحقيقية ليعيد ترتيب البيت على أسس سليمة تؤسس لمستقبل أفضل بإذن الله.. كما أن علينا أن نجعل من انتخاب الرئيس الجديد بداية مرحلة جديدة من العمل السياسى، وليست نهاية للمشروع السياسى لهذا الطرف أو ذاك، كما أن علينا أن نحبط كل دعوات التصعيد التى هدد بها البعض فى حالة وصول هذا المرشح أو ذاك لكرسى الرئاسة؛ لأن مثل هذه الدعوات لا تريد خيراً لهذا البلد، فالرئيس الجديد لم يفرض نفسه على أحد، بل جاء بانتخابات حُرة نزيهة أشاد بها القاصى والدانى، والعدو قبل الصديق والشقيق، وبإرادة شعبية جارفة شهد بها العالم كله. اللهم احفظ مصر وشعب مصر وأعن الرئيس الجديد فى مهمته الانتحارية لإنقاذ البلاد والعباد.. اللهم آمين.