يقول الإمام الغزالى فى «إحياء علوم الدين» الجزء الثانى «إذا نظرنا إلى القرآن الكريم فتلاحظ الانضباط والأحكام فى كل ألفاظه وفى كل حروفه لا تتقدم كلمة عن كلمة إلا بسبب ولا تتأخر كلمة عن كلمة إلا بسبب». ويذكر القرآن السمع مقدما على البصر فى عديد من الآيات، فجهاز السمع فى الإنسان كما يؤكد علماء التشريح والفسيولوجى أرقى وأعقد وأدق وأرهف من جهاز الإبصار، ويمتاز عليه بإدراك المجردات مثل الموسيقى، والأم تميز صوت بكاء ابنها بين زحام الأصوات، أما العين فتتوه دائما فى زحام التفاصيل والموسيقى تغزو الإنسان عن طريق السمع أولا فينفعل بها العقل والوجدان. ويذكر لنا القرآن الكريم السمع مقدما على البصر بطريقة واضحة، حددها الدكتور مصطفى محمود فى كتابه «محاولة لفهم عصرى للقرآن» فى 17 موضعا..وترى الدكتورة سهير عبد العظيم أن حاسة السمع تستلذ الصوت الحسن البديع فيكون له أثره القوى فى النفوس حتى أن المرضى يعالجون عن طريق هذه الحاسة بسماع الأنغام الشجية والألحان المؤثرة الجميلة والموسيقى المطربة، فالله لم يخلق فينا هذه الحاسة هباء، وإنما لحكمة كبيرة، واستعمالها يعود على الإنسان بالرقى والموسيقى خير عون على ذلك، والحداد هو نوع من الغناء المنتظم وجد فى الجاهلية واستمر فى عهد الرسول (T) والخلفاء الراشدين. هل الموسيقى حرام؟.. لو أن الإجابة بنعم ما أقبل الإمام أحمد بن حنبل على مجلس القاضى إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف لسماع غنائه، وهو الإمام الذى اقتدى كثير من المسلمين، بمذهبه كحجة قوية غاية فى الصدق، وروى أن الإمام الشافعى قد سمع الغناء أيضاً، وقد مر مع أحد أصحابه وهو إبراهيم بن إسماعيل على دار قوم تغنيهم جارية بصوت جميل فقال الشافعى لصاحبه: ميادا بما نسمع، ودخلوا الدار جميعا بقصد السماع، فلما انتهت الجارية من الغناء قال الإمام لصاحبه إبراهيم: أيطربك هذا؟ فرد صاحبه: لا فقال له الإمام: مالك حس؟ لقد طرب الإمام وجرد صاحبه من الحس لأنه لم يطرب من الغناء الحسن. وكان الشافعى يرى أن الطرب عقل وكرم ومن لا يطرب فليس بالعاقل ولا كريم، وكانت السيدة سكينة بنت الحسين رضى الله عنهما ترتاح إلى سماع الغناء، وقد تخصص المغنى الشهير «عريض» بخدمتها وكان منقطعا لها منشدا مراثى أهل البيت نائحا عليهم. بعض علماء المسلمين قد اختلفوا فى موضوع إباحة الاستماع إلى الغناء والموسيقى وتحريم هذا الفن وكراهية السماع واستدلوا على رأيهم بأدلة صمموا على صحتها منها ما جاء فى الآيات القرآنية فى سورة المؤمنون وفى سورة الفرقان وفى سورة القصص ) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55))، وفى سورة لقمان ، وفى سورة الجمعة ويرى هؤلاء العلماء أن المقصود باللغو، ولهو الحديث هو الغناء، بينما يرى الدكتور محمد عبد الفضيل القوصى وزير الأوقاف الحالى أن لهو الحديث من المفترض أن يكون هو القبح أما إذا كان به شىء جميل، فلا توجد مشكلة. [email protected]