بين جبالها ووديانها سكنت الحكمة منذ آلاف السنين، إنها «سيناء» التى مشى على أرضها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام ليعلم البشرية كلها معنى الإيمان، ولامستها أقدام المسيح عيسى عليه السلام مع أمه البتول مريم لينشر بذور الحب والسلام، وفوق ذات الرمال المقدسة مرت جيوش الصحابة فى قلب صحرائها فى زحفهم نحو أفريقيا حاملين مشاعل نور التوحيد، وتتوالى حكايات البطولة الفداء حتى يوم السادس من أكتوبر لحظة أن رفع الجندى المصرى علم بلاده مع أول خيط من نور الحرية، إنها أروع أسطورة فى التاريخ الحديث بدأت فصولها بتحطيم خط بارليف المنيع الذى تصورت إسرائيل أنه لا يمكن أن يقهر.ومن الحدود تبدأ حكاية سيناء من رفح حتى القنطرة شرقا وقد أثمرت الأرض رجالا من أهلها البدو لم تعرف الأمم فى بطولاتهم وتضحياتهم مثلهم، صاروا حماة للديار، وشهداء الحق فى كل الأزمنة. ورغم صدور قانون بتشكيل جهاز تنمية سيناء منذ عدة أشهر إلا أن التنمية الحقيقية مازالت لم تجد طريقها الصحيح إلى هذه الأرض، وهو ما دعا إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة فى الذكرى الثلاثين لعيد التحرير إلى عقد ندوة حول تنمية سيناء للوقوف على أسباب تأخر تنميتها حتى الآن والبحث عن حلول حقيقية وسريعة حتى يتحقق الحلم على أرض الواقع، وخلال تلك الندوة شن الخبراء العسكريون هجوما حادا على الحكومات المتعاقبة التى أهملت فى تلك البقعة الغالية من أرض مصر واعتبرتها خارج نطاق خدمتها. اللواء أركان حرب عبدالمنعم سعيد الخبير الاستراتيجى، أكد أن سيناء أمن قومى لمصر من أيام الفراعنة، ولذلك يجب أن تتكاتف كل الجهود من أجل تنمية سيناء بحيث نبدأ بالتنمية البشرية لأن سيناء تستوعب 5 ملايين مواطن بشرط توفير الإقامة والمدارس والصحة والتعليم، وعندما كنت محافظا لجنوب سيناء طلبت أن ندرس شكل التنمية فى سيناء وكيفية تطبيقها من أجل استغلال كل شبر فيها فى الصناعة والزراعة. وأضاف أن عدم تنفيذ هذه المشروعات توحى بوجود وعود خارجية لضعفهم تحقيق التنمية الشاملة فى شبه الجزيرة. قال اللواء عبدالمنعم سعيد محافظ إن سيناء مليئة بالخيرات وأنها تكفى بتحويل مصر إلى شعب من الأثرياء وكشف سعيد عن وجود مشروع لإنشاء قناة ملاحية جديدة بين العريش وطابا يمكن أن تحقق تنمية حقيقة وتضيف إلى الاقتصاد الوطنى الملايين من الدولارات بجانب قناة السويس. وأضاف: «اطلعت على مشروع ويقع فى 400 صفحة ويكشف عن أن عمق القناة المقترحة يصل إلى 80 متراً وأن عمقها صخرى يختلف عن عمق قناة السويس الرملى والذى يحتاج إلى تطهير بصفة دائمة». وأشار إلى أن دراسات مشروع القناة الملاحية الجديدة يوضح أن القناة يمكنها استقبال مراكب تصل حمولاتها إلى 750 ألف طن. وأوضح أن تكاليف المشروع يمكن توفيرها من عائدات بيع الصخور والأحجار الكريمة وتبلغ قيمتها مليارات الجنيهات والتى تقع فى مسار مشروع القناة المقترح. وطالب اللواء عبدالمنعم سعيد الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء بتفعيل جهاز تعمير سيناء، مشدداً على ضرورة أن يعمل الجهاز مركزياً من منطقة وسط شبه الجزيرة، وأشار إلى ضرورة تحويل مسار ترعة السلام إلى وسط سيناء لتوفير مصادر المياه بمشروعات الاستصلاح. وأوضح أن تنمية سيناء مرهونة بمد ترعة السلام إلى منطقة الوسط ونفى سعيد وجود مخطط شامل من القوات المسلحة لتنمية سيناء، موضحاً أن الحكومة هى المسئولة بالكامل عن المشروع. قلب سيناء من جانبه قال اللواء مختار قنديل إن تعمير سيناء وتنميتها يرتبط بتطوير وتنمية القناة، موضحا أن مشروعات التنمية فى سيناء تواجه أزمات نقص التمويل. وحمل قنديل النظام السابق مسئولية تعطيل التنمية فى سيناء وقال إنه تم إلغاء وزارة التخطيط وإحالة اختصاصاتها إلى لجنة السياسات فى الحزب الوطنى المنحل، فضلاً عن عدم وحدة الإدارة لافتاً إلى أن وجود جهازين لتعمير سيناء أحدهما تابع لوزارة الرى والآخر لوزارة الإسكان. وأوضح قنديل أن التعمير الذى تم فى سيناء إلى الآن عبارة عن قشرة بيض (قلبها فاضى رخو) لذلك لابد من التركيز على وسط سيناء الذى كان ملعبا لشارون، لأن إسرائيل دخلت من وسط سيناء إلى الإسماعيلية وتم تطبيق نفس خطة 1956، لذلك لابد من وضع خطة لتنمية قلب سيناء لأنها تعتبر صمام الأمن لسيناء ولمصر. تصرفات سيئة وكشف اللواء أركان حرب أسامة ياقوت وهو من الضباط الذين شاركوا فى استلام العريش أن هناك تصرفات سيئة ارتكبتها عدة أجهزة مع بدو سيناء تسببت فى إثارة أزمات بسبب عدم فهم طبيعة وعادات البدو. وأوضح أن عناصر من خارج سيناء قد تسربت إلى داخلها وتعمل على تغيير البنية المعيشية وثوابت المجتمع البدوى، فضلاً عن وجود منظمات بدأت تعمل تحت ستار مشاكل المرأة والدفاع عن حقوقها، مما أفرز جيلاً جديداً تأثر بهذه الأفكار وطالب الحكومة بالالتفات إلى هذه التحركات والتعامل معها بسرعة وإعادة الوضع إلى طبيعته فى السابق داخل سيناء. وأضاف: أن سيناء منطقة أمن قومى وسوف يزداد الانتماء لسيناء إذا ركزنا على تنميتها، لأننى تعاملت مع البدو من أهالى سيناء بشكل مباشر قبل وأثناء استلام العريش فهم ذوو طبيعة خاصة تتطلب إتاحة الفرصة لهم للمشاركة فى التنمية لأنها ستعود بالخير عليهم أولاً، بالإضافة إلى التركيز على وسط سيناء التى أهملت فيها التنمية لسنوات. البوابة الشرقية وفى اتصال هاتفى قال الشيخ عبدالله جهامة- رئيس جمعية مجاهدى سيناء «إننا نحلم بتنمية حقيقية لسيناء ترتفع إلى مستوى أهمية هذه البقعة من أرض مصر، وبوابتها الشرقية، سيناء تم نسيانها تماما بعد التحرير وظلت على مدى أكثر من ثلاثين عاما تحلم بالتنمية الحقيقية ولم تجدها رغم ما بذله أبناؤها من دماء اختلطت برمالها من أجل التحرير، فقد تم تكريم المجاهدين تكريما معنويا بإعطائهم أنواط الامتياز من الطبقة الأولى سواء من الرئيس السادات- رحمه الله- أو الرئيس السابق مبارك، وظن المجاهدون أن هذا التكريم سيتبعه تكريم مادى، لكن ذلك لم يحدث وللأسف الشديد لم يكن هناك أى نوع من الاهتمام حتى عام 99، حيث تقدم نواب شمال سيناء وقتها وأنا منهم بطلبات فى مجلس الشعب برفع راتب المجاهدين فوافق المجلس على صرف 500 جنيه و10 أفدنة لكل مجاهد، ولم يحدث ذلك إلى أن تولى اللواء مراد موافى محافظ شمال سيناء واستجاب لذلك.. بل رفع معاش المجاهد إلى 700 جنيه، لأنه كان بالمخابرات الحربية ويعلم جيدا حقيقة الدور الذى قام به المجاهدون، ولكن المبلغ غير كاف فطلبنا من عصام شرف رفع المعاش إلى 2000 جنيه لكن بلا جدوى.. هكذا يؤكد أن أحوال المجاهدين الآن غير جيدة لأن أبناءهم قد كبروا ولديهم متطلبات لا يستطيعون توفيرها، والدولة بإهمالها لهؤلاء قد تقضى على الولاء والانتماء لدى الشباب. ويضيف الشيخ عبدالله قائلا: «للأسف النظام السابق كان يقضى على الانتماء، لكن الأمل معقود بالثورة والقوات المسلحة الجهاز الوحيد الذى كان يعتنى بالمجاهدين فى عهد النظام السابق ومازال حتى الآن». التنمية متوقفة من جانبه قال اللواء على حفظى محافظ شمال سيناء سابقا إن سيناء ليست مهملة و لكن ماتم على أرضها لا يتناسب مع المدة التى مضت على تحريرها وترجع الأسباب فى ذلك إلى أن التفكير العملى لتطوير وتنمية سيناء بدأ بعد إتمام تسلمها فى 25 إبريل 1982 وتم التفكير فيما يسمى بالمشروع القومى لتنمية سيناء ويجب أن اعترف بأن هذا المشروع شارك فيه العلماء والمتخصصون، وهناك دراسات علمية متخصصة أسعدتنى عندما أطلعت عليها ولكنها تعتمد على رصد ميزانية تتكلف مليارات الجنيهات، وقد بدأ تنفيذها فعليا عام 1994 فى عهد حكومة الجنزورى السابقة وكان من المفترض أن تستمر حتى عام 2017، كما كان يفترض أن تشمل تحقيق كل طموحاتنا من الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة والعمران، خاصة أن الدكتور الجنزورى كان يعطى أولوية لكل ما يتعلق بتنمية سيناء وتلك شهادة حق عايشتها معه عن قرب عندما كنت محافظا لشمال سيناء فى يوليو.1997 وهنا اعتبر أن جوهر المشروع له ركيزتان مهمتان أولهما: أن يكون هناك دور للدولة فى التنمية تمثل نحو 35% من المشروع ككل والثانية:أن يكون هناك دور للقطاع الخاص يتحمل 65% من دوره فى التنمية، والفرق بين هذا الدور، وذاك يتمثل فى أن الدولة تكون مسئولة عن كل ما يتعلق بمتطلبات البنية الأساسية والخدمات. بالإضافة إلى ازدواج الطريق الدولى الذى يصل إلى مدنية العريش، فضلا عن خط السكك الحديدية والكوبرى العلوى وكوبرى الفردان وبداية إقامة المناطق الصناعية التى تم بدء العمل بها على أرض الواقع، ولكن بمجرد خروج حكومة الجنزورى اختلفت النظرة وبدأ معدل دوران عجلة التنمية على أرض سيناء يتباطأ تدريجيا إلى درجة وصلت إلى أنه شبه متوقف تقريبا. ويضيف اللواء حفظى أن الأسباب وراء تراجع التنمية فى سيناء تعود إلى أن هناك بعدا سياسيا يشمل هذه الجزئية من قبل أعلى قيادة سياسية فى الدولة فى ذلك الوقت، ولا يمكن أن يتم مثل هذا التوجه إلا إذا كان بموافقة من أعلى جهة سياسية فى البلد.