من غير تزمت ولا جمود ولا إسراف أباح الإسلام الطيبات وحرّم الخبائث وهو دين الفطرة الذى يراعى واقع وطبيعة الإنسان. قال الله تعالى فى سورة الأعراف»: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) وقال فى سورة المائدة: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ قال فى سورة القصص: وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا فشريعتنا سمحاء تهدف إلى إسعاد البشرية قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «روحوا عن قلوبكم ساعة وساعة فإن القلوب إذا كلت عميت وإذا عميت لا تفقه شيئا». ولم يحرّم الإسلام من خلال القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية شيئا إلا لضرر عام أو خاص يصيب الفرد أو المجتمع. ورسالة الأديان السماوية هى السمو بالروح والارتفاع إلى الحقائق الإلهية لاستيعاب القيم الكبرى الثلاث: (الحق والخير والجمال). والموسيقى تسمو بسامعها وتتيح له أنسب الفرص لاستيعاب هذه القيم الكبرى، والموسيقى الرفيعة هى أبلغ تعبير عن العواطف الحية والمشاعر النابضة وهما عُدة المتدين الذى يحب دينه. ولذلك احتضنت الأديان الموسيقى. فمن احب دينه حسن إيمانه ثم أحب الله، ومن أحب الله أحب خلقه ثم أحب الإنسانية ومن أحب الإنسانية أحسن إليها. وقد استخدم المتصوفون الموسيقى الرفيعة فى الإنشاد بين حلقات الذكر لبلوغ الأهداف الروحية، وكما ذكرنا من قبل فإن الموسيقى كانت موضع رؤى جادة لكثيرين من فلاسفة الإسلام وعلمائهم. والفن لا ينفصل عن العبادة ومن النادر أن توجد هذه الأماكن دون بصمة لفنان، فالعبادة الجماعية على سبيل المثال لا تقوم إلا فى بناء معد لذلك. فالمعبد أو الكنيسة أو المسجد فى حاجة إلى مهندس معمارى يتمتع بمهارات حرفية خاصة. ولعل الإسلام وحده هو الفريد فى تقبل أى جزء من الأرض مسجدا أى موضعا للصلاة كما ورد فى الحديث الشريف. والعبادة الجماعية لم تكن صامتة إنما تقوم على فن الإلقاء والتعبير ويستخدم الفن والبلاغة فى المواعظ والخطب ومنها ما يستخدم الأناشيد والأذكار وما يتغنى به من نصوص مقدسة مثل الأذان فلا غنى عن الأدب والموسيقى التى يشترط أن تكون على مستوى رفيع حتى لا يُزرى بهذا الدين، بل لتترك الأثر المطلوب فى نفوس المستقبلين فتصبح الإستجابة لروائع الفنون أساسا نافعا فى التربية الدينية؛ لأنها تضمن قدرا من الصفاء والشفافية والإخلاص فى العبادة خصوصا إذا علمنا أن هناك من الحقائق الدينية ما تعجز لغة المنطق الدقيق عن التعبير عنها ولا سبيل إلى التعبير عنها إلا عن طريق الفن وهذا نُقّل عن الإمام الشافعى رضى الله عنه وعن الإمام أبى حنيفة.وقضايا السلام والديمقراطية والتقدم لها صلة وثيقة بالفن والموسيقى تحمل أنغاما عميقة وحماسية قوية تؤكد الجمال والشجاعة وتنشر السلام الذى تنادى به كل الأديان السماوية. والقيم العامة فى الإسلام لا تتعارض مع القيم العامة فى الموسيقى وقد تدخل الإسلام لكى يتجه بالموسيقى إلى ما يكفل سعادة الإنسان دون أن يتعارض ذلك مع الشرعية وأهدافها كما أنه يكبت الغرائز والميول ولا يهمل الحلال وما تشتهيه الأنفس، لذلك كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رغم تفرغه لنشر دعوته وتبليغ رسالته والانشغال بالغزوات ومحاربة الكفار من قريش إلا انه كان عليه الصلاة والسلام يتقبل الموسيقى والغناء ويدعو إليه فى مناسباته. من هذا ما سمح به لجارية من قريش نذرت لئن رده الله من غزوة لنضربن فى بيت عائشة بدف. فلما رجع الرسول الكريم، جاءت الجارية تريد أن تفى بنذرها، فذهبت عائشة رضى الله عنها لرسول الله تخبره قالت: فلانة ابنة فلان نذرت: لئن ردك الله تعالى أن تضرب فى بيتى بدف ، فقال لها: «فلتضرب» وما روى عنه عليه الصلاة والسلام وهو يمتدح أبا موسى الأشعرى حيث قال: «لقد أعطى مزمارا من مزامير آل داوود» وما تناقله الرواة من أنه صلى الله عليه وسلم أذن لبلال بن رباح الحبشى- أول من أسلم من الأحباش - بالأذان بصوته الجميل. وبالقطع فإن الأذان.. موسيقى . [email protected]