د. عصام شرف رئيس الحكومة لا يحتاج إلى تخصيص مبالغ إضافية على الموازنة لتلبية المطالب الفئوية للمعتصمين والمضربين هذه الأيام؛ لكنه يحتاج إلى مال قارون الذى ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، أو إلى عصا موسى التى تتحول إلى ثعبان مبين.. فيلقيها فتلقف ما صنعوا.. إنما صنعوا كيد ساحر، أو يضرب بها الحجر فتنبجس منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم، أو أنه يحتاج إلى مصباح علاء الدين السحرى الذى يدعكه فيخرج له وزير مالية الجن والعفاريت ليوفر له فى غمضة عين كل ما يحتاج من أموال لتلبية مطالب عمال النقل والأطباء والمعلمين.. ولأننا نعلم علم اليقين أن حكومة شرف لا تملك مال قارون ولا عصا موسى ولا مصباح علاء الدين فالسؤال البسيط الذى يفرض نفسه على الشارع الآن هو: من أين ستأتى الحكومة بالأموال لتصلح بها كل الأحوال..؟! بمعنى آخر.. من سيدفع الفاتورة..؟! هل ستطرح الحكومة سندات جديدة لتغطية تمويل المطالب الفئوية ليزيد الدين المحلى وتزداد معدلاته خطورة وتتجاوز نسبة ال 100% من قيمة الناتج المحلى الإجمالى.. على الرغم من أن المعدلات العالمية لا تزيد على 60% ؟! أم أن الحكومة ستلجأ للاقتراض الخارجى، من صندوق النقد الدولى تحديداً، والذى عرض ومازال يعرض مبلغ 3 مليارات دولار كقرض، مشروط طبعاً، وليزداد أيضاً الدين الخارجى، وندخل فى معضلة كيفية سداد أقساط الديون وأعبائها خاصة وأن الاحتياطى النقدى يتناقص، ومواردنا من النقد الأجنبى هى الأخرى فى تناقص..؟! أم أن الحكومة ستلجأ للحل الأسوأ وهو طبع المزيد من أوراق البنكنوت لترتفع معدلات التضخم لمستويات فلكية، أكثر مما هى مرتفعة، حتى يصبح الجنيه أرخص من ورق الكلينكس؟!! إنها كلها تساؤلات مشروعة على الحكومة أن تجيب عنها بكل شفافية؛ حتى يعلم القاصى والدانى كيف ستمول كل هذه المطالب الفئوية؛ خاصة وأن هناك قطاعات أخرى فى الدولة لها مطالب وتريد أن تحققها، وقد تنتهز هذا التوقيت الذى يختلط فيه الحابل بالنابل، وينتفض فيه الجميع؛ بعد أن تذكروا فجأة أن لهم حقوقاً مالية وفئوية وطائفية ضائعة منذ عشرات السنين، ليصبح المشهد الراهن أكثر ارتباكاً، ولا أريد أن أقول أكثر فوضاوية..! والحقيقة أن الفوضى التى تضرب بأطنابها المشهد الراهن لا يمكن أن تكون أبداً فوضى عشوائية.. بل «فوضى منظمة»، إن جاز لى التعبير، فالبعض يريدون مصر هكذا.. بهذه الصورة السريالية من الفوضى.. سواء على المستوى الاجتماعى والإنتاجى أو على المستوى السياسى؛ حيث يتشدد كل فصيل على الساحة فى مطالبه، ويهدد ويتوعد إن لم تتحقق.. وأتمنى أن تنهج حكومة الدكتور شرف نهجاً مختلفاً فى التعامل مع كل ما يحدث الآن، فلا يواصل د. عصام شرف لعب دور الخال الطيب، الذى نجح فيه بامتياز حتى الآن، وعليه أن يقف موقفاً حازماً مما يحدث؛ لأن أسلوب «الطبطبة» لم يعد مقبولاً، فلابد من بعض الحزم والحسم حتى يتم ضبط حركة المجتمع بكل فصائله وفئاته وأطيافه.. فإذا لم يفعل شرف ذلك، فإننى للأسف، أتوقع أن تكون الصورة أكثر سوداوية، والمشهد أكثر ارتباكاً.. فماذا تبقى بعد اعتصام وتظاهر وإضراب المعلمين وعمال النقل والأطباء.. لكى تتحول الحالة الراهنة إلى حالة عصيان مدنى.. لا قدر الله؟! إن الموقف خطير وعلى الحكومة أن تتعامل معه بحزم وحكمة.. وإذا كان هذا هو الدور المطلوب من الحكومة، فالمطلوب أيضاً من كل مواطن شريف حريص على أمن وأمان ومستقبل هذا البلد أن يعى جيداً أبعاد المخطط والمؤامرة التى حيكت ضد مصر بليل من شياطين الإنس فى الداخل أو الخارج.. وألا ينساق وراء الدعوات المشبوهة للإضراب والاعتصام سعياً وراء مطالب فئوية ضيقة، نؤمن جميعاً أنها من حقه.. لكن ليس أوانها الآن.. إن الوضع حرج.. والمتربصين كثر وعلينا جميعاً أن نتكاتف لإنقاذ مصرنا منهم.. حمى الله مصر وشعب مصر.