يظن البعض أن الإسلام يخاصم الجمال، فلم يفطنوا إلى قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) إن الله جميل يحب الجمال. والجمال هو بعض آيات الله سبحانه أبدعها فى الكون وأودعها فيه. يقول الله تعالى فى «سورة الأنعام»: انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) ، ويقول فى «سورة الصافات» ) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) ، وفى «سورة فصلت» وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) ، وفى «سورة الحجر» وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) فللإسلام منهج إزاء آيات الجمال والحسن والبهاء والزينة والزخرف التى أبدعها الله فى الوجود طالبا من الإنسان النظر فيها والاستقبال لتأثيرها والاستمتاع بمتاعها، شكرا لله على إبداعها وعلى إبداعه الحواس المستقبلية لتأثيراتها، وتخلقا ببعض من صفات الله الجميل الذى يحب الجمال. والجمال هو التناسق. ووظيفة الفنون هى إبراز هذا الجمال وقيمه من تنغيم حياتنا الداخلية والخارجية، وما يؤكده العلماء أنه بالإضافة إلى قدرة الموسيقى على صنع الجمال فى حياتنا فإن لها سحراً يمتد لميادين علاجية فهى تلعب دوراً فى تحسين صحتنا، وبها تتطور الروح الخلاقة، وتؤثر على نفسية الإنسان ومزاجه وترفع معنوياته، وبالتالى تقوى صحته، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تؤكد هذه الحقائق الدراسات العلمية، وقد بحث العالم ديجيه فى تأثير الموسيقى على نشاط الدورة الدموية والأعصاب وعملية التنفس ونادى بضرورة دراسة صلة الأعصاب السمعية بالجهاز العصبى المركزى، وكذلك العمليات التى تجرى فى المخ أثناء الاستماع إلى أنواع مختلفة من الموسيقى. وكان أوبيدوكليس يهدئ المصابين بالصرع باللعب على آله اسمها «الزيتر» ووصف الرومانى جالينوس الموسيقى بأنها ترياق ضد سموم الأفعى والعقرب وفى عصر النهضة أوصى بيكوت باستعمال الموسيقى لتنشيط الروح، وأشار أفلاطون إلى القوة العلاجية للأغنية، وأعلن فيثاغورث أن الموسيقى يمكن أن تداوى جنون الناس، وكتب هنرى بيشمان فى القرن السابع عشر يقول إن الموسيقى تطيل العمر، وفى مؤتمر عن العلاج بالموسيقى أقيم فى يوغسلافيا تم الإعلان أن الأغانى الحماسية هى أحسن علاج للمدمنين، وقال الدكتور جمال ماضى أبو العزايم إن الموسيقى أصبحت أداة فعالة فى مستشفيات الأمراض العقلية بالتغلغل إلى أعماق المرضى خصوصاً فى الحالات التى تصل بهم إلى إقامة أسوار حول أنفسهم فتعمل على إزاحة هذه الأسوار. والموسيقى وسيلة لمضاعفة إنتاج العمال فهى تساعدهم على تخفيف التوتر والملل والإجهاد المصاحب للعمل، وأثبتت التجارب زيادة الإنتاج تحت ظروف مختلفة من الموسيقى بنسبة تتراوح بين 4% و25%، وأن الزيادة فى النوبة النهارية تصل إلى 7% والمسائية إلى 18%. وفى مدارس الأطفال تستخدم الموسيقى لتحقيق أهداف تربوية واجتماعية وفكرية، فهى تساعد على تطوير الإدراك الحسى للتلميذ وتنشط عقله وتسهم فى علاج الخجل والانطواء، لأنها تعطيه الفرصة للتعبير عن ذاته. والأبقار يزداد إدرار لبنها إذا صاحبت العملية موسيقى، والإبل تنشط بسماع صوت الحادى، والحصان يرقص على صوت المزمار. لقد اختلف علماء المسلمين فى مسألة تحريم الاستماع إلى الغناء والموسيقى والاشتغال بهما والعمل على نهضتهما ونشرهما، ورد عليهم علماء حاجوهم فيما ذهبوا إليه مستعينين بكتاب الله وأحاديث الرسول والسيرة النبوية، والحق أن معظم الآراء القائلة بالتحريم ظهرت فى عصور، انتصر فيها الجمود على العقل، وفازت الجهالة على العلم وانسحب الجمود على العلوم الطبيعية والفلسفة الرياضية وفنونها فقد صنفوا هذه العلوم بأنها علوم كفر، مع أن فؤائدها كانت عظيمة وآثارها كبيرة فى تقدم الجنس البشرى ورقى العالم وثقافته الفنية والعلمية والعقلية. لقد استقبل أهل يثرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالإنشاد الجميل، وأوصى الرسول بالغناء فى عرس جارية وأنشد الصحابة أثناء حفر الخندق ولم يعترض عمر بن الخطاب على الصنف الذى يعفو عنه الله من الغناء، وقال على بن أبى طالب: روحوا عن القلوب ساعة.. وكان عمر بن عبد العزيز الخليفة الورع محبا للسماع.. وكانت السيدة سكينة بنت الحسين ترتاح لصوت غريض يغنى وينشد مراثى أهل البيت.. والموسيقى مثل أى نشاط إنسانى حلالها حلال وحرامها حرام ولم يمنعنا القرآن الكريم من الاستمتاع بالحياة، وأباحها رسولنا الكريم فمن ذا الذى ينادى بتحريم شىء أباحه الرسول سيد المرسلين وأجمل خلق الله، ومثله لم تلد النساء؟ [email protected]